في مأزق جديد للحزب الجمهوري الذي يسعى بقوة للعودة إلى الرئاسة الأمريكية في 2024، يواجه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، تهماً وجّهها له القضاء الفيدرالي، ما يطرح تساؤلات عن إمكانية ترشحه وفوزه في الانتخابات ووصوله رئيساً من جديد إلى البيت الأبيض.
يتطلب الدستور الأمريكي ثلاثة أشياء فقط من المرشحين، هي أن يكون مواطناً بالفطرة، ويبلغ من العمر 35 سنة، على الأقل، ومقيماً في الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً على الأقل.
وبالتالي فإن الدستور لا يمنع ترشح ترامب، أو فوزه بالرئاسة، حتى لو أدين قضائياً، وكان يقبع في السجن.. فهل هذا يعني أن ترامب يمكنه أن يدير البيت الأبيض من محبسه إذا فاز في الانتخابات وأصبح رئيساً؟
في العادة لا تسمح المحاكمات للمرشحين بتقديم أفضل ما لديهم. لكن لا يحرم عليهم الترشح أو الانتخاب.
ومن الناحية السياسية، ربما يكون من الأصعب على المرشح المتهم، والذي يمكن أن يصبح مجرماً مداناً، أن يفوز بالأصوات.
وأوضح ريتشارد هاسن، أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس، في وقت سابق من هذا العام أن «لا شيء يمنع ترامب من الترشح في حال إدانته»، بحسب شبكة «سي إن إن».
بدورها، قالت جيسيكا ليفينسون، المدير المؤسس لمعهد الخدمة العامة بكلية Loyola Law School، لصحيفة USA TODAY سابقاً: إنه «من الناحية القانونية، لا يوجد ما يمنع رئيساً سابقاً وجهت له اتهامات بارتكاب جريمة حكومية، والترشح للمنصب حتى في حال إدانته».
وتابعت «لقد أصبح الأمر حقاً مجرد مسألة عملية، إذ كيف يمكنك إدارة البلاد خلف القضبان، إذا حدث شيء من هذا القبيل؟»، بحسب «العربية نت».
- لا قيود دستورية على ترامب
ولا توجد قيود في دستور الولايات المتحدة تمنع أي شخص متهم أو مدان بارتكاب جريمة، أو حتى يقضي عقوبة بالسجن حالياً، من الترشح للرئاسة، أو الفوز بها.
وحتى لو تمت محاكمة ترامب وإدانته في إحدى ما يسمى بـ«المحاكمات السريعة» فلا يزال بإمكانه إدارة حملته الرئاسية بأكملها من زنزانة السجن، بحسب تقرير لصحيفة «إندبندنت».
ومثلما لا توجد قيود في الدستور على الشخص الذي يرشح نفسه أثناء توجيه الاتهام إليه، لا يوجد تفسير لما يجب أن يحدث في حالة فوزه.
ولا يوجد أي شيء في الوثيقة من شأنه أن يمنح ترامب تلقائياً تأجيلاً من السجن، باستثناء احتمال أن تكون أي تهم توجهها السلطات الفيدرالية، إذا كانت لا تزال قيد التقاضي عند النقطة التي تولى فيها الرئاسة للمرة الثانية، بسبب رفض وزارة العدل مقاضاة رئيس حالي.
يذكر أن ترامب أعلن، الخميس، أن القضاء الفيدرالي وجّه إليه تهماً لإدارته لوثائق البيت الأبيض.
وكتب على شبكته الخاصة للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال» أن «إدارة (الرئيس جو) بايدن الفاسدة، أبلغت محاميّي بأنني متهم رسمياً، على الأرجح في قضية الصناديق الوهمية»، في إشارة إلى صناديق الوثائق التي نقلها إلى منزله عندما غادر واشنطن.
وأوضح الملياردير الذي داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) منزله في فلوريدا، الصيف الماضي، بحثاً عن الأرشيف أنه استدعي للمثول، الثلاثاء، أمام محكمة فيدرالية في ميامي.
