أثارت القدرات العسكرية المتنامية للصين قلقاً في واشنطن، لا سيما بشأن محاولات الاستيلاء على تايوان بالقوة. لقد غذّا هذا الإنذار الدوافع الأمريكية لتغيير السياسة القائمة، والنظر بشكل متزايد للتحديات التي تواجه تايوان من خلال عدسة عسكرية، لكن يسعى كتاب «العلاقات بين أمريكا وتايوان» إلى طرح خيارات غير عسكرية أيضاً، بغية المحافظة على أمن واستقرار مضيق تايوان وفق سياسة وزانة ومنضبطة.
في الوقت الذي يتضح فيه أن تايوان تتعرض لتهديد عسكري متزايد، فإنها تواجه أيضاً حملة سياسية صينية متزامنة ومكثفة، لإضعاف إرادة شعب تايوان. يشير الكتاب إلى أن هذا الخط الأخير من الجهد، يحظى باهتمام أقل، لكن إذا تُرك من دون معالجة، فمن المحتمل أن يلحق المزيد من الضرر بالمصالح الأمريكية.
يصحح هذا الكتاب المخاطر التي تواجه تايوان من خلال تبني نظرة شاملة عن طموحات الصين الوطنية، ودور تايوان فيها، واستراتيجيات الصين للسعي إلى الوحدة مع تايوان، والاستجابات الأمريكية الأكثر فاعلية. يبرهن المؤلفان على سبب عدم توقع الصراع في مضيق تايوان، وفي الواقع، سيكون من الحماقة الاستراتيجية أن تستنتج الولايات المتحدة أن الصراع لا مفر منه.
يجادل هاس وغلاسر وبوش في هذا الكتاب الصادر عن مطبعة معهد بروكينغز في 208 صفحات في 15 إبريل/ نيسان 2023، بأن مركز الثقل لتحديد مستقبل تايوان، هو إرادة 23 مليون نسمة في تايوان. ويجدان أن السياسة الأمريكية، يجب أن تركز على آمالهم ومخاوفهم إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في المحافظة على نفوذها على الأحداث في مضيق تايوان. وهذا يتطلب العزم الأمريكي والثبات على الهدف في تقوية الديناميكية الاقتصادية في تايوان، والاستقلال السياسي، والاستعداد العسكري، والكرامة والاحترام على المسرح العالمي، ويؤكدان أن المحافظة على مصداقية الردع العسكري، هو الحد الأدنى من النجاح، وليس مقياسه.
تواصل أمريكي دائم مع تايوان
يقول المؤلفان: «علاقة الولايات المتحدة بتايوان لا تشبه أي علاقة أخرى في العالم؛ إذ إن المسؤولين في واشنطن وتايبيه على اتصال دائم، وينسقون في كل قضية تقريباً، وبالتالي فالولايات المتحدة حساسة للغاية تجاه التهديدات لأمن تايوان. بالنظر إلى تصميم واشنطن على حماية شعب تايوان من الضم الإجباري، وإثبات مصداقية الالتزام الأمني لأمريكا، فإن التجارة الأمريكية مع تايوان على أساس سنوي أكثر مما تفعله مع فرنسا أو الهند. تدرك واشنطن أيضاً الدور الحاسم الذي تحتله تايوان في سلاسل التوريد العالمية. عندما يسعى صانعو السيارات الأمريكيون للحصول على مكونات لصنع السيارات، يتصل كبار المسؤولين في البيت الأبيض بأصدقائهم في تايوان، لطلب المساعدة في زيادة إنتاج المكونات الرئيسية. بعبارة أخرى، العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان عميقة ووثيقة وذات أهمية، كما أنها غير رسمية. لا يوجد لدى أي من الجانبين سفير أو سفارة في عاصمة الطرف الآخر. لا يُسمح للمنشآت الدبلوماسية التايوانية في الولايات المتحدة برفع علم تايوان، والسياسة الأمريكية تمنع كبار المسؤولين المنتخبين في تايوان من زيارة واشنطن العاصمة، تماماً كما تحد أيضاً من مستوى المسؤولين الأمريكيين الذين يزورون تايوان».
