ود مدني – أ ف ب
باتت أسرة السوداني عماد محمد، الذي يعمل في قطاع التدريس منذ 32 عاماً، تكتفي بتناول وجبة واحدة في اليوم، نظراً لعدم تقاضيه راتبه منذ اندلاع النزاع في بلاده، حاله حال نحو مليون من موظفي القطاع العام.
وقال محمد الذي تتكون عائلته من خمسة أفراد: «أنا وأسرتي نأكل وجبة واحدة في اليوم منذ شهر».
وتابع ومعالم اليأس ترتسم على وجهه، «لا ندري إذا كان هذا سيستمر، أم ستتوقف هذه الوجبة إذا لم تدفع الحكومة رواتب إبريل ومايو ويونيو (نيسان وأيار وحزيران)».
يقيم محمد في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، والتي بقيت في منأى عن نيران الحرب التي اندلعت في 15 نيسان/إبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف ب«حميدتي».
وعلى الرغم من تواجده بمكان يبعد نسبياً عن أعمال العنف والقتال، يعاني محمد مشكلة مالية حادة، إذ لم يتقاضَ راتبه منذ ثلاثة أشهر، فضلاً عن حلول عيدي الفطر والأضحى من دون أن يتم صرف المنح الحكومية المعتادة في المناسبتين.
ومنذ اندلاع المعارك، تغلق المصارف أبوابها في العاصمة، ما ترتب عليه تعذر التواصل بين فروعها في الولايات ومقارها المركزية في الخرطوم، خصوصاً مع انقطاع خدمات الكهرباء والاتصالات وتواصل القصف والاشتباكات في المدينة.
ووفق إحصاءات غير رسمية، يبلغ عدد الموظفين الذين لم يتقاضوا رواتبهم حوالي مليون موظف، ومن بين هؤلاء، أكثر من 300 ألف معلم ومعلمة في قطاع التدريس الحكومي كانوا يتقاضون رواتب زهيدة أصلاً، بحسب ما أفاد رئيس لجنة المعلمين عمار يوسف.
وقال يوسف: «المعلمون في السودان في القطاعين العام والخاص يعيشون أوضاعاً كارثية في ظل الحرب الدائرة بجانب معاناة الانتهاكات التي يتعرضون لها بشكل يومي».
وأضاف «هم أصلاً يعانون من انخفاض الرواتب، وبعضهم أجبروا على البقاء في مناطق القتال»، في إشارة إلى عدم القدرة على تحمل تكاليف السفر سواء داخلياً أو إلى خارج البلاد في ظل تضاعف أسعار الوقود 20 مرة منذ بدء الحرب.
وأسفر النزاع عن مقتل أكثر من 2800 شخص ونزوح أكثر من 2,8 مليون شخص لجأ أكثر من 600 ألف منهم إلى دول مجاورة، خصوصاً إلى مصر شمالاً وتشاد غرباً، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
وتتركز المعارك في العاصمة الخرطوم ومناطق قريبة منها، بالإضافة إلى إقليم دارفور بغرب البلاد، حيث حذّرت الأمم المتحدة من أن ما يشهده قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، والنزاع فيه يتّخذ أكثر فأكثر أبعاداً عرقية.
وقال يوسف إن لجنة المعلمين سعت مع الجهات الحكومية المعنية لتوفير الرواتب، ولكن «اتضح للجنة توجيه الحكومة بصرف رواتب الجيش فقط طوال الفترة الماضية».
وفي هذا الصدد يقول الموظف في وزارة الزراعة السماني محمد: «لا نفهم لماذا لا تدفع الحكومة حقوقنا».
ونتيجة تأخر صرف الرواتب، هددت جبهة نقابية تضم أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة جامعيين وصحفيين باتخاذ خطوات تصعيدية ضد إحجام الحكومة عن الإيفاء بالحقوق المالية للموظفين.
في مطلع تموز/يوليو، أعلن البنك المركزي السوداني استئناف تشغيل فروعه في معظم ولايات البلاد، ما أعاد بعض الأمل للمواطنين.
ويحتاج 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف عدد السكان، لمساعدة إنسانية وحماية، بحسب الأمم المتحدة.
وفي حين يعقد وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم مؤتمرات صحفية دورية لتأكيد متانة الوضع النقدي للدولة، يحمّل خبراء اقتصاديون الحكومة مسؤولية التلكؤ في دفع المستحقات.
وقال الخبير السوداني محمد الناير، إن تأخر الرواتب هو «قصور من الحكومة».
وأضاف «لم تتأثر إيرادات 15 ولاية في السودان (من أصل 18) بالحرب ورغم ذلك لم تدفع الحكومة الرواتب»، متوقعاً أن تسوء الأوضاع أكثر خلال الأشهر المقبلة في بلد كان يعدّ من أكثر دول العالم فقراً حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة.
وإزاء ذلك، يجد السودانيون أنفسهم عالقين بين نارَي الحرب والعوز.
وعلّق يوسف على سوء الأوضاع بالقول: «من لم تقتله الحرب سيموت من الجوع».