الشارقة – الخليج
أبدت فرنسا اهتماماً بالغاً بأحداث الانقلاب العسكري في النيجر، وسبقت الجميع في عدم الاعتراف بالسلطات المنبثقة عن الانقلاب العسكري الجاري هناك في خطوة تترجم محاولاتها للإحالة دون خسارة أكبر دولة غنية باليورانيوم الذي تحتاج إليه محطات الطاقة النووية الفرنسية لتوفير 70% من الكهرباء للبلاد.
فغداة الانقلاب الذي انتهي بالإطاحة بالرئيس النيجري ذي الأصول العربية محمد بازوم، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، أن باريس «لا تعترف بالسلطات» المنبثقة من الانقلاب، الذي قاده الجنرال عبد الرحمن تشياني، وتعتبر محمد بازوم «المنتخب ديمقراطياً»، الرئيس الوحيد لجمهورية النيجر.
ولم تكتف الجمهورية الفرنسية بعدم الاعتراف بالسلطات الانقلابية الحالية؛ بل علقت كل أنشطتها لتقديم مساعدة تنموية ودعم للموازنة، وطالبت السلطات في الدولة الإفريقية بالعودة الفورية إلى النظام الدستوري في النيجر حول شخص الرئيس بازوم.
أسباب الاهتمام الفرنسي
تمثل النيجر كنزاً ثميناً لفرنسا باعتبارها أحد أقوى حلفاء باريس في دول الساحل والصحراء، فضلاً عن كونها مصدراً رئيسياً للإمداد باليورانيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء لملايين الأسر الفرنسية.
وتوثقت شراكة نيامي وباريس في منطقة الساحل والصحراء، بعدما نقلت فرنسا قواتها من مالي عام 2022، إلى النيجر، بداعي الاستفادة من الخبرات الفرنسية في التدريب العسكري ومكافحة الإرهاب.
ويمثل بقاء النيجر ضمن الحظيرة الفرنسية بحسب «التايمز»، ضرورة قصوى لمحطات الطاقة النووية التي توفر 70% من الكهرباء في فرنسا. ففي عام 2020، كان 34.7% من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية يأتي من الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.
وحسب الأخبار الواردة عن وزارة المالية الفرنسية، فإن واردات البلاد من البترول النيجري، ارتفعت بـ130% خلال الأشهر الستة الأولى من 2022، جراء اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط من العام نفسه.
وتعد النيجر أحد البلدان الإفريقية الغنية بالبترول والغاز الطبيعي؛ إذ يقدر احتياطيها النفطي بـ953 مليون برميل، والغازي بـ24 مليار متر مكعب.
وتخشى باريس ضياع آخر حلفائها في منطقة الساحل، بعد القطيعة مع مالي بعد تدهور العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم هناك، وطردها من بوركينا فاسو من الجنود الذين استولوا على الحكم إثر انقلابي عام 2022.
«كنز ثمين»
والنيجر هي رابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم والأولي من حيث الاحتياطي للعنصر المشع، ففي عام 2021، زودت الاتحاد الأوروبي بما يقرب من 25 في المئة من إمدادات اليورانيوم، مما ساعد على إنتاج الكهرباء لملايين الأسر.
وبدأت الشركة النووية الفرنسية، تعدين احتياطيات اليورانيوم في النيجر منذ عام 1970، حيث كان قرابة 35 في المئة من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية عام 2020، يأتي من النيجر.
انتقال النفوذ لموسكو
وتزيد احتمالية تكرار سيناريو مالي وبوركينا فاسو مع فرنسا في النيجر، أي دخول موسكو على خط النزاع الداخلي وسحب البساط من تحت أقدام النفوذ الفرنسي هناك، وهي شكوك يؤكدها تسجيل صوتي أخير لرئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، اعتبر فيه أن ما حدث في النيجر ليس سوى كفاح شعب النيجر ضد المستعمرين الذين يحاولون فرض نمط حياتهم عليهم.
وكان بريغوجين، قد قال في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الإفريقية، نشرت على الإنترنت منذ أيام، أن فاغنر مستعدة لزيادة وجودها في إفريقيا، وأن مجموعة جديدة من مقاتليها وصلت إلى جمهورية إفريقيا الوسطى قبل استفتاء دستوري.
وتفاخر بريغوجين، في رسالته الصوتية بما وصفه بأنه كفاءة فاغنر في مساعدة الدول الإفريقية على الاستقرار والتطور فيما بدا وكأنه استعداد لنقل قواته للنيجر.
«بدون فائدة»
وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية التي تحملها النيجر جغرافياً وجيولوجياً، بامتلاكها موقعاً مهماً في منطقة غرب إفريقيا علاوة على امتلاكها أكبر احتياطات لليورانيوم، المعدن الأكثر طلباً لدى الدول التي تتملك اقتصادات ضخمة، فإنها تبقي دولة فقيرة جداً، تعاني أزمات غذائية.
وعلى الرغم من أن النيجر، أقرت في عام 2006 قانوناً بشأن المناجم لزيادة الضرائب على المعادن المستخرجة من 5.5 في المئة إلى 12 في المئة، و في 2007 فرضت زيادة تصل إلى نسبة 40 في المئة في سعر شراء اليورانيوم من قبل شركة «أريفا» الفرنسية، و في 2014 وقعت على اتفاق تحصل بموجبه على فوائد أفضل من خلال بناء منجم إيمورارين، إلا أن جميع محاولاتها في الاستفادة من ثراء ترابها لم تجدِ، حيث لم تسهم في الميزانية الوطنية 1.2 في المئة. وفي وقت سابق علقت منظمة «آغير إنمان» غير الحكومية النيجرية لحماية البيئة على الوضع الاقتصادي الذي يميل دائماً إلى الأسوأ، أن تعدين اليورانيوم كان من المفترض أن يساعد على مكافحة الفقر في البلاد، لكن ما حدث هو أن المشاكل تفاقمت فقط.