أحمد عسكر *
تكثف القوات الصومالية، وشركاؤها الفاعلون، هجماتهم ضد «حركة الشباب» الإرهابية، منذ انطلاق المرحلة الأولى من العملية العسكرية الشاملة، التي أطلقها الرئيس حسن شيخ محمود، عقب صعوده للسلطة في مايو/ أيار 2022، بهدف القضاء على تهديدات الحركة في أنحاء الصومال وسط توقعات بانطلاق المرحلة الثانية من الحرب الشاملة في مناطق سيطرتها بوسط وجنوب البلاد.
لا يزال التعقيد هو السمة المميزة للمشهد الأمني في الصومال، في ضوء استمرار الحرب الشاملة على عناصر «حركة الشباب» في أنحاء البلاد، والتي حققت بعض المكاسب الاستراتيجية منذ بدء العمليات العسكرية في العام الماضي 2022، حيث استطاع الجيش الصومالي تحييد حو 3795 مقاتلاً من الحركة، واستعادة أكثر من 1000 كيلومتر من الأراضي التي تسيطر عليها، إضافة إلى تحرير نحو 120 قرية ومنطقة وبلدة، والنجاح في تجفيف بعض منابع تمويل الحركة بإغلاق نحو 35 حساباً مصرفياً، و18 حساباً تجارياً من الحسابات المملوكة لها، وفقًا للحكومة الصومالية.
ومع ذلك، لا تزال «حركة الشباب» تتحدى خصومها في الداخل الصومالي والمنطقة بالاستمرار في شن هجماتها الإرهابية في العديد من المناطق الصومالية، مثل العاصمة مقديشو التي شهدت آخر عملياتها في منطقة آبار المياه في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتي ادعت الحركة سقوط 49 جندياً صومالياً على إثرها، من دون تأكيد من السلطات الحكومية، إضافة إلى استهداف عناصرها بعض قواعد تمركز القوات الإفريقية التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية (أتميص)، في البلاد، مثل الهجوم على القوات الأوغندية في مايو/ أيار 2023 والذي أسفر عن مقتل 54 جندياً، وبعض الفنادق مثل فندق بيرل بيتش في يونيو/ حزيران 2023 (9 قتلى)، وفندق الحياة في أغسطس/ آب 2023 (30 قتيلاً)، لاسيما بعدما كشف تقرير للأمم المتحدة عن استخدام الحركة صواريخ الكاتيوشا (107 ملم) التي استولت عليها في مايو/ أيار 2023 في أعقاب الهجوم على القوات الأوغندية بولاية شبيلي السفلى جنوبي الصومال، من أجل استهداف أهداف حيوية في البلاد.
كما تشكل «حركة الشباب» أيضاً تهديداً إقليمياً، خاصة بعدما حاولت التمدد إلى بعض دول الجوار الإقليمي، مثل إثيوبيا، التي أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري عن إحباطها لهجمات كانت الحركة خططت لتنفيذها في منطقة دولو عدو، بالإقليم الصومالي الإثيوبي. ما أسهم في تغيير المعادلة الأمنية على الأرض بالنسبة للجيش الصومالي، ما يبرر تحركات الرئيس شيخ محمود الإقليمية من أجل الحصول على المزيد من الدعم اللوجستي لمواجهة الحركة، بالتزامن مع استعداده لإطلاق المرحلة الثانية من حربه الشاملة عليها، حتى أنه توجه إلى بيدوا جنوبي غربي الصومال، في سبيل شحذ همم قواته، وكسب المزيد من الدعم من شيوخ القبائل والعشائر المحلية هناك.
مؤشرات غياب السلام
تبرز جملة من المؤشرات التي تعكس صعوبة التوصل إلى مبادرة للحوار خلال الفترة المقبلة بين الحكومة الصومالية، و«حركة الشباب»، ربما تفضي إلى اتفاق سلام من شأنه تجنيب الصومال سيناريوهات أكثر سوءاً خلال الفترة المقبلة.
