ساعد توالي الأزمات المحلية والدولية، الأفراد على تراكم واكتساب الخبرات بشأن تحسين إدارة وتوجيه استثماراتهم وترتيب أمورهم المالية؛ لضمان تحقيق الربح أو على أقل تقدير الحد من الخسائر.
يأتي ذلك في وقتٍ لم يكد الاقتصاد العالمي يخرج من أزمة إلا وجاءت أخرى تالية لتفرض حالة من الضبابية وعدم اليقين، ومزيداً من التحديات المفصلية التي تعمق أزمات الأفراد وتضيف ضغوطات جديدة، كما تعرض مدخراتهم واستثماراتهم للخطر، لا سيما بالنسبة للاقتصادات الأكثر هشاشة وانكشافاً على المتغيرات الدولية وتأثيراتها.
وعادة ما كان الاتجاه التقليدي بالنسبة للكثيرين هو المسارعة نحو اقتناء الذهب، باعتباره ملاذ آمن، جنباً إلى جنب والملاذات الآمنة الأخرى مثل العقارات. بينما مع تعدد أوجه الاستثمار -متباينة المخاطر- وبما تتيحه من فرص، توسعت رؤية الكثيرين في هذا الصدد، في سياق تنويع الاستثمارات.
تشرح خبيرة أسواق المال، عضو مجلس إدارة شركة الحرية للتداول، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أبرز الشواهد المرتبطة باكتساب صغار المستثمرين والأفراد مناعة في مواجهة الأزمات وانعكاساتها على استثماراتهم، وتقول في هذا السياق:
- اكتسب المتعاملون -منذ جائحة كورونا وبعدها الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ العام 2022- خبرات واسعة في التعامل مع الأزمات الأوسع نطاقاً وارتداداتها المختلفة.
- صار لدى الأفراد وعياً أكبر، من أجل التعامل مع الأزمات دون التضخية باستثماراتهم، لأنهم أدركوا أن من ضحى باستثماراته خشية التعرض لمزيدٍ من الخسائر تعرض بالفعل لخسائر كبيرة مقارنة بمن خاطر واحتفظ بها في بعض الأحيان.
- “عند الأزمات تصنع الثروات”.. الدرس الذي تعلمه المتعاملون في الأزمات السابقة، ممن لديهم قراءة جيدة للأسواق، ولديهم إدارة قوية للمخاطر ومرونة وقدرة على إدارة مخاطرهم.
- توافر المعلومات والبيانات وتدفقها بنحو سلس -عبر مختلف قنوات الحصول على المعلومات- صار أكبر من أي فترة مضت، بما وفر المتابعة اللحظة لما يحدث في الاستثمارات والأسواق والمتغيرات الجيوسياسية، الأمر الذي سمح للمتعاملين باتخاذ قراراتهم الاستثمارية في اللحظة المناسبة.
إجراءات ضرورية
وفي هذا السياق، يمكن للأفراد من خلال مجموعة من الإجراءات الضرورية تعزيز تلك الخبرات التي اكتسبوها في التعامل مع الأزمات، مع تأقلمهم عليها والتعايش معها بشكل كبير، ومن بينها:
- التعلم المستمر من خلال القراءة ومتابعة الأخبار المالية وحضور ورش العمل وخلافه.
- استشارة المحترفين للحصول على نصائح وتوجيه مخصص، لاتخاذ القرارات الصائبة.
- تخطيط المال وإعداد ميزانية لتحديد الإيرادات والمصروفات الشهرية وتتبعها.
- التنويع في الاستثمار عبر مجموعة متنوعة من الأصول مثل الأسهم والسندات والعقارات، والأصول البديلة، لتقليل المخاطر المحتملة.
- تقليل الديون وتوجيه المزيد من الأموال نحو الاستثمار بدلاً من دفع فوائد الديون.
- التخطيط للطوارئ من خلال إنشاء صندوق طوارئ لتغطية نفقات الطوارئ والاستعداد للمواقف الصعبة.
- مراجعة وتقييم دوري للاستراتيجية المالية، بما يسمح بتعديلها وتحسين أداء المحفظة الاستثمارية.
- الصبر والاستثمار على المدى البعيد، والاستعداد للتحولات في الأسواق المالية.
