د. أيمن سمير
لا يعكس وصول الكثير من الشخصيات الأمريكية ذات الأصول الآسيوية، أمثال كامالا هاريس ونيكي هايلي، إلى أعلى المناصب، حقيقة ما يشعر به الآسيويين في الولايات المتحدة الأمريكية.
فأغلبية الولايات الأمريكية تشهد منذ جائحة كورونا زيادة غير مسبوقة في عدد البلاغات والمضايقات، بل وقتل الأمريكيين من أصول آسيوية، واعتبارهم «مصدراً» لكل البلاء الذي تمر به البلاد، خاصة في أوقات الأزمات.
واستهداف الآسيويين في الولايات المتحدة الأمريكية يعني «كل الآسيويين»، بمعنى حتى الذين قدموا من بلدان حليفة للولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن، مثل تايوان واليابان والفلبين وفيتنام، يعانون مثل القادمين من الهند والصين وجزر المحيط الهادئ
رغم أن موجات اضطهاد الآسيويين في الولايات المتحدة قديمة وتقترب من معاناة الزنوج والسكان الأصليين، إلا أن استهداف الآسيويين في الفترة الأخيرة شكّل «قضية محورية» في النقاش السياسي الأمريكي، وتسبب في قلق شديد للإدارة الأمريكية، والرئيس جو بايدن، بعد أن كشفت سلسلة من الإحصاءات والدراسات تعرّض الأمريكيين من أصول آسيوية لكل أنواع المضايقات اللفظية والجسدية، وصولاً إلى القتل العمد، خاصة النساء، والنموذج على ذلك قتل 6 نساء في أتلاتنا بولاية جورجيا عام 2022، وفي عام 2021 زاد الاستهداف العنصري بحق الآسيويين بنسبة وصلت إلى 360 % مقارنة بعام 2020، أي من 28 جريمة في عام 2020 إلى 129 جريمة في عام 2021، وفي الغرب الأمريكي كانت الأوضاع أكثر خطراً، بعد أن قالت شرطة سان فرانسيسكو إن جرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين وسكان جزر المحيط الهادئ زادت بنسبة 567 % في عام 2021، وكانت حتى وقت سابق تتركز جرائم الكراهية بحق الآسيويين في ولايات بعينها، مثل ولاية كاليفورنيا، إلا أن ولايات أخرى، بما فيها نيويورك، زاد فيها استهداف الآسيويين بطريقة غير معهودة، حيث كشفت دراسات معهد بيو الأمريكي، أن استهداف الآسيويين زاد 4 مرات في الولاية، ب33 جريمة كراهية في عام 2021، وهي أكبر زيادة منذ عام 2010 عندما تم تأسيس مكتب مكافحة الجرائم ضد الآسيويين في نيويورك، كما أن 55 % من الجرائم التي تقع بحق الآسيويين يقوم بها السكان البيض، خاصة من أصحاب الدرجات العلمية والثقافية الدنيا، وفق مركز دراسة الكراهية والتطرف الذي قال إنه تم الإبلاغ عن 11 ألف حادثة كراهية ضد الأمريكيين الآسيويين، وسكان جزر المحيط الهادئ في الفترة من مارس/ آذار 2020، وديسمبر/ كانون الأول 2021، وما يؤشر أيضاً إلى زيادة الكراهية ضد الآسيويين ما نشره مركز مكافحة العنصرية والتطرف، والتي تؤكد تعرض 6 من بين كل 10 بالغين آسيويين للكراهية في الولايات المتحدة الأمريكية.
