إعداد- أحمد البشير:
اندلعت التوترات بين صربيا وكوسوفو من جديد، بعد أن داهمت شرطة كوسوفو المناطق التي يسيطر عليها الصرب في شمال المنطقة، واستولت على مباني البلديات المحلية. ووقعت اشتباكات عنيفة بين شرطة كوسوفو وقوات حفظ السلام التي يقودها الناتو من جانب والصرب المحليين من الجانب الآخر، ما أسفر عن إصابة العشرات من الجانبين.
رفعت صربيا الاستعداد القتالي لقواتها المتمركزة بالقرب من الحدود مع كوسوفو، وحذرت من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرض الصرب للهجوم مرة أخرى. وأثار هذا الوضع مخاوف من تجدد الصراع الذي كان في الفترة 1998- 1999 وأودى بحياة أكثر من 10 آلاف شخص وشرّد أكثر من مليون آخرين.
وتعود الأزمة إلى شهر إبريل/ نيسان الماضي، عندما قاطع صرب كوسوفو الانتخابات المحلية، ما سمح للألبان (غالبية سكان كوسوفو) بالسيطرة على المجالس المحلية في ظلّ نسبة مشاركة في الانتخابات تقل عن أربعة في المئة.
وتركزت الاشتباكات الأخيرة في أربع بلديات شمالية متاخمة لصربيا، تضم الكثير من الأقلية الصربية في كوسوفو. ومقاطعة الانتخابات المحلية الشهر الماضي، كانت مدفوعة من قبل حزب سياسي صربي في كوسوفو.
ولضمان حصول الألبان الذين فازوا في الانتخابات البلدية الأخيرة على مناصبهم، أرسلت الحكومة المركزية في كوسوفو قوات أمن مسلحة إلى المنطقة، وهي خطوة دانتها الولايات المتحدة، الداعم الدولي الرئيسي لكوسوفو، بعبارات قوية بشكل غير عادي.
ويزداد الوضع سوءاً في بلديات «زفيكان» و«ليبوسافيتش» و«زوبين بوتوك» بعد مطالبة السكان المحليين بإلغاء حظر الوصول إلى المباني الإدارية، وسحب شرطة كوسوفو منها ومغادرة رؤساء البلديات الألبان المنتخبين.
صراع تاريخي
ويعد التصعيد الأخير جزءاً من الخلاف حول وضع كوسوفو؛ إذ أعلنت الأخيرة استقلالها عن صربيا في عام 2008، في أعقاب حرب عامي 1998-1999 التي حاول فيها ألبان كوسوفو الانفصال عمّا كان يُعرف آنذاك بجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، والتي تتكون اليوم من صربيا والجبل الأسود. وتدخّل «الناتو» في الحرب، لحماية الأغلبية الألبانية في كوسوفو.
وتنظر صربيا إلى كوسوفو كدولة انفصالية، ولا تعترف باستقلالها. وينظر صرب كوسوفو إلى أنفسهم على أنهم جزء من صربيا، ويرون أن بلغراد عاصمتهم وليست بريشتينا.
ويعيش أغلب صرب كوسوفو، وهم أقل من عُشر إجمالي السكان، في المناطق الشمالية، وقد طالبوا بشكل متزايد بحكم ذاتي أكبر من الأغلبية الألبانية.
وحاولت اتفاقية بروكسل لعام 2013 التي تم التوصل إليها بوساطة الاتحاد الأوروبي، تطبيع العلاقات بين البلدين. وبموجب هذه الصفقة، يمكن لصربيا إنشاء بلديات تتمتع بالحكم الذاتي في المنطقة الشمالية، ولكن يجب أن تعمل هذه البلديات في ظل النظام القانوني في كوسوفو، مع بقاء شرطة كوسوفو القوة الوحيدة للشرطة.
