بين تسريبات إعلامية أمريكية الجمعة بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن وافق على إمداد أوكرانيا بذخائر عنقودية، ورفض ألماني قاطع بإرسال برلين مثل تلك الذخائر لأوكرانيا، يثور غموض وقلق كبيران حول ماهية تلك الذخائر وتأثيراتها على المدنيين، حيث تطالب منظمات حقوق الإنسان بحظر استخدام تلك الذخائر بشكل قاطع.. ولكن لماذا؟.
نتعرف في هذا التقرير على القاتل الصامت أو ما يسمى «الذخائر العنقودية» التي مثّلت مشكلةً ملحةً طوال عقود، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر. فما هي هذه الذخائر، ومن الدول التي تمتلكها؟.
من هو القاتل الصامت؟
الذخائر العنقودية هي أسلحةٌ تتكون من حاويةٍ تفتح في الهواء وتنثر أعداداً كبيرةً من «القنابل الصغيرة» أو الذخائر الصغيرة المتفجرة، وذلك على مساحة واسعة. وعلى حسب الطراز، يمكن أن يتراوح عدد الذخائر الصغيرة من عدة عشرات إلى ما يربو على 600. ويمكن إلقاء الذخائر العنقودية عن طريق الطائرات أو المدفعية أو القذائف.
الجزء الأعظم من الذخائر الصغيرة معدٌّ للانفجار عند الاصطدام. ويتسم أغلبها بميزة السقوط الحر، بمعنى أنها لا توجه بصفة فردية نحو أي هدف ما.
الذخائر العنقودية استخدمت للمرة الأولى في الحرب العالمية الثانية، ونسبةٌ كبيرةٌ من الذخائر العنقودية المخزنة في الوقت الحالي صممت للاستخدام في الحرب الباردة. وتمثل المقصد الأساسي منها في تدمير الأهداف العسكرية المتعددة المنثورة على مساحة واسعة، مثل تشكيلات الدبابات أو المشاة، وفي قتل المحاربين أو إصابتهم.
لا تنفجر عند الاصطدام
أظهر التاريخ أن أعداداً كبيرةً من الذخائر الصغيرة لا تنفجر عند الاصطدام حسبما هو مراد. وتتراوح التقديرات الجديرة بالثقة حول معدلات عدم انفجار هذه الأسلحة، في النزاعات التي وقعت مؤخراً، ما بين 10% إلى 40%. وأسفر الاستخدام واسع النطاق لهذه الأسلحة عن بلدان ومناطق تغزوها عشرات الآلاف، وفي بعض الأحيان الملايين، من الذخائر الصغيرة غير المنفجرة وغير المستقرة.
خطر على المدنيين
في كثيرٍ من الأحيان، تنفجر الذخائر الصغيرة غير المنفجرة عند تناولها باليد أو تحريكها، مما يشكل خطراً بالغاً على المدنيين. ووجود هذه الأسلحة يشكل تهديداً للمدنيين النازحين العائدين إلى أوطانهم، ويعوق جهود الإغاثة وإعادة التعمير، ويجعل أنشطة الإعاشة الحيوية مثل الزراعة مصطبغة بالخطورة لسنوات أو حتى عقود بعد انسدال الستار على النزاع.
ولأنها «أسلحة نطاقية»، يمكنها إطلاق أعداد ضخمة من الذخائر الصغيرة على مساحة تصل إلى عشرات آلاف الأمتار المربعة، يكون أيضاً تأثير الذخائر العنقودية على المدنيين، إبّان النزاعات، مصدر قلق بالغ، خصوصاً عندما تستخدم في المناطق المأهولة بالسكان.
ونظراً لأن الذخائر الصغيرة، في معظمها، ليست دقيقة التوجيه، يمكن لدقتها أن تتأثر بعوامل الطقس وغيرها من العوامل البيئية. ومن ثم قد تضرب مناطق خارج الموضع العسكري المستهدف. وعندما تستخدم هذه الأسلحة في مناطق مأهولة بالسكان أو قريبة منها، يمكنها أن تشكل خطراً كبيراً على المدنيين، إبان الهجوم وأيضاً في فترة ما بعد الضرب مباشرة عندما يستأنف الناس أنشطتهم الطبيعية.
الدول المنتجة للذخائر العنقودية
هناك 34 بلداً أنتجت ما يربو على 210 أنواع مختلفـة من الذخيرة العنقودية. ومن بين هذه الأنواع المقذوفات والقنابل والصواريخ والقذائف وأجهزة النثر. وهناك ما لا يقل عن 87 بلداً تخزن حالياً ذخائر عنقودية أو فعلت هذا فيما مضى. وتبلغ المخزونات الحالية ملايين الذخائر العنقودية، مشتملة على مليارات من الذخائر الصغيرة الفردية.
من بين البلدان السبعة والثمانين التي تمتلك مخزونات من الذخائر العنقودية أو كانت تمتلكها، ثمة 16 بلداً استخدمتها بالفعل إبان نزاعات مسلحة.