فما هي أبعاد قضية كراهية الآسيويين في الولايات المتحدة؟ وما هو تأثير ذلك في الصراع الأمريكي الصيني؟ وهل يستطيع الحزب الديمقراطي الأمريكي بنخبته الليبرالية التقدمية أن يتجاوز هذه الأزمة؟
«الاستبعاد الصيني»
رغم المساهمة الإيجابية للآسيويين، خاصة الصينيين في مشروعات البنية التحتية العملاقة في الولايات المتحدة، ومنها مشاركة نحو 12 ألف صيني في مشروع سكة حديد المحيط الهادئ، «أول مشروع سكك حديدية عابر للقارات في أمريكا الشمالية»، إلا أن الخوف من الآسيويين سيطر على النخبة السياسية الأمريكية منذ عقود طويلة، حيث أصدرت واشنطن قانون «الاستبعاد الصيني» عام 1882 الذي حظر هجرة الصينيين إلى الولايات المتحدة، حتى تم إلغاؤه عام 1943، كما أن الرئيس فرانكلين روزفلت أصدر أمر عام 1942 باعتقال نحو 120 ألف أمريكي من أصول يابانية، وهي معاناة لم ترتبط فقط بالحرب العالمية الثانية لليابانيين، بل امتدت إلى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بالتزامن مع النمو الهائل للصناعة اليابانية، واتهام البعض للأمريكيين اليابانيين بأن بلادهم الأصلية تسرق الوظائف من مصانع السيارات الأمريكية
صورة نمطية
أكثر ما يؤلم الأمريكيين من أصول آسيوية في الوقت الراهن هو «الصورة النمطية» الناقصة عنهم، فالسائد حتى في أغلبية وسائل الإعلام العالمية، أن الآسيويين في أمريكا هم من أكثر الطبقات علماً ودخلاً ورفاهية واحترافية في العمل، لكن لا يتم تسليط الضوء في الوقت نفسه على معاناتهم، ومظاهر العنصرية والكراهية بحقهم، ولهذا كشفت الكثير من استطلاعات الرأي أن المطلب الأول للأمريكيين الآسيويين هو بناء «صورة نمطية» كاملة تأخذ في حساباتها المعاناة التي يعانيها هؤلاء، حتى يمكن وضع معالجة كاملة لهذه المعاناة التي بدأت منذ أكثر من قرن ونصف القرن.
أسباب الكراهية
رغم أن أغلبية بلاد المهجر تعاني بعض الفئات فيها، مثل السود والملونين والمسلمين، وغيرهم، إلا أن هناك أسباباً خاصة بالكراهية ضد الآسيويين، ومنها:
1-«الفيروس الصيني»، رغم أن المخابرات الأمريكية أصدرت «تقييماً» نهائياً في يونيو/ حزيران الماضي، يقول أنه لا يمكن الربط بين فيروس كورونا والصين، أو معامل ووهان الصينية، إلا أن الكثير ممن أسماهم الرئيس، جو بايدن «بالإرهاب المحلي»، يعتقدون أن كل الأزمات والمآسي التي عانى منها الأمريكيون والعالم جراء جائحة كورنا جاءت بفعل «الفيروس الصيني»، وهو الاسم الذي أطلقة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على فيروس كورنا، وشهدت الولايات المتحدة أحداثاً فردية وجماعية ضد الآسيويين، لدرجة أنهم في بعض المناطق لا يستطيعون الخروج من منازلهم خوفاً على حياتهم، وفق ما نقلت وكالة «شينخوا» الصينية، ويعتقد الكثير من الآسيويين الأمريكيين أن هذا الوصف لفيروس كورنا زاد بشكل كبير من استهداف الآسيويين، رغم أن الرئيس ترامب قال إنه تحدث عن الفيروس وليس عن الأمريكيين من أصول آسيوية.
2- «سرقة الوظائف والنقاء العرقي»، منذ فترات طويلة تشكلت جمعيات وهيئات خاصة في الغرب الأمريكي، وعلى ساحل المحيط الهادئ، تحذّر من قدوم الآسيويين إلى الولايات المتحدة، ورغم أن الصينيين واليابانيين، وغيرهم، عملوا في البداية في صناعات التعدين والسكك الحديدية، إلا أن هناك جزءاً من البيض كان ينظر للمهاجرين الآسيويين باعتبارهم مصدراً للمنافسة الاقتصادية وتهديداً للنقاء العرقي، ولهذا عملت النخبة البيضاء في الماضي على الحد من هجرة الآسيويين، وبعد أن فشلت تلك السياسة انتقلوا إلى المستوى الثاني، وهو منع «مساواة» الآسيويين مع باقي الأمريكيين، ومؤخراً باتهامهم بأنهم وراء الأزمات والجوائح التي تعصف بأمريكا والعالم.