وحتى التفاصيل التي تبدو صغيرة يمكن أن تتسبب في اندلاع اضطرابات كبيرة. ولسنوات، أرادت كوسوفو من الصرب تبديل لوحات سياراتهم الصربية إلى لوحات صادرة عن بريشتينا. وفي العام الماضي، أعلنت حكومة كوسوفو عن نافذة لمدة شهرين يتعين فيها تغيير اللوحات، لكنها أجلت الموعد النهائي بعد احتجاجات عارمة.
واستقال رؤساء بلديات من أصل صربي في البلديات الشمالية، إلى جانب قضاة محليين ونحو 600 من ضباط الشرطة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتجاجاً على التحول الذي يلوح في الأفق.
وفي مارس/ آذار الماضي، وقع البلدان اتفاقاً جديداً في «أوهرين» بمقدونيا الشمالية، يهدف مرة أخرى إلى تطبيع العلاقات، لكن تبع ذلك انتخابات محلية مثيرة للجدل في أربع بلديات في شمال كوسوفو.
مقاطعة الانتخابات
ودعا الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الصرب في المنطقة إلى مقاطعة الانتخابات، قائلاً: إنه لا ينبغي لهم بعد الآن التسامح مع «احتلال» أجنبي.
ودعت القائمة الصربية، وهو الحزب السياسي الرئيسي في المنطقة، الجالية الصربية إلى عدم التصويت في الانتخابات، كما دعت مرشحيها إلى عدم الترشح، ما أفسح للمرشحين من أصل ألباني المجال للفوز بالانتخابات.
وخوفاً من احتمال وقوع أعمال عنف، غيّرت لجنة الانتخابات المركزية في كوسوفو خططها لوضع أكشاك تصويت في المدارس المحلية، وبدلاً من ذلك أقامت أكواخاً متنقلة، تشرف عليها دوريات قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو.
وقال رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي: إن هناك حملة تهديد نظمتها بلغراد، ونفذت من خلال الترهيب والضغط والابتزاز من قبل الجماعات الإجرامية.
وبعد إغلاق مراكز الاقتراع، قال مسؤولو الانتخابات: إن نحو 1567 شخصاً فقط صوتوا في البلديات الأربع، بنسبة إقبال بلغت 3.5%، وفقاً لوسائل الإعلام المحلية.وكان تضاؤل الإقبال علامة على نجاح المقاطعة في هذه المناطق ذات الأغلبية الصربية. وتجمع المتظاهرون الصرب خارج المباني البلدية في عدد من البلدات ذات الأغلبية الصربية، في مواجهة مع قوات أمن كوسوفو وقوات من بعثة حفظ السلام التي يقودها الناتو. وأصيب 30 جندياً من قوات حفظ السلام التابعة للناتو بجروح في الاشتباكات، من بينهم 19 إيطالياً و11 مجرياً.
وفي المقابل، دانت الدول التي تقف إلى جانب بريشتينا في ما يتعلق بقضية تسوية التوتر بين صربيا وكوسوفو، إجراءات بريشتينا. وعليه، دعت المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إلى وقف التصعيد بشكل فوري.
وهناك جهود دولية مستمرة لإيجاد أرضية مشتركة بين الخصمين السابقين في زمن الحرب، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل نهائي حتى الآن.
وتوسط مسؤولو الاتحاد الأوروبي في مفاوضات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو. تم التوصل إلى العديد من الاتفاقات، لكن نادراً ما تم تنفيذها على أرض الواقع.
ويأمل المسؤولون الدوليون في تسريع المفاوضات، والتوصل إلى حل في الأشهر المقبلة، وسيكون على كلا البلدين تطبيع العلاقات إذا كانا يريدان التقدم نحو عضوية الاتحاد الأوروبي. وأي تدخل عسكري صربي في كوسوفو، سيعني حدوث صدام مع قوات حفظ السلام التابعة للناتو المتمركزة هناك.
وهناك نحو 3800 جندي من الناتو يتمركزون في كوسوفو، ومهمتهم بشكل أساسي حفظ السلام، إضافة إلى مراقبة الحدود، خاصة مع صربيا؛ حيث تعمل بلغراد حالياً على تعزيز وجود قواتها.