فمن ناحية، تشير تحركات الرئيس حسن شيخ محمود على الصعيدين، المحلي والدولي، إلى إصراره على وضع حد لتهديدات الحركة في البلاد، فقد وضع إطاراً زمنياً جديداً في أغسطس/ آب 2023 للقضاء عليها حدده بخمسة أشهر مقبلة، وسط دعم شعبي واسع للحرب ضدها، وتحذير من الدعوات إلى التفاوض معها إلا بشروط معينة. وهو ما حاول توظيفه من خلال استنهاض القبائل والعشائر لتوسيع دور الميليشيات العشائرية المحلية في العمليات العسكرية، بوسط وجنوب البلاد، بهدف تضييق الخناق على عناصر الشباب هناك، بالتزامن مع عودة بعض القوات الصومالية الخاصة، مثل جور-جور (النسر)، للانخراط في المواجهات المسلحة مجدداً بعد انسحابها في أواخر أغسطس/ آب 2023، بما يعكس الرغبة في احتواء مخاطر الحركة في الداخل الصومالي.
كما نجح الرئيس شيخ محمود في الحصول على موافقة بعثة «أتميص» بشأن تأجيل انسحاب 3000 جندي كان مقرراً مغادرتهم للبلاد في سبتمبر/ أيلول 2023 على أن تتحمل مقديشو كلفة بقائهم لمدة 3 أشهر مقبلة، بحسب بيان الاتحاد الإفريقي. في حين حاول تعزيز الدعم الإقليمي لبلاده في حربها على الإرهاب من خلال استضافة أعمال قمة دول خط المواجهة لمكافحة الإرهاب في فبراير/ شباط 2023، وطالب دول كينيا وإثيوبيا وجيبوتي بإرسال قوات عسكرية غير خاضعة لبعثة أتميص لمدة ثلاثة أشهر للمساعدة في الحرب على حركة الشباب، إلى جانب الاستعانة ببعض القوات الصومالية التي تلقت تدريباً في بعض دول الجوار الإقليمي، مثل إريتريا وأوغندا، بهدف مضاعفة قدراته العسكرية في مواجهة الحركة لإخضاعها.
من ناحية أخرى، تتوسع «حركة الشباب» في عملياتها الإرهابية بالعاصمة مقديشو، ومناطق تمركزها في وسط وجنوب الصومال، حتى أنها استطاعت أن تستعيد السيطرة على بعض المناطق التي تخسرها لمصلحة القوات الحكومية بسبب عدم وجود قوات كافية بالنسبة للأخيرة، في رسالة واضحة للأطراف الفاعلة في المشهد الصومالي بقدرتها الفائقة على التكيف والتأقلم والاستمرار. فهي لا تزال تضغط على قوات «أتميص» البالغ عددها 20 ألف جندي تقريباً من أجل الانسحاب من البلاد، حتى تحقق أهدافها المتمثلة في الانقضاض على السلطة والإطاحة بالنظام الحاكم في مقديشو لإقامة الشريعة الإسلامية.
مستقبل غامض
تشبه الأزمة الصومالية مباراة صفرية قد تكون تداعياتها كارثية على مستقبل البلاد، إذ يبدو إصرار الحكومة المركزية على تجريد «حركة الشباب» من مكاسبها الاستراتيجية بما في ذلك مناطق نفوذها وقدراتها العسكرية التسليحية، حتى تستطيع فرض شروطها عليها في حالة إقامة حوار، أو القضاء عليها بشكل نهائي. بينما ترفض الحركة الحوار مع النظام الحاكم التي تسعى بالأساس إلى الإطاحة به، فهي لا تزال ترى في تجربة طالبان نموذجاً فريداً يمكن تكراره في الصومال. ما يجعل المشهد أكثر ضبابية حول مستقبل الأمن والاستقرار في الصومال، مع قرب انسحاب قوات «أتميص» من البلاد، وما قد يترتب عليه من زعزعة لأمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي مستقبلاً.
* باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية