تتوالى الدعاية الإعلامية والدبلوماسية الغربية في التحذير من استخدام الأسلحة المحرمة، ومنها الذخائر الكيماوية والبيولوجية وحتى النووية، وتتهم القوات الروسية بأنها تفكر في استخدامها، رغم نفي موسكو القاطع لهذه الاتهامات، مؤكدة، في أكثر من مناسبة، أن أطرافاً ما يمكن أن «تفبرك» حوادث، كما حدث من قبل في سوريا، من أجل إحراج القوات الروسية و«شيطنتها» ووضعها في دائرة ضغط أوسع.
وساهم الحديث عن الأسلحة المحظورة في ظهور انقسام عميق بين القوى الغربية للتعامل مع الهجوم الروسي في أوكرانيا، واتضح ذلك عندما بدأت عواصم عدة، بينها وارسو وواشنطن وبرلين ولندن وبوادبست، تتقاذف قضية دعم الجيش الأوكراني بمقاتلات «ميج 19»، قبل أن تحسم وزراة الدفاع الأمريكية الموقف وأعلنت استحالة تنفيذ الخطة، لكنها اقترحت بحث دعم الأوكران بمنظومة «إس 300» والموجودة لدى عدد من دول أوروبا الشرقية. ولكن يتضح أيضاً أن هذا «المشروع» لن يكتب له النجاج بعد أن دخل في نفق طويل من السجالات.
إثارة وتحذير
أما إثارة فرضية استخدام أسلحة الدمار الشامل، فقد بدأت تتصاعد خلال الساعات الماضية بعد ضربة وجهتها القوات الروسية لقاعدة تضم خبراء ومستشارين غربيين على بعد 15 كيلومتراً من الحدود مع بولندا، الذي أكد رئيسها أندريه دودا أن استخدام موسكو للأسلحة الكيماوية «سيبدّل قواعد اللعبة» وسيدفع حلف شمال الأطلسي لإعادة التفكير في النزاع. وأضاف أنه سيتعيّن في هذه الحال على حلف شمال الأطلسي، الذي انضمت إليه بولندا عام 1999، التفكير جدّياً في خطواته المقبلة. وتابع «لأنه عندها سيصبح الوضع خطراً، ليس لأوروبا فحسب، ليس لجزئنا من أوروبا فحسب.. بل للعالم بأسره». وفي نظر المتابعين فإن بولندا تعتبر نفسها في دائرة الخطر إذا تمكنت موسكو من إخضاع أوكرانيا لشروطها. وبناء على هذه الهواجس تتطلع وارسو إلى دعم أكبر من حلف شمال الأطلسي «الناتو» والولايات المتحدة، لكن الطرفين يخشيان التصعيد والصدام مع روسيا. وإلى جانب بولندا، انضم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج إلى جوقة المحذرين من استخدام ذخائر محرمة، وقال إن روسيا قد تستخدم أسلحة كيماوية في أعقاب عمليتها العسكرية في أوكرانيا. وأشار ستولتنبرج إلى أن خطوة كهذه ستكون جريمة حرب، وذلك وفقاً لمقابلة نشرتها صحيفة «فيلت أم زونتاج» الألمانية.
بعد نفسي لا غير
ويرى الخبير في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية الفرنسية أوليفييه لوبيك أن استخدام أسلحة كيميائية اعلنت روسيا رسمياً أنها تخلصت منها، في أوكرانيا لن يكون له «أهمية عسكرية كبرى إنّما بُعد نفسي هائل» ويبدو «فرضية غير منطقية». ويضيف لوبيك، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، «لا أؤمن كثيراً بالتصعيد الكيمياوي أو البيولوجي في المسرح الأوكراني. إنها سردية هدفها اتهام الخصم في شكل مسبق بارتكاب أبشع الجرائم لتبرير العملية اللاحقة».
وتصر السلطات الأوكرانية على اتهام روسيا باستخدام أسلحة محرمة، وادعى مسؤول أمني أوكراني في منطقة لوغانسك شرقي البلاد أن الجيش الروسي قصف بلدة بقنابل فوسفورية، وهو ما نفته موسكو بشكل قاطع، وأكدت أنه تم استخدام قنابل إضاءة ليلية حاولت الآلة الإعلامية المناهضة لها تصويرها على أنها قنابل فسفورية.
مجادلة بلا جدوى
وبنظر خبراء عسكريين فإن القوات الروسية ليست بحاجة إلى أسلحة غير تقليدية في أوكرانيا بالنظر إلى سيطرتها على الأجواء ومعظم المحاور على الأرض، فضلاً عن تفوق عتادها بشكل كبير على ما تمتلكه القوات الأوكرانية. أما تركيز الاتهامات بشكل صارخ فهي أشبه ب«قعقعة السيوف» التي ترمي إلى إطالة أمد الحرب وثني موسكو عن استخدام قوة ساحقة للحسم، بحسب بعض الخبراء.
وعلق السفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنطونوف، مؤخراً، على التصريحات الأمريكية الأخيرة بشأن احتمال استخدام روسيا أسلحة كيماوية في أوكرانيا بأنها محاولة أخرى ل «شيطنة» روسيا. وقال أنطونوف: «مثل هذه المزاعم لا تساوي شيئاً، فالمسؤول الأمريكي، كعادته، لم يكلف نفسه عناء تقديم أي دليل. هذه محاولة أخرى لتشويه صورة بلدنا»، مضيفًا: «بلادنا، على عكس الولايات المتحدة، تخلصت من جميع المخزونات المتاحة من عوامل الحرب الكيماوية في عام 2017. وقد قامت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بتوثيق هذه الحقيقة. ولا جدوى من المجادلة في هذه الحقيقة».