وُثقت حالات غير قليلة بالاستخدام من جانب الجماعات المسلحة من غير الدول.
حتى في حالة استخدام جزءٍ من الذخائر العنقودية الموجودة في المخزونات الحالية أو نقله إلى بلدان أخرى أو جماعات مسلحة أخرى من غير الدول، يمكن للعواقب أن تفوق إلى حد بعيد تلك المترتبة على الألغام المضادة للأفراد في تسعينيات القرن العشرين.
دعوات بعدم استخدامها في روسيا وأوكرانيا
دعت منظمة هيومن رايتس ووتش كُلاً من روسيا وأوكرانيا إلى الكف عن استخدام الذخائر العنقودية، وحثت الولايات المتحدة على عدم توفيرها. وقالت المنظمة إن القوات الروسية والأوكرانية استخدمت تلك الذخائر التي قتلت مدنيين أوكرانيين.
وعادة ما تطلق الذخائر العنقودية، والتي تحظرها أكثر من 120 دولة، عدداً كبيراً من القنابل الصغيرة لتقتل أشخاصاً على مساحة كبيرة بشكل عشوائي، مما يهدد حياة المدنيين. وتشكل القنابل الصغيرة التي لا تنفجر خطراً يدوم لسنوات بعد انتهاء الصراع.
ويحظر قانون صدر عام 2009 تصدير الولايات المتحدة الذخائر العنقودية التي تتجاوز معدلات فشل القنابل الصغيرة فيها الواحد في المئة، وهو ما ينطبق تقريباً على كل مخزون الجيش الأمريكي. ولكن بوسع بايدن تجاوز الحظر كما فعل سلفه دونالد ترامب في يناير/ كانون الثاني 2021، للسماح بتصدير تكنولوجيا الذخائر العنقودية إلى كوريا الجنوبية.
وتحث أوكرانيا أعضاء الكونجرس على الضغط على إدارة بايدن للموافقة على إرسال ذخائر عنقودية تعرف باسم الذخائر التقليدية المحسنة ثنائية الغرض.
بايدن وافق
ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وافق على إمداد أوكرانيا بذخائر عنقودية.
وقد كشف مسؤولون أمريكيون أن واشنطن ستعلن الجمعة عن حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا تتضمن ذخائر عنقودية.
وذكر ثلاثة مسؤولين أمريكيين، اشترطوا عدم نشر هوياتهم لـ«رويترز»، أن من المتوقع الإعلان عن حزمة مساعدات الأسلحة، التي تشمل ذخائر عنقودية تطلقها مدافع هاوتزر عيار 155 مليمترا، الجمعة على أقرب تقدير. وقال أحد المسؤولين إن هذا الإجراء قيد الدراسة الجادة منذ أسبوع على الأقل.
وقال البيت الأبيض إن إرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا قيد الدراسة، لكنه لم يصدر أي إعلان. ومن المقرر أن يحضر الرئيس جو بايدن قمة لحلف شمال الأطلسي الأسبوع المقبل في ليتوانيا يتوقع أن تهيمن عليها الحرب الأوكرانية.
حزمة بقيمة 800 مليون دولار
من جهته كشف متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن إدارة بايدن تبحث إرسال الذخائر المحسنة إلى أوكرانيا، ولكن فقط التي تقل معدلات الفشل فيها عن 2.35 في المئة، بحسب وسائل إعلام غربية.
وقال المسؤولون إنه بموجب حزمة المساعدات التي سيتم الإعلان عنها، والتي من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 800 مليون دولار، ستتلقى أوكرانيا أيضاً ذخيرة لأنظمة هيمارس الصاروخية ومركبات مثل مدرعات برادلي القتالية وناقلات جنود مدرعة من طراز سترايكر.
وستكون هذه هي الحزمة الثانية والأربعون التي توافق عليها الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في فبراير/ شباط 2022.
رفض ألماني قاطع
وفي المقابل قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الجمعة، إن بلادها تعارض إرسال ذخائر عنقودية لأوكرانيا، وذلك بعد يوم من قول مسؤولين أمريكيين إن واشنطن تعتزم تزويد كييف بالأسلحة التي تلقى تنديداً واسعاً لتسببها في قتل وتشويه المدنيين.
وتعارض منظمات حقوقية مثل هذه الخطوة، وقالت بيربوك إن ألمانيا تعارض ذلك أيضاً بصفتها من بين 111 دولة أعضاء في اتفاقية الذخائر العنقودية. والولايات المتحدة ليست طرفا في المعاهدة.
ولدى سؤالها عما قاله مسؤولون أمريكيون، قالت بيربوك للصحفيين في مؤتمر للمناخ في فيينا: «تابعت التقارير الإعلامية. بالنسبة لنا كدولة طرف في اتفاقية أوسلو فالاتفاقية تنطبق في هذه الحالة»، في إشارة لاتفاقية الذخائر العنقودية التي أتيحت للتوقيع عليها في العاصمة النرويجية في عام 2008. وتحظر الاتفاقية استخدام وتخزين وإنتاج ونقل الذخائر العنقودية.