ويضيفان: «لا يوجد تحالف أو معاهدة دفاع متبادل بين الجانبين. وعندما يخطئ المسؤولون الأمريكيون في الكلام، ويشيرون إلى تايوان على أنها (دولة)، فإنها تخلق هزات دبلوماسية في آسيا. على مدى العقود الأربعة الماضية، حافظت الولايات المتحدة على علاقات رسمية مع جمهورية الصين الشعبية، وعلاقات غير رسمية مع تايوان. وقد تطلب ذلك من المسؤولين الأمريكيين المحافظة على الدقة البالغة في كيفية إدارة العلاقات، للمحافظة على الاستقرار عبر المضيق، والعلاقات المثمرة غير الرسمية مع تايبيه، والعلاقات الرسمية الوظيفية مع بكين».
منذ تأسيسها في عام 1949، طالبت جمهورية الصين الشعبية بتايوان كجزء من أراضي الصين السيادية، انتقد القادة الصينيون ضعف جمهورية الصين الشعبية في وقت تأسيسها كسبب لاستمرار انفصال تايوان عن البر الرئيسي. مع اكتساب الصين قوة على المسرح العالمي، يتوقع الكثيرون في بكين أنه يتعين عليها أيضاً إحراز تقدم نحو تحقيق توحيد تايوان مع البر الرئيسي، يشير الرئيس شي جين بينغ إلى توحيد تايوان على أنها مهمة تاريخية، تستثمر الدولة الصينية في القدرات العسكرية وغيرها من أجل وضع ثقل وراء كلمات الرئيس الصيني.
تضامن أمريكي
لسنوات عديدة، تحملت مجموعة صغيرة من المسؤولين الأمريكيين والخبراء الخارجيين المسؤولية عن ضمان أن نهج أمريكا تجاه تايوان قد تمت معايرته بشكل صحيح، لخدمة المصالح الأمريكية. مع مرور الوقت وتزايد رهانات العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، أصبح اتخاذ قرارات يتم بشكل متزايد من قبل كبار المسؤولين الذين يفتقدون إلى الخبرة. أدى هذا الارتفاع في مستوى الاهتمام بالسياسة في تايوان إلى زيادة مخاطر الأخطاء التبعية؛ حيث يتم اتخاذ القرارات بشكل متزايد من قبل المسؤولين الذين لديهم وقت أقل لإتقان التفاصيل الدقيقة لسياسة تايوان، ووعي أقل بمدى إمكانية الابتعاد عن الممارسات السابقة لإدارة القضايا، وهذا أدى إلى خلق حوادث دولية غير مقصودة.
يشير المؤلفان إلى أن «تايوان أصبحت ديمقراطية راسخة تحت تهديد الصين الحازمة، كما أصبحت سياستها أكثر بروزاً سياسياً في الكونغرس ومع الجمهور الأمريكي. خارج الحكومة، اتسعت دائرة المعلقين على تايوان بشكل كبير. الآن، تعد المناقشات حول الكيفية التي يجب أن تدعم بها أمريكا تايوان سمة مشتركة في المناقشات العامة حول دور أمريكا في العالم».
ويضيفان: «هناك أيضاً اعتراف واسع النطاق في المجتمع الاستراتيجي الأمريكي، بأن أمن تايوان أمر بالغ الأهمية لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة المحيطين (الهندي والهادئ). تايوان هي واحدة من القضايا القليلة التي يمكن أن تثير صراعاً بين الولايات المتحدة والصين. يمثل صمود الدعم الأمريكي لأمن تايوان في مواجهة التهديد الصيني، مصدر ثقة لشركاء الأمن الأمريكيين في جميع أنحاء العالم، بأن الولايات المتحدة ما تزال ثابتة في دعم حلفائها وشركائها. كما أن أمن تايوان مهم للغاية بالنسبة للمنافسة الاقتصادية الأمريكية؛ إذ تعد تايوان مركزاً رئيسياً لسلاسل القيمة العالمية لتقنيات المعلومات والاتصالات المتقدمة، وتعتمد العديد من الشركات الأمريكية الرائدة على المدخلات من الشركات المصنعة التايوانية، للمحافظة على تفوقها في حدود الابتكار، يشكل أمن تايوان تحدياً استراتيجياً للولايات المتحدة».
