الحكومة معشوقة الجماهير، عراب فتح المساحات متتبع خطى الظاهرة رونالدو، المهاجم الذي أسكت منتقديه وكسب ود مدربيه، خاض رحلة من الانتقادات الساخرة الى قمة المجد، هداف أسكت بإنجازاته صافرات الاستهجان التي لاحقته في بداية مشواره الكروي وأوقف ضحكات زملائه في ليون على تلعثمه «جئت لآخذ مكانكم».
إنه كريم بنزيمة الذي لم يفارقه يوماً حلم أن يكون فتى فرنسا الذهبي وأحد أهم أساطيرها الكروية.. فكانت كل أحلامه تنطوي على تمثيل ليون الفرنسي القريب من حيه، كخطوة أولى في طريق المجد.
الأسطورة بنزيمة ذو الأصول الجزائرية الذي ولد بفرنسا في 19 ديسمبر 1987، لأبوين عربيين في حي برون الفقير، تلقى تربية صارمة من قبل أبيه حافظ وأمه وحيدة، في عائلة تضم 8 أبناء، وضعته على المسار الصحيح في أحد أحياء ليون المتواضعة.
وقد ظهر حبه لكرة القدم سريعاً، متميزاً عن بقية أقرانه، إذ كان يمارسها في ملاعب صغيرة قرب منزله، وعمل على ضبط عاداته الغذائية ليشق طريقه منذ البداية من أكثر الأحياء تواضعاً في مدينته.
وزاد شغفه بالساحرة المستديرة مع تألق زين الدين زيدان مع المنتخب الفرنسي وكذلك المهاجم البرازيلي رونالدو، الذي كان هو الآخر مصدر إلهامه بشكل كبير، وكان يتمنى أن يصبح مثلهما.
وبدأ كريم في اللعب وهو في الثامنة من عمره في أشبال نادي برون تيراليون، حيث تغيرت مسيرته بثنائية سجلها في أولمبيك مارسيليا.
وبعدها بشهور أصبح لاعبًا في ناشئي أحد أكثر الأندية الشهيرة في البلاد، ليون، الذي استضافه في مركزه للتدريب، المخصص للأطفال القادمين من مناطق أخرى.
باستضافته في مركز ليون، ابتعد كريم الشاب عن الصحبة السيئة في حيه وراح يصعد درجات السلم بسرعة. ففي سن السادسة عشرة كان يلعب في الفريق الثاني، مع اشتهاره بكونه هداف كل فئة عمرية.
وسريعاً راح يتدرب مع الفريق الأول الذي تعرض لصدمة كبيرة حين سخر منه زملاؤه لتلعثمه وخجله فقال لهم «لاتضحكوا فقد جئت لآخذ مكانكم».
وخاض أول مباراة في الدوري في 2005 تحت قيادة المدرب بول لو جين وصدق وعده فقد صار نجم الفريق الأول بعد رحيل معظم نجومه حتى تنافست عليه كبار الأندية الأوروبية.
وبعد موسمين في الفريق، عرف كريم التوهج حين سجل 31 هدفًا في 51 مباراة، ليكون هداف الدوري، ويصبح ركيزة أساسية في ثنائية ليون التاريخية.
وقد لفت انتباه فيرنتينو بيريز الذي سافر اليه وزاره في بيته خشية أن يخطفه مانشستر يونايتد.
واستمر لعام آخر في ليون بعد تجديد عقده وتحسن أحواله المادية عدة مرات، ليصبح أفضل لاعب في الدوري الفرنسي، وتم ترشيحه للمرة الأولى للكرة الذهبية في وقت كان يهيمن فيه كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي عليها.
وكانت أعين إدارة ريال مدريد عازمة على ضم الجوهرة الجديدة في كرة القدم الفرنسية وكان يجري المفاوضات رئيس النادي فلورنتينو بيريز بنفسه.
بدأ بنزيمة مع الملكي الاسباني بداية مخيبة للآمال ولا تليق ببريقه المتوهج عندما تهافت عليه كبار العالم في ليون، فلم يقنع الجماهير ولا المدرب جوزيه مورينيو الذي اضطر الى أن يقلل منه علانية عندما اضطر لإشراكه بديلًا عن هيجوايين حيث قال عنه «الجميع يذهبون للصيد ومعهم أسد.. ولكن أنا أذهب للصيد ومعي قطة».
