كتب- بنيمين زرزور:
رغم ما قد يبدو للمراقبين، أن العالم صار أقرب للجنون منه إلى العقلانية، وسط انفجار بؤر التوتر تباعاً، ولجوء الأطراف المتنازعة، سواء في أوكرانيا أوغيرها، إلى لغة التهديد المتصاعد وصمّ آذانها عن دعوات التهدئة والسلم، هل تتحول مناورات القوى الكبرى النووية من مجرد تدريبات دورية إلى تهديد مباشر بفتح النار؟
شهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نشاطاً عسكرياً نووياً على محوري النزاع العالمي، حيث أجرت دول حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة مناورات نووية في السابع عشر منه، بمشاركة أنواع الطائرات والأسلحة الجديدة، وسط قلق دولي من اندلاع حرب نووية مع روسيا، استمرت حتى 30 من الشهر نفسه. وقالت مصادر الحلف إن المناورات التي تحمل اسم «الظهيرة الصامدة» هي نشاط تدريبي روتيني متكرر، ولا يرتبط بأي أحداث عالمية جارية.
واستضافت بلجيكا المناورات بمشاركة 14 دولة عضواً في الحلف، و60 طائرة من مختلف الأنواع، حيث يحاكي التمرين العسكري نشر أسلحة نووية تكتيكية. وجاء في بيان صحفي نشره الحلف أن المجموعة سوف تختبر قدرات الردع النووي التي تشمل عشرات الطائرات فوق شمال غرب أوروبا، وأن المناورات تساعد في ضمان بقاء الردع النووي للحلف آمناً، وفعالاً.
وتوفر الولايات المتحدة في هذه التدريبات الأسلحة النووية، وتشمل قنابل نووية وطائرات من الجيلين الرابع والخامس، كما شاركت لأول مرة قاذفات «بي 52» القادرة على حمل رؤوس نووية تطير من قاعدة مينوت الجوية في داكوتا الشمالية. فيما يوفر حلفاء الناتو الطائرات والأطقم الجوية اللازمة لتشغيلها. كما شاركت دول الحلف بمقاتلات إف-16 وطائرات تورنادو، ومقاتلات من الجيل الخامس «إف -35.»
وانطلقت التدريبات من قاعدة كلاوين بروجيل الجوية فى بلجيكا، وحلقت الطائرات في منطقة شمال غرب أوروبا، فوق بلجيكا وبحر الشمال وبريطانيا.
مناورات نووية روسية
من جانبها، أجرت روسيا تدريبات نووية كبرى ضمن المناورات الدورية السنوية التي تطلق عليها اسم «جروم»، أو الرعد، غير أن هذه المرة كانت مختلفة عن سابقاتها، حيث شملت تجربة إطلاق الصاروخ «يارس» العابر للقارات، والصاروخ «سانيفا» من غواصة تعمل بالطاقة النووية.
وأكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقادة عسكريون في الجيش أن موسكو على استعداد لاستخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا ودول «الناتو» إذا تطلب الأمر ذلك.
ومع تهديد بوتين علناً باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن روسيا منذ بدء حرب أوكرانيا، يشعر بعض المسؤولين الغربيين بالقلق من أن موسكو قد تحاول عمداً، جس نبض الحلف عند هذه النقطة بالذات.
وأكد الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، أن الحلف تابع التدريبات النووية الروسية عن كثب، كما فعل منذ عقود. وأضاف أن إلغاء التدريبات بسبب الحرب في أوكرانيا قد يرسل «إشارة خاطئة»، موضحاً أن القوة العسكرية للحلف هي أفضل طريقة لمنع أي تصعيد للتوتر.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، إن ما يسمى بتدريبات «جروم» الروسية ستتضمن مناورات واسعة النطاق لقواتها النووية الاستراتيجية، بما في ذلك إطلاق صواريخ حية.
وكانت روسيا أجرت مناوراتها النووية العام الماضي، بمشاركة 12000 جندي، و213 قاذفة صواريخ استراتيجية، وما يصل إلى 105 طائرات، بما في ذلك خمس حاملات صواريخ استراتيجية، ونحو 15 سفينة سطحية، و5 غواصات، وتم الاشتباك مع 310 وحدات قتالية ومعدات خاصة.
وجاءت المناورات بعد إعلان روسيا الانسحاب من معاهدة حظر التجارب النووية، بعد تصديق مجلس النواب (الدوما) بشكل نهائي، لاستعادة التكافؤ في مجال الأسلحة النووية، وعلى خلفية الصراع في أوكرانيا، والأزمة مع الغرب.
وقد تزامَن قرار الدوما الروسي مع إعلان وزير الدفاع، سيرغي شويغو، قيام موسكو بتدريب قواتها على تنفيذ «ضربة نووية هائلة» رداً على ضربة معادية محتملة. وتخلل تلك المناورات إطلاق صواريخ باليستية، وإطلاق صواريخ كروز بعيدة المدى من طائرات من طراز «تو-95 إم إس».
وتمت المناورات بإشراف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبث التلفزيون الروسي مقطعاً مصوراً يظهر بوتين وهو يستمع إلى تقرير وزير دفاعه، سيرغي شويغو، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، بعد هذه المناورات. وقد أشاد الرئيس بتطوير صواريخ جديدة عالية القوة يمكنها حمل رؤوس حربية نووية.
تأتي هذه الخطوة ضمن مجموعة من الإجراءات والتصريحات الروسية التي أدت إلى زيادة التوتر النووي مع الغرب، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
ومنذ بدء النزاع في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، تبنّى بويتن عدداً من المواقف المتعلقة باستخدام الأسلحة النووية، ونشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا أقرب حليف له، صيف 2023.
وجاءت الخطوة بعد أن علّقت روسيا في فبراير/ شباط مشاركتها في معاهدة «ستارت الجديدة» لنزع السلاح النووي الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة في 2010، وهي آخر اتفاقية ثنائية تربط بين موسكو وواشنطن.
وتمنع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي أُبرمت في عام 1996، جميع تفجيرات التجارب النووية، سواء كانت لغرض عسكري، أو غيره، وحتى للاستخدامات السلمية. ووقّعت 187 دولة على المعاهدة، وصادقت عليها 178 دولة في برلماناتها.
وتقول روسيا إن إلغاء التصديق على معاهدة حظر التجارب النووية لم يكن بهدف إجراء تجربة نووية جديدة، وإنها لن تجري أي تجارب نووية، إلا إذا أقدمت واشنطن على ذلك.
يذكر أن واشنطن لم تصادق على المعاهدة، كما تخلت عن التزاماتها حيالها الأمر الذي دفع موسكو لاتخاذ قرارها، خاصة أن معاهدة حظر التجارب النووية لم تدخل حيّز التنفيذ بشكل قانوني، ولن يتم ذلك إلا بعد التوقيع والتصديق عليها من قبل 44 دولة محددة، بما في ذلك الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية، و35 دولة أخرى تمتلك قدرات نووية ومفاعلات للبحوث النووية.
إلا أن هناك عامل أمان وحيداً يحول دون كبس الأزرار النووية، وهو إدراك جميع الأطراف بأن الحرب النووية تعني هلاك الجميع، وربما فناء الكوكب. ومع ذلك تتزايد المخاوف وسط هذا الجنون العالمي، لأن احتمالات الخطأ، أو خروج الأمور عن السيطرة في نقطة ساخنة ما، تبقى قائمة.