كتب – بنيمين زرزور:
تشير الهزيمة المزدوجة التي لحقت بحكومة سوناك في الانتخابات الفرعية، الأسبوع الماضي، إلى أنه يعرّض حزب المحافظين للسقوط في الانتخابات العامة المقبلة. ورغم أن المنافسة الأخيرة تمت في ظروف سيئة بالنسبة للمحافظين، لكن الخسائر تشير إلى استياء كبير بين جناحي الائتلاف الذي عزز فوز المحافظين في الانتخابات العامة عام 2019.
في الانتخابات المحلية في كل من تامورث، وميد بيدفوردشير، التي كانت واحدة من أكبر الداعمين لتصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جرى تحول بنسبة 23.9% من حزب المحافظين إلى حزب العمال، وهو ثاني أعلى معدل في تاريخ الانتخابات الفرعية بعد الحرب العالمية الثانية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العمال يتقدم بفارق كبير قبل الانتخابات العامة، العام المقبل. وقد فازت مرشحة حزب العمال سارة إدواردز، بمقعد تامورث بوسط إنجلترا، الذي كان يشغله المحافظون بأغلبية 1316 صوتاً. كما خسر المحافظون مقعد ميد بيدفوردشير بفارق 1192 صوتاً، وكانوا فازوا به بفارق 24664 صوتاً في 2019، حيث تعدّ معقلاً محافظاً منذ 90 عاماً. وأُجريت عمليتا الاقتراع بينما وصلت شعبية رئيس الوزراء إلى أدنى مستوياتها منذ توليه رئاسة الحكومة قبل عام تقريباً.
حزب منهك
ويتعين على المحافظين أن يسألوا أنفسهم: لماذا لم يتمكنوا من إقناع ثلثي ناخبيهم في عام 2019 بالحضور، في حين صمدت أصوات حزب العمال؟ ومع احتمال إجراء انتخابات عامة في غضون عام، أظهر تصويت المحافظين علامات التشرذم. وفي ميدفوردشاير، استحوذ حزب الإصلاح اليميني على ما يكفي من الأصوات لمنع فوز المحافظين.
ويحقق حزب العمال تقلبات في الانتخابات الفرعية على النطاق الذي شوهد آخر مرة في عهد توني بلير خلال منتصف التسعينات، عندما انخفضت نسبة المشاركة بشكل كبير. وينقسم أعضاء البرلمان المحافظون بشدة، حول ما يجب القيام به. لقد أغلق العديد من أبرز شخصياتهم عقولهم أمام الأفكار الجديدة، ويفتقرون إلى التسامح مع وجهات النظر المعارضة. والنتيجة هي الإفلاس الفكري، وبات حزب المحافظين منهكاً، وبلا بوصلة سياسية، وفي حاجة ماسة إلى فترة من التجديد خارج الحكومة.
لكن حزب العمال يخاطر بتبديد مؤيديه بسبب الضجة حول الموقف الذي اتخذه زعيم الحزب، السير كير ستارمر، من الأحداث في الشرق الأوسط.
لقد ميّز حزب العمال نفسه عن المحافظين في الماضي، باتباع سياسة خارجية تقوم على أسس أخلاقية. ومع ذلك، فقد تخلى ستارمر عن هذا النهج عندما سُئل عما إذا كانت إسرائيل محقة في فرض حصار على غزة (قطع الكهرباء والمياه)، وكان رده الفوري أيضاً هو الموافقة على ما يبدو على أن لإسرائيل الحق في محاصرة المدنيين، بدلاً من القول إن أفعالها قد تشكل جريمة حرب.
ربما كانت هذه الإجابة غريزية، لكنها أضرت بالثقة بحكمه، خاصة بين الناخبين المسلمين الذين شعروا بأنه تم اعتبارهم أمراً مفروغاً منه عندما تخلى السير كير عن مواقفه السابقة.
