تواجه عديد من الاقتصادات أزمة في تدبير العملة الصعبة لأسباب داخلية، منها تزايد الضغوط التضخمية وضعف الإنتاج ومحدودية الموارد الطبيعية، وأخرى خارجية مثل ارتدادات الأزمات الخارجية كالحرب في أوكرانيا، وتبعات جاحة كورونا، والتطورات في الشرق الأوسط، فضلًا عن تأثيرات السياسات النقدية التي يتبعها الفيدرالي الأميركي.
وفي عالم يتسم بهذه التقلبات الاقتصادية؛ يبحث سكان البلدان النامية وهم الأكثر تأثراً بتبعات هذه التقلبات، عن طرق وقنوات تمكنهم من كسب العملة الصعبة؛ لتحسين أوضاعهم المعيشية والمساهمة في زيادة دخول بلدانهم من النقد الأجنبي؛ لكن ما هي الوسائل الشرعية لتحقيق ذلك؟
هناك عدة طرق يمكن للأفراد استخدامها لكسب العملة الصعبة بطريقة مشروعة، من بين هذه القنوات:
- العمل الحر: يمكن للأفراد بدء أعمالهم الخاصة أو تقديم خدماتهم بشكل مستقل. ذلك يمكن أن يتضمن تقديم مهاراتهم في مجالات مثل التصميم والكتابة والتصوير وتطوير البرمجيات، وغيرها. يمكن للعمل الحر أن يوفر فرصاً جيدة لكسب العملة الصعبة.
- العمل عبر الإنترنت: هناك عديد من الفرص للعمل عبر الإنترنت، مثل التجارة عبر الإنترنت والتدوين والعمل كمحرر أو مترجم، علاوة على العمل في مجال التسويق بالعمولة، وغير ذلك. يمكن للأفراد كسب العملة الصعبة من خلال هذه الأنشطة.
- التداول في الأسواق المالية: يمكن للأفراد التداول في الأسهم والعملات الأجنبية والسلع والعقود مقابل الفروقات (CFDs) بمساعدة وسطاء موثوقين. ويتعين أن يكونوا حذرين ومستعدين للمخاطر المرتبطة بهذا النوع من الاستثمار.
- الاستثمار في الأسهم والسندات: يمكن للأفراد شراء الأسهم والسندات من الأسواق المالية بشكل مشروع واستثمار أموالهم لكسب عائد على الاستثمار مقوم بالدولار.
- الاستثمار في العقارات: يمكن للأفراد من ذوي الملائة المالية الكبيرة نسبياً شراء عقارات وإما تأجيرها لأجانب لتحقيق دخل شهري أو الاستفادة من ارتفاع قيمتها مع مرور الوقت.. كما يمكن أن تكون الغرف الشقق الفندقية وسيلة لتحقيق ذلك.
- العمل في مجالات تكنولوجيا المعلومات: تتواجد عديد من الفرص للعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجة وتطوير البرمجيات، وهذه الوظائف تمنح فرصاً جيدة لكسب العملة الصعبة.
- البحث عن فرص عمل بالخارج: تسهل فرص العمل خارج البلاد الحصول على العملة الصعبة، لا سيما في البلدان الغنية. فيما تعد تحويلات المغتربين من بين أبرز موارد العملة الصعبة بالنسبة لكثير من الاقتصادات الناشئة.
ويشار إلى أنه يتعين على الأفراد أن يتبعوا القوانين واللوائح المحلية والدولية فيما يتعلق بكسب العملة الصعبة والضرائب المتعلقة بهذه الأنشطة.
تدبير العملة الصعبة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه في ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها عديد من الاقتصادات الناشئة فيما يتعلق بتدبير العملة الصعبة يبرز دور الأفراد في إيجاد قنوات مشروعة لكسب الدولار والمساهمة في توفير النقد الأجنبي.