عمل المؤلفان على هذا الكتاب لمواجهة هذه اللحظة من خلال تقديم نظرة معمّقة على العديد من الأسئلة التأسيسية للعلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، بما في ذلك: كيف وصلت العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان إلى نقطتها الحالية؟ كيف تؤثر القوة الوطنية المتنامية للصين وعزمها على توحيد تايوان مع الصين في العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان؟ هل تجاوزت العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان إطارها السابق لإدارة العلاقات غير الرسمية؟ ما المصالح التي يجب أن توجه نهج أمريكا تجاه تايوان؟ إلى أين تتجه العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان؟ هل الحرب بين الولايات المتحدة والصين على تايوان حتمية؟
تقييم التحدي
إذا نظرنا بشكل شامل إلى تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، والمثلث بين الولايات المتحدة والصين وتايوان، فقد تميز بسلسلة من عمليات المد والجزر. لم تتطور هذه العلاقات على طول مسار خطي. أدت الإجراءات التي قام بها أحد الجانبين إلى إجراء تعديلات من جانب الأطراف الأخرى. في العقود الأخيرة، ظهرت العديد من الخطوط:
أولاً، أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان أعمق وأوسع نطاقاً، واستمر هذا الاتجاه خلال فترات التوتر والتعاون عبر المضيق، وأيضاً من خلال فترات الصعود والهبوط في العلاقات الأمريكية الصينية. كان هذا الاتجاه مدفوعاً في المقام الأول بواشنطن وحكم تايبيه بأن العلاقات الأعمق والأوسع والأقوى تخدم مصالح كل جانب. كانت هناك حجة في واشنطن لبعض الوقت بأن تايوان يمكن أن تكون ورقة مفيدة للولايات المتحدة للعب ضد الصين، على سبيل المثال، من خلال تعزيز العلاقات مع تايوان لفرض تكاليف على الصين للسلوك الإشكالي في أماكن أخرى (على سبيل المثال، هونغ كونغ، جنوب بحر الصين). وباستثناء الإطار الزمني 2017-2020، فقد تم إقصاء وجهة النظر هذه إلى هامش التفكير في السياسة الخارجية؛ ظهرت من حين لآخر في تشريعات الكونغرس غير الملزمة، ولم توجه السياسة الرسمية. بدلاً من ذلك، كانت قرارات الولايات المتحدة بشأن تعميق العلاقات مع تايوان مدفوعة في المقام الأول بالمنطق الإيجابي للسعي إلى تحقيق الفوائد للشعب الأمريكي والبقاء وفية للقيم الأمريكية.
ثانياً، شهدت القوة الوطنية للصين صعوداً بشكل كبير، ما مكّن بكين من شحذ أدواتها العسكرية، وتوسيع خياراتها غير العسكرية؛ لتكثيف الضغط على تايوان. كما ترافق صعود الصين مع تصاعد القومية داخل الصين ومتابعة أكثر قوة لمصالحها خارج الصين. لم تحفز التغييرات في الصين على استجابة مماثلة في تايبيه لزيادة الإنفاق الدفاعي وشحذ العقيدة لحماية تايوان.
ثالثاً، شهدت توسلات الصين لشعب تايوان «الوحدة مع البر الرئيسي» تضاؤلاً في القبول. أعطى انتقال تايوان إلى الديمقراطية في أوائل التسعينات شعب تايوان رأياً في إدارة العلاقات عبر المضيق. أدى هدم بكين لنموذج: «دولة واحدة ونظامان» في هونغ كونغ في عام 2019 إلى تسميم المواقف العامة في تايوان تجاه تطبيق نموذج مماثل لإدارة العلاقات عبر المضيق.