3- «التنافس الصيني الأمريكي»، يشكل التنافس الصيني الأمريكي في كل مكان على الكرة الأرضية، مادة خصبة لكراهية الآسيويين في الولايات المتحدة، ومع تبوؤ الصين المكان البارز في وسائل الإعلام الأمريكية باعتبارها «المنافس الأول» للولايات المتحدة، وأنها تسعى لتغيير النظام العالمي الحالي الذي تتربع على عرشه الولايات المتحدة، كل هذا زاد من مساحة الكراهية ضد كل الآسيويين، حيث لا يفرق دعاة الكراهية بين الصينيين الذين تنافس بلادهم الولايات المتحدة في الوقت الحالي، وبين دول آسيويه حليفة للولايات المتحدة، مثل اليابان وفيتنام والفلبين، وكوريا الجنوبية التي تعرض أحد دبلوماسيها في الأمم المتحدة لمحاولة طعن في نيويورك على يد متطرف عنصري، كما أن اتهام الولايات المتحدة للحزب الشيوعي الصيني بأنه «يتجسس» على المؤسسات والشركات الأمريكية عبر الطلاب الصينيين زاد من هذه الظاهرة، فضلاً عن أن «استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة» التي أعلنها البيت الأبيض في أغسطس/ آب 2022، أكدت على التنافس مع الصين في كل شيء، ما وضع الجالية الصينية، وكل الآسيويين على الجانب الآخر من المصالح الأمريكية، كما أن هناك اتهامات صينية للمخابرات الأمريكية بأنها تتابع وتراقب المواطنين الأمريكيين من أصول صينية، ويغذي هذا الأمر أيضاً الاتهامات الأمريكية للصين بأنها تقيم «مراكز شرطة» على الأرضي الأمريكية، وترسل المناطيد لجمع المعلومات الحساسة عن الجيش الأمريكي، وقد أستغل أصحاب نظرية الخوف من الآسيويين حادثة «المنطاد الصيني» لتأكيد روايتهم ضد الأمريكيين من أصول صينية
4- «الأزمات الاقتصادية»، فكل بحوث الرأي العام ودراسات الاستقصاء أكدت أن استهداف الآسيويين يزيد مع الأزمات، فإذا كانت الحرب العالمية الثانية غذّت الكراهية ضد الذين من أصول يابانية، لكن صعود اليابان كاقتصاد ثان خلف الولايات المتحدة خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، جعل البعض يتهم اليابان، خاصة السيارات اليابانية، بأنها تسرق الوظائف والفرص من صناع السيارات الأمريكية، خاصة في ديترويت، واليوم يتكرر المشهد نفسه، حيث يميل الميزان التجاري لمصلحة الصين التي تصدر للولايات المتحدة بضائع بنحو 550 مليار دولار، بينما تستورد بضائع أمريكية بنحو 250 مليار دولار فقط، وهو أمر دعا بعض القادة الجمهوريين لاتهام الصين بأنها كانت وراء إفلاس الكثير من المصانع في ما يسمى «ولايات الصدأ»، وهي ولايات التصنيع الرئيسية في الولايات المتحدة، ولهذا تتركز خطط الجمهوريين الاقتصادية على استعادة الشركات الأمريكية من الصين، كما أن رؤية الرئيس جو بايدن، تقوم على نقل الواردات الأمريكية من الصين إلى دول أخرى لحرمان الصين من هذه العائدات، كل هذا النقاش حول الصين يغذي من وجهة نظر الأمريكيين من أصول صينية وآسيوية، من استهدافهم من جانب العنصريين والمتطرفين.
تحرك أمريكي
تدرك إدارة الرئيس جو بايدن، والجناح التقدمي الليبرالي في الحزب الديمقراطي الأمريكي، خطورة هذه الظاهرة ليس على المجتمع الأمريكي في الداخل فقط، بل على مفردات الصراع مع المنافسين الدوليين، وفي مقدمتهم روسيا والصين، لأن استهداف الجاليات الآسيوية يضعف الرواية الأمريكية التي تدّعي الدفاع عن المساواة وحقوق الإنسان، فالرئيس جو بايدن، وأقطاب الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي الأمريكي، أمثال بيرني ساندرز واليزابيث وارين وغيرهما، يشددون دائماً على «تحالف القيم» الذي تقوده الولايات المتحدة في العالم، وتضعف زيادة الحوادث العنصرية وجرائم الكراهية ضد الآسيويين من هذه الرواية، ونجحت الصين في الترويج لهذه الحوادث ضد الآسيويين في العالم، وفي آسيا خصوصاً، في مسعى من بكين لتقويض إحد أبرز وسائل «القوة الناعمة» الأمريكية، ولهذا يسعى الرئيس جو بايدن لمحاصرة هذه الظاهرة، ليس لإبطال مفعول الدعاية الروسية والصينية المضادة فقط، بل لأنه أيضاً يحتاج لأصوات الآسيويين في انتخابات عام 2024، خاصة أن خصمه المحتمل، دونالد ترامب، هو من أطلق مصطلح الفيروس الصيني على جائحة كورونا، ولهذا يحتاج الرئيس بايدن لكي يكسب أصوات الآسيويين، أن يرفع شعار «نعم… حياة الآسيويين مهمة».