كثيرون اعتبروه ظل كريستيانو رونالدو لكن نقطة ضعفه تلك كانت نفسها نقطة قوته إذ كان أكثر من صنع أهدافاً للنجم البرتغالي على الاطلاق وذلك دوره الذي أجبر المدربين الذين تواتروا على الفريق على التمسك به.
رحل الدون عن الريال لينجلي الصدأ عن الذهبي بنزيمة الذي ظهر دوره الحقيقي بقيادته الريال وحصد لقبين في الليغا ومعه لقب أوروبي تاريخي.
طال الحظ العثر بنزيمة في بداياته ليحرم من التتويج بكأس العالم 2018 في روسيا مع فرنسا بعد إخراجه من تشكيلة الديوك على أثر قضية ابتزاز مزعومة في 2015.
واستمر بنزيمة ل 13 عاماً في ريال مدريد شهدت مراحل متقلبة في مسيرته، كان أبرزها بعد رحيل كريستيانو رونالدو حين أصبح القائد الملهم للفريق.
وأصبح بنزيمة ثاني أكثر لاعب تتويجاً ببطولات في ريال مدريد (24) وأصبح يهدد عرش البرازيلي مارسيلو، وفاز مع الملكي ببطولات دوري الأبطال خمس مرات والدوري المحلي أربع مرات ومونديال الأندية أربع مرات وكأس السوبر الأوروبي أربع مرات وكأس الملك مرتين وكأس السوبر الإسباني أربع مرات ودوري الأمم مرة مع منتخب فرنسا.
ويعد ثاني الهدافين التاريخيين للنادي الملكي ب 328 هدفًا بعدما تجاوز أساطير مثل راؤول ودي ستيفانو، ولا يتجاوزه إلا كريستيانو رونالدو.
وهو أيضًا صاحب المركز السادس في عدد المباريات مع النادي بواقع 615 مباراة.
ويأتي تتويج بنزيمة بالكرة الذهبية كثمرة لموسم لا ينسى، سجل فيه أكبر عدد من الأهداف في تاريخه ب 44 هدفًا وصنع فيه 17 هدفًا في 46 مباراة. وهو أيضًا هداف دوري الأبطال (15 هدفاً) والدوري المحلي (27 هدفاً).
وأصبح بنزيمة ثامن لاعب من ريال مدريد يفوز بجائزة الكرة الذهبية، كما أصبح أول لاعب فرنسي يفوز بالجائزة منذ عام 1998، عندما حققها زين الدين زيدان.
وأصبحت فرنسا تمتلك الآن 5 فائزين مختلفين بالكرة الذهبية، ولا توجد أي دولة أخرى لديها أكبر من هذا العدد وهو إنجاز ذهبي.
وسبق بنزيمة لهذا الإنجاز الرباعي الفرنسي: ريمون كوبا 1958، ميشيل بلاتيني 1983، 1984، 1985، جان بيير بابان1991 وزين الدين زيدان 1998.
قال الحكومة بنزيمة عقب فوزه بالجائزة.. فخر كبير الفوز بهذه الجائزة، أتذكر العمل والمثابرة منذ طفولتي، الكرة الذهبية كانت في ذهني دائماً، ثم جاء الإلهام والرغبة، حيث كان لدي مثل أعلى هما زيدان ورونالد، كنت أعمل ولا أستسلم مرارًا وتكرارًا، المهم أن تبقي هذا الحلم في ذهنك، رغم أنني مررت بظروف صعبة ولم أكن مع المنتخب الفرنسي لفترة، لكني نجحت في تخطي ذلك.. عاشت عائلتي فترات صعبة معي، لأول مرة أفوز بهذه الجائزة، راض عن العمل الذي قمت به، سأواصل بالطبع، أشكر كل زملائي في ريال مدريد ومنتخب فرنسا ومدربي ورئيس النادي العظيم فلورنتينو بيريز الذي منحني فرصة كبيرة، الكرة الذهبية جائزة فردية، لكنها بالنسبة لي جائزة جماعية، أهديها لكل الشعب.
وبعد 14 عاماً من اللعب في صفوف الميرنجي يعلن صاحب الكرة الذهبية أن قطاره وصل لمحطته الأخيرة مع النادي الملكي الذي أعلن في بيان له الاحد: أن اتفق نادي ريال مدريد وقائده كريم بنزيمة على إنهاء الفترة الرائعة التي لا تنسى مع نادينا، كما أن النادي يُظهر امتنانه وكل عاطفته تجاه من هو بالفعل أحد أعظم أساطيرنا.