أدى التقاء الاتجاهات إلى دفع العديد من المحللين في واشنطن وبكين وتاييه إلى التساؤل عما إذا كان المأزق الحالي في مضيق تايوان مستداماً، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما التصرف عند استخدام جمهورية الصين الشعبية القوة العسكرية؟. خلص العديد من الخبراء وكبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين إلى أن قرع طبول الحرب يرتفع بصوت أعلى. في الأغلب تستند مثل هذه الحجج حول حتمية الصراع إلى افتراض أو أكثر من الافتراضات التالية: لدى قادة الصين ثقة متزايدة في قدرتهم على الانتصار في صراع عبر المضيق؛ يشعر قادة الصين بوجود نافذة تضيق لضم تايوان؛ إن طموح الرئيس الصيني ونفاد صبره، سيجعلان الصين تشن حرباً للسيطرة على تايوان قبل أن يترك منصبه؛ والقدرات تتساوى في النية – أي، مع نمو القدرات العسكرية للصين، ستزداد أيضاً رغبة بكين في توظيفها لتوحيد تايوان. كما يفترض بعض الخبراء غير التايوانيين أحياناً أن الصين قد تضم تايوان للسيطرة على مصانع تايوان الرائدة عالمياً في تصنيع أشباه الموصلات، بالنظر إلى قيود الصين الخاصة في إنتاج رقائق متطورة. اكتسبت كل هذه الحجج إلحاحاً بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
إبطاء دوامة التوترات
يرى المؤلفان أن العديد من الحجج حول حتمية الصراع في مضيق تايوان، تقلل من أهمية المخاطر غير القابلة للتجزئة التي قد تواجهها الصين إذا حاولت ضم تايوان بالقوة. على سبيل المثال، قد يفشل جيش التحرير الشعبي الصيني في تأكيد سيطرته على تايوان، ما قد يعرض شرعية الحزب الشيوعي الصيني للخطر في الداخل. قد يؤدي استخدام الصين للقوة إلى إجبار تحالف مناهض للصين على الظهور في آسيا للتحوط من مخاطر استخدام الصين للقوة في المستقبل. قد تواجه الصين أيضاً خسارة جيلية للنمو الاقتصادي إذا أصبحت روابطها بالاقتصاد العالمي محدودة نتيجة للصراع. تتجاهل الافتراضات حول حتمية الصراع أيضاً الاستمرارية الواسعة في سياسات الصين عبر المضيق على الإدارات الصينية الأخيرة. ففي حين أن تكتيكات الصين تجاه تايوان قد تطورت في السنوات الأخيرة، إلا أن أهدافها واستراتيجياتها لم تتطور. تفشل الافتراضات حول حتمية الصراع في تفسير استراتيجيات الصين غير العسكرية، لتحقيق طموحاتها. كما أنها تتغاضى عن حقيقة أن بكين لا تزال تحكم على الوقت لمصلحتها؛ حيث تستمر قوتها في النمو مقارنة بتايوان.
يقف هذا الكتاب بعيداً عن سيل الكتابات الحديثة التي تتعامل مع تايوان كمشكلة عسكرية ذات حل عسكري. بدلاً من ذلك، يرى بأنه يجب على صانعي السياسة الأمريكية والجمهور الأمريكي الذي يمثلونه تطوير فهم أعمق للضغوط الأكثر حدة على مستقبل تايوان وأفضل الأدوات لمواجهتها. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن المحافظة على الردع العسكري هو الحد الأدنى، وليس مقياس النجاح. شرعت الصين في الواقع في حملة متعددة الأبعاد تسعى إلى ضم تايوان من دون استخدام القوة، حتى مع استمرار بكين في بناء قدراتها العسكرية للمحافظة على خيار استخدام القوة في حال انعدام الخيارات.
الهدف المباشر للاستراتيجية الأمريكية ليس حرمان الصين من تايوان أو التعامل مع تايوان كأداة لإلحاق الألم الاستراتيجي بالصين؛ بل يجب أن يكون هدف الاستراتيجية الأمريكية هو السعي لإبطاء دوامة التوترات المتصاعدة، وإبقاء استراتيجية أمريكا وسياستها مركزة على مصالحها الثابتة في المحافظة على السلام والاستقرار في مضيق تايوان. يتطلب القيام بذلك التشخيص الصحيح للتهديدات التي تواجه تايوان ومجموعة الأدوات العسكرية وغير العسكرية المتاحة للولايات المتحدة وتايوان وغيرهما لمواجهتها. كما أنه يتطلب فن حكم أمريكي ثابت ومنضبط وهادف.