وبيّن الإدريسي، أن المحتوى عبر “السوشيال ميديا” بكل أشكالها سواء كان على يوتيوب وتيك توك وفيس بوك وانستغرام وخلاف ذلك، كان سبباً بالنسبة للكثيرين لكسب الكثير من العملة الصعبة للأفراد، والبعض حقق منها ملايين من خلال الإعلانات، موضحاً أنها الأكثر ربحاً من بين كل الوسائل المشروعة الأخرى. لكنه يشدد على ضرورة أن يكون صرف هذه العملات من خلال القنوات المشروعة بعيداً عن السوق السوداء.
وأضاف الإدريسي، في تصريحاته، أن التجارة الإلكترونية أيضاً تتيح للأفراد تصدير سلعة أو خدمة ما عبر الإنترنت مثل بعض الكورسات والدورات التدريبية “الأون لاين”، وكذلك العمل عن بعد في بعض الشركات الكبري مثل “غوغل، ويوتيوب”، أو حتى التعامل مع شركات صغيرة بالخارج.
أزمة الدولار
وبشكل عام، يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية التي تعزز أزمة الدولار في الاقتصادات الناشئة، على النحو التالي:
- توازن المعاملات الدولية (زيادة الوادرات بالدولار مقابل الصادرات)
- كلفة الديون الخارجية.
- التطورات الجيوسياسية والاقتصادية.
- تراجع تدفقات رأس المال.
- تقلبات أسواق السلع.
- السياسات المحلية في بعض الدول.
وسجلت معدلات الدين العالمي مستويات قياسية عند 307 تريليونات دولار في الربع الثاني من العام الجاري 2023، ذلك رغم ارتفاع أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية ضمن مساعي كبح جماح التضخم، طبقاً لبيانات معهد التمويل الدولي.
من جانبه، يعدّد الخبير الاقتصادي بلال شعيب، في تصريحات خاصة لـ”سكاي نيوز عربية”، أسباب تفاقم أزمة الدولار التي تعاني منها الاقتصادات الناشئة، موضحًا أن أبرز تلك الأسباب زيادة الاستهلاك في الدول النامية والافتقار لقيمة العمل، إذ أضحت هذه المجتمعات ذات استهلاك عشوائي وغير منظم ويعتمد بقدر كبير على الواردات من الخارج، فضلاً عن ضعف قيمة الصادرات والزيادة الكبيرة للواردات.
وأثرت السياسة النقدية التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخصوص الإبقاء على سعر الفائدة مرتفعاً، في الإضرار باقتصادات دول العالم، وخصوصاً الدول النامية، بما هددها بانخفاض النمو والتعرض للركود؛ الأمر الذي دفع برنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” لدق ناقوس الخطر والدعوة إلى إجراء تغييرات عاجلة في السياسات العالمية الحالية لعكس هذا المسار.
وأضاف شعيب أن كل فروع الشركات العالمية التي تستثمر في الدول النامية تعتمد على استيراد المواد الخام، إلى جانب ذلك فتضخم الديون الخارجية يزيد من تفاقم أزمة الدولار، ويتسبب في ارتفاع نسبة الفقر، وعجز وضعف البنية التحتية.
وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي الإجمالي انخفض 12بالمئة في العام 2022، إلى 1,3 تريليون دولار، وذلك بعد انخفاض حاد في العام 2020 وانتعاش قوي في العام 2021. ويعزو (أونكتاد)، هذا التباطؤ إلى الأزمات العالمية المتعددة، وهي الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضغوط الديون.
وفي هذا السياق، نبّه شعيب، في ذات الوقت، بأن تصدير الموارد والمواد الخام في صورتها الأولية بثمن بخس دون إضافة قيمة مضافة إليها، ومن ثم استيرادها في شكل منتج نهائي بأضعاف ثمنها يفقد اقتصادات هذه الدول الناشئة ميزة كبيرة يمكن أن توفر لها العملة الصعبة وتتيح فرصًا وظيفية كبيرة، وذلك ضمن حديثه عن أسباب تفاقم أزمة العملة الأجنبية، والتي دفعت الدول والمؤسسات والأفراد إلى البحث عن فرص بديلة للحصول على الدولار.