لقد أضرت تعليقاته بالمكانة الأخلاقية الأوسع لحزبه. ولا بد أن يقطع الاعتذار شوطاً طويلاً في تهدئة العاصفة التي يمكن أن تضرب حزب العمال بشدة، مع تزايد عدد القتلى في غزة.
ولا يبدو أن هزيمة المحافظين تعني بالضرورة، فوز حزب العمال، وهي القاعدة التي أخذها حزب العمال على محمل الجد في الانتخابيين الفرعيين الأخيرين. وقاوم الحزب إلى حد كبير إغراء الانجرار إلى مباراة كلامية مع المنافسين، وفاز بجدارة في كلتا المنافستين، متجاوزاً الأغلبية الكبيرة. ويبدو أن النهج الذي اتبعه قد نجح في تحقيق المفاجأة.
لكن نشطاء حزب العمال المشاركين في كلتا الحملتين، يقولون إنهم ظلوا يركزون، بلا هوادة، على أفكارهم الإيجابية. واستمع كلا مرشحيهم باهتمام إلى المخاوف المحلية، وصمما التعهدات وفقاً لذلك.
وقد ساعدتهم إثارة الناخبين المشكلات التي أراد حزب العمال تسليط الضوء عليها بشكل عفوي على أي حال، ما جعل المهمة أسهل بالنسبة لنشطاء الحزب. وكانت قضايا ارتفاع كلفة المعيشة، والجريمة، وانهيار هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وغيرها من الخدمات العامة موضع جدل دائم. وكان لدى كلا المرشحين حلول حزبية جاهزة للرد على مطالب الناخبين.
وأعربت قيادات الحزب عن خيبة أمل واسعة النطاق، ليس بشأن حالة البلاد فقط، ولكن أيضاً بشأن اثنين من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين، الذين لا يتمتعون بشعبية والذين شغلوا المقاعد سابقاً. كان هناك دائماً خطر ألا يثق الناخبون بحزب العمال أيضاً، أو يعتقدون أن بريطانيا «محطمة لدرجة لا يمكن معها إصلاحها». وقد عالج حزب العمال هذه المشكلة جزئياً، من خلال عدد قليل من التعهدات القابلة للتنفيذ مثلما فعل حزب العمال الجديد في عام 1997.
رفع الروح المعنوي للعمال
تظهر نتيجة انتخابات «ميد بيدز»، التي لم يفز بها الحزب مطلقاً، وربما تركها ذات يوم للديمقراطيين الأحرار، أنه لا توجد مناطق محظورة على حزب العمال. وسيؤدي الفوز إلى رفع الروح المعنوية، وزيادة التصميم في مقاعد مماثلة على المستوى الوطني، ما قد يؤدي إلى زيادة أعداد الناشطين في جلسات فرز الأصوات الشتوية، وحتى من مستوى المرشحين في معاقل حزب المحافظين التي تم شطبها ذات يوم. وربما تلاشت فرص عقد صفقات غير رسمية مع الحزب الديمقراطي الليبرالي في بعض المقاعد.
وإذا انعكست هذه النتائج في الانتخابات العامة، فإنها ستشهد فوزاً مذهلاً لحزب العمال. وبطبيعة الحال، تأتي الانتصارات، كما كانت دائماً، مع بعض التحذيرات، فاالمقعدان كان لهما نواب فقدوا مصداقيتهم على نحو غير عادي، ولا يمثل أي منهما بريطانيا ديموغرافيا، ودائماً ما يتم إجراء الانتخابات الفرعية في ظروف مختلفة عن الانتخابات العامة.
كما خصصت المعارضة موارد أكبر بكثير للحملات الانتخابية مما تستطيع أن تخصصه لكل مقعد على المستوى الوطني. ويشير المحافظون إلى أن حزب العمال ربما استفاد من بقاء الناخبين الذين يؤيدون حزب المحافظين في منازلهم، أو دعم المعارضة احتجاجاً، وبالتالي قد يعودون للتصويت لمصلحة حزب المحافظين في العام المقبل.