ووجهت إلى ترامب تهم إساءة التعامل مع وثائق سرية في منزله في فلوريدا، في تطور ملحوظ يجعله أول رئيس سابق في تاريخ الولايات المتحدة يواجه اتهامات جنائية من قبل الحكومة الفيدرالية التي أشرف عليها ذات مرة.
- سبع تهم.. ومحاكمات جنائية
كان من المتوقع أن تعلن وزارة العدل عن لائحة اتهام مكونة من 7 تهم قبل مثوله التاريخي أمام المحكمة، الأسبوع المقبل، في خضم حملة رئاسية عام 2024 تتخللها محاكمات جنائية في ولايات متعددة.
وتحمل لائحة الاتهام عواقب قانونية خطرة لا لبس فيها، بما في ذلك إمكانية السجن في حالة إدانة ترامب.
لكن لها أيضاً تداعيات سياسية هائلة، من المحتمل أن تقلب الانتخابات التمهيدية الرئاسية للجمهوريين التي كان ترامب يسيطر عليها، ويختبر من جديد استعداد ناخبي الحزب الجمهوري وزعماء الأحزاب للالتزام بمرشح وجهت له اتهامات مرتين، والذي قد يواجه المزيد من التهم.
وتمهد الاتهامات الطريق لمحاكمة مثيرة تركز على الادعاءات القائلة بأن رجلاً كلف يوماً ما بحماية أسرار البلاد الأكثر حراسة مشددة، عن عمد وبشكل غير قانوني، قام بتخزين معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي.
ولم تؤكد وزارة العدل على الفور قرار الاتهام علناً، لكن شخصين مطلعين على الوضع لم يُصرح لهما بمناقشته علناً قالا إن لائحة الاتهام تضمنت 7 تهم جنائية.
وقال أحد هؤلاء الأشخاص إن النيابة العامة اتصلت بمحامي ترامب قبل وقت قصير من إعلانه، الخميس، على منصته «تروث سوشيال» أنه قد تم توجيه الاتهام إليه.
- تبرعات الحملة الرئاسية
في غضون دقائق من إعلانه، بدأ ترامب، الذي قال إنه سيمثل أمام المحكمة بعد ظهر، الثلاثاء، في ميامي، في جمع التبرعات من أجل حملته الرئاسية.
وأعلن ترامب براءته في مقطع مصور، وكرر ما اعتاد عليه أن التحقيق هو «مطاردة ساحرات»، وفقا لـ«سكاي نيوز عربية».
تضيف القضية إلى الخطر القانوني المتزايد بالنسبة لترامب، الذي وجهت إليه بالفعل لائحة اتهام في نيويورك ويواجه تحقيقات إضافية في واشنطن وأتلانتا قد تؤدي أيضاً إلى توجيه تهم جنائية. لكن من بين التحقيقات المختلفة التي يواجهها، رأى الخبراء القانونيون – إضافة إلى مساعدي ترامب نفسه – منذ فترة طويلة أن تحقيق مار إي لاغو، هو التهديد الأكثر خطورة والأكثر نضجاً للمقاضاة.
وكان مساعدو الحملة يستعدون للتداعيات منذ أن تم إخطار محامي ترامب بأنه كان هدفاً للتحقيق، على افتراض أن الأمر لم يكن يتعلق بما إذا كان سيتم توجيه اتهامات أم لا، ولكن متى سيحدث ذلك.
وأوضح محاميه، جيم تراستي، لشبكة «سي إن إن» أن موكله سيستجيب لهذا الاستدعاء وأنه يواجه سبع تهم، خصوصاً بموجب قانون التجسس الذي يحظر الاحتفاظ بوثائق سرية في مواقع غير مصرح بها وغير مؤمّنة.
وأضاف أن دونالد ترامب الذي أصبح الآن أول رئيس سابق في تاريخ الولايات المتحدة يوجه إليه القضاء الفيدرالي تهماً، ملاحق أيضاً بتهمتي عرقلة سير عمل القضاء والحنث باليمين.
وكان ترامب اتهم رسميا في مارس/ آذار بعدد من عمليات الاحتيال المحاسبية من قبل قاضي ولاية نيويورك، في قضية دفعه قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016، أموالاً لإسكات «ممثلة أفلام» تقول إنها كانت عشيقته.
ودافع قطب العقارات السابق الذي يتقدم حالياً بفارق كبير عن المتنافسين الآخرين لكسب ترشيح الحزب الجمهوري، باستمرار عن نفسه من تهمة الاختلاس، ويعتبر أنه ضحية «اضطهاد سياسي».
وقال في تسجيل فيديو نشر على تويتر، مساء الخميس «أنا بريء ولم أرتكب أي خطأ»، مدينا «تدخلاً انتخابياً على أعلى مستوى».
عندما غادر البيت الأبيض ليستقر في منزله الفاخر في مارالاغو، نقل دونالد ترامب معه صناديق كاملة من الملفات.
وقد نقل هذه الوثائق على الرغم من أن قانوناً صدر في 1978 يلزم كل رئيس أمريكي بإرسال كل الرسائل الإلكترونية والخطية ووثائق العمل الأخرى الخاصة به إلى الأرشيف الوطني.
وبعد عام وطلبات متكررة، وافق على إعادة 15 صندوقاً تحوي أكثر من مئتي مستند سري. وأكد محاموه في رسالة بعد ذلك عدم وجود أي وثيقة أخرى.
لكن بعد فحص الوثائق، رأت الشرطة الفيدرالية أنه لم يعد كل شيء وأنه ما زال يحتفظ بعدد كبير من الأوراق في ناديه في بالم بيتش.
وداهم عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي في الثاني من أغسطس/ آب، المنزل وصادروا نحو ثلاثين صندوقاً آخر تحتوي على 11 ألف وثيقة، بعضها حساس جداً بشأن إيران، أو الصين.
ورأى محاموه أنها عملية إعلامية، وانتقدوا بشدة مكتب التحقيقات الفيدرالي لنشره صورة تظهر وثائق مصادرة مختومة بكلمات «سري للغاية»، مبعثرة.
- مواقف متباينة
وقال رئيس مجلس النواب، كيفن ماكارثي «أقف مثل كل الأمريكيين الذين يؤمنون بسيادة القانون، مع الرئيس ترامب». بينما رأى جيم جوردان رئيس اللجنة القضائية في المجلس أنه «يوم حزين لأمريكا».
ومن دون أن يكون حاسماً في موقفه، قال الملياردير إيلون ماسك، الذي يتمتع بحضور متزايد على الساحة السياسية، إنه «يبدو أن هناك اهتماماً بمقاضاة ترامب أكثر من السياسيين الآخرين».
أما الديمقراطيون فقد رحبوا بالنبأ وحذروا من خطاب دونالد ترامب. وقال النائب آدم شيف إن ترامب «سيحاول استخدام هذا الاتهام أداة لتحقيق مكاسب سياسية، لأن الفوز بالرئاسة قد يكون طريقته الوحيدة لتجنب عقوبة السجن»، بحسب «فرانس برس».
ولإسكات الاتهامات بالتآمر، كلف وزير العدل ميريك غارلاند، المدعي الخاص جاك سميث، الإشراف على هذا التحقيق وتحقيق آخر في دور دونالد ترامب في هجوم الكابيتول.
ويحقق مدع خاص آخر في وثائق سرية أخرى عثر عليها في وقت سابق من هذا العام في مكتب سابق ومنزل الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
والعثور على هذه الوثائق المربكة وأخرى لدى نائب الرئيس السابق مايك بنس، سمح لدونالد ترامب بالتقليل من أهمية القضية، رغم أن بايدن تعاون دائماً مع القضاء وأعاد الوثائق طوعاً، وبأعداد أقل بكثير.
لكن هذا الملف أخطر في مضمونه من القضية الجارية في نيويورك. وربما لن تتوقف انتكاسات دونالد ترامب عند هذا الحد.
ويفترض أن تعلن المدعية العامة في ولاية جورجيا التي تحقق في ضغوط الجمهوريين منذ أشهر لمحاولة تغيير الانتخابات الرئاسية في 2020، نتائج تحقيقاتها بحلول سبتمبر/ أيلول.