يصفه بعضهم، بالرجل العصامي والدينامو وإمبراطور الإعلام والرياضة، وواحد من أسرار دهاليز عالم السياسة الإيطالية؛ ذلك هو سيلفيو برلسكوني الذي رحل، أمس الاثنين، عن 86 عاماً، بعد أربعة أيام قضاها في المستشفى كانت خاتمة رحلة طويلة مع المرض. وفور إعلان وفاته نعاه زعماء العالم من الشرق والغرب، وعادت الأضواء إلى هذه الشخصية المثيرة اللامعة والداهية السياسية في الحياة الإيطالية طوال العقود الثلاثة الأخيرة؛ حيث ترأس ثلاث حكومات بين عامي 1993 و2011 وكان مالك نادي ميلان الإيطالي بين 1987 و2017 وصنع للفريق إنجازات كبيرة أبرزها تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا في 5 مناسبات.
ويُلقب باسم «الفارس» بسبب التكريم الذي حصل عليه في عام 1977 من الرئيس جيوفاني ليوني كفارس للعمل، والذي تخلى عنه في عام 2014.
بدأ برلسكوني حياته المهنية ببيع المكانس الكهربائية، والغناء في الملاهي الليلية، وعلى متن السفن السياحية. وعلى الرغم من تخرجه في كلية الحقوق عام 1961، فإنه ما لبث أن أسس شركة إديلنورد للإنشاءات، واشتهر كمتعهد لبناء المساكن في مسقط رأسه بمدينة ميلانو.
وبعد 10 سنوات، أسس شركة محلية لتجهيزات القنوات التلفزيونية، وتحولت فيما بعد إلى أكبر إمبراطورية إعلامية في إيطاليا، (ميدياست). وفي عام 2013، حصل برلسكوني على لقب أغنى سابع رجل في إيطاليا، ومن أغنى 194 في العالم؛ وذلك بسبب ثروته الشخصية التي تقدر بنحو 6.2 مليار دولار.
استبعد برلسكوني من مجلس الشيوخ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 إثر إدانته بتهمة تهرب ضريبي، ومُنع من المشاركة في الانتخابات النيابية ست سنوات، لكنه أنتخب في البرلمان الأوروبي في 2019.
مسيرة حافلة
أعاد برلوسكوني تشكيل المشهد السياسي والثقافي لإيطاليا. وكان عضواً في مجلس الشيوخ، ورئيساً لحزب «فورتسا إيطاليا» اليميني وشريكاً في الحكومة الائتلافية التي ترأسها اليمينية جورجيا ميلوني، التي قالت، في مقطع فيديو أمس، «كان سيلفيو برلوسكوني محارباً قبل كل شيء. كان رجلاً لا يخشى الدفاع عن قناعاته، وجعلته شجاعته وتصميمه بالتحديد، أحد أكثر الرجال تأثيراً في تاريخ إيطاليا»، فيما قال زعيم حزب الرابطة المناهض للهجرة ماتيو سالفيني: إن البلد خسر «إيطالياً عظيماً… خسر واحداً من الأعظم على الإطلاق» وأضاف: «لكن الأهم هو أنني خسرت صديقاً عظيماً. أنا محطم ونادراً ما أبكي، اليوم هو أحد هذه الأيام».
مكانة خاصة
واحتفظ برلوسكوني بمكانة خاصة في قلوب العديد من الإيطاليين، على الرغم من سلسلة الفضائح والملفات القضائية التي شوهت سمعته على مدى سنوات. وقال رئيس الحكومة السابق ماتيو رينزي على فيسبوك «صنع سيلفيو برلوسكوني التاريخ في هذا البلد». وأضاف: «أحبّه كثيرون وكرهه كثيرون: على الجميع اليوم الإقرار بأن تأثيره في الحياة السياسية والاقتصادية والرياضية والتلفزيونية غير مسبوق».
وقالت إيلي شلاين، زعيمة الحزب الديمقراطي المعارض (يسار وسط)، إن وفاة برلوسكوني «تمثل نهاية حقبة». وبرلوسكوني الشخصية الاستثنائية والأب لخمسة أبناء من زواجين، وجد صديقة جديدة في 2020 هي مارتا فاسينا عارضة الأزياء السابقة التي تصغره ب53 عاماً، والنائبة عن حزبه «فورتسا إيطاليا».
الرجل العصامي
استخدم برلوسكوني، الذي كان يتمتع بكاريزما ويفهم جيداً ما يريده جمهوره، الإعلام لإبراز صورة رجل قوي عصامي يمكن للناخبين الامتثال به، وهو تكتيك استخدمه لاحقاً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وبدأ برلوسكوني مسيرته كقطب عقارات قبل أن يستثمر في قنوات تلفزيونية إيطالية كسرت القالب الإعلامي التقليدي، وبثّت برامج تحظى بشعبية خاصة عند النساء، ربات المنازل اللواتي أصبحن في ما بعد من أعمدة قاعدته الانتخابية.
وصور نفسه على أنه مخلّص وشهيد وحظي بشعبية واسعة، على الرغم من اتهام المنتقدين له بالمحسوبية والفساد والضغط من خلال قوانين لحماية مصالحه.
وأُعجب مناصروه بصراحته، على الرغم من أن العديد من الإيطاليين كانوا يُحرجون بشدة من نكته الفظة، وإهاناته على الساحة الدولية إضافة إلى فضائح قانونية كثيرة أدت إحداها إلى إدانته بتهمة الاحتيال الضريبي.
ومهما اختلف البعض مع برلسكوني، أو اتفقوا معه، فإن الجميع متفق على أنه شخصية سياسية تركت بصمتها في الحياة السياسية الإيطالية، وأحدث تغييراً كبيرا في المشهد السياسي الإيطالي، وسيشيع برلسكوني في جنازة رسمية في ميلانو غداً الأربعاء، من كاتيدرائية المدينة إلى ضريح رخامي خاص، مستوحى من الفراعنة في قصره في أركوري قرب ميلانو ليدفن فيه أفراد عائلته وأصدقائه عند وفاتهم.
(وكالات)