وبالتزامن مع تطبيق هذه الخطوات، يتعين الأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي العام والاضطرابات المحلية والدولية المحتملة عند اتخاذ القرارات الاستثمارية. علاوة على الاستشارة بشكل منتظم مع محترفين ماليين مؤهلين للتحكم في استراتيجيات الاستثمار وإدارة الأمور المالية بفعالية.
سلوك الأفراد
وتشير رمسيس إلى أنه عادة في ظل الأزمات المختلفة، بما في ذلك الأزمات الجيوسياسية وما يصاحبها من حالة عدم يقين بالأسواق، يرتبط سلوك الأفراد بالاتجاه إلى الملاذات الآمنة، لحفظ قيمة أموالهم ومدخراتهم، وعلى رأسها “الذهب”، وهي ثقافة سائدة في عديد من المجتمعات، بينما الملاحظ في الفترة الأخيرة هو لجوء الأفراد لقنوات أخرى بشكل أوسع جنباً إلى جنب والملاذات الآمنة، ومن بينها على سبيل المثال الاستثمار في البورصات وأوجه أخرى للاستثمارات.
وتستدل على تحقيق سوق الأسهم المصرية على سبيل المثال ارتفاعاً برأس المال السوقي بنسبة 11 بالمئة خلال شهر أكتوبر، على الرغم من أن مصر تعتبر “على خط النار” بالقرب من بؤرة الأحداث المشتعلة في قطاع غزة منذ يوم السابع من شهر أكتوبر الماضي. فيما جاء ذلك الارتفاع مدفوعاً بالموجة الشرائية لمختلف الشرائح.
وتشدد على أن ثمة عديداً من الأمور دعمت هذا الاتجاه -بالنسبة للحالة المصرية- من بينها تصاعد مخاوف المستثمرين من تبعات التوترات في غزة، جنباً إلى جنب والمخاوف المتعلقة بخفض محتمل لقيمة العملة، وبالتالي لجأ المتعاملون إلى “أنواع الاستثمار كافة” بما في ذلك الذهب والدولار والاستثمار والعقارات وحتى البورصات.
الاستثمار في البورصة
لم يقتصر الأمر على الملاذات الأكثر آماناً، فقد لجأ المتعاملون إلى ملاذات تحمل مخاطرة وتتطلب إدارة مخاطر واعية، بما في ذلك الاستثمار في أسواق الأسهم. وبحسب رمسيس فإن “البورصة أصبحت من البدائل الاستثمارية التي يلجأ إليها الأفراد ضمن تغير سلوكهم بعد الأزمات”.
وتلفت خبيرة أسواق المال، إلى أن الأسواق في حالة ترقب دائم لما يحدث من تطورات، وكلما طالت فترة الأزمات والحروب كلما شكّل ذلك دافعاً للمتعاملين على “التعود” والاعتماد على “الخطة ب” أو “الخطط البديلة” بالنسبة لهم، والتعايش مع ارتدادات تلك الأزمات عليهم من خلال سلوكيات مالية واستثمارية مختلفة اكتسبوا خبرتها من توالي الأزمات على ذلك النحو.
وقت الأزمات.. تصنع الثروات
وفي وقت الأزمات، يمكن لبعض الأفراد والشركات النجاح في بناء الثروة أو توسيعها بسبب الفرص التي تظهر نتيجة التحولات في الاقتصاد والأسواق.. ومن بعض الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك:
- استغلال الفرص التجاري، على اعتبار أن الأزمات تخلق فرصاً جديدة في الأسواق.
- الاستثمار في الأصول المرتفعة وقت الأزمات، ذلك أنه قد تشهد بعض الأصول مثل الأسهم أو السلع ارتفاعاً في أوقات الأزمات، ويمكن للمستثمرين الاستفادة من هذه الفرص وزيادة استثماراتهم في هذه الأصول لتحقيق مكاسب كبيرة عندما تعاود الأسواق الاستقرار.
- الاستثمار في العقارات.
- التوجيه المالي الجي، من خلال تقليل المصروفات غير الضرورية وتوجيه المزيد من الأموال نحو الاستثمارات المربحة.
- تطوير المهارات والتعلم المستمر، واستشارة محترفين ماليين.
مع مراعاة أن الاستثمار في وقت الأزمات يأتي مع مخاطر إضافية، وقد تكون الفرص غير مضمونة. لذلك، ينصح عادة بإجراء بحث وتقييم جيد قبل اتخاذ أي خطوة، والبقاء حذراً وعلى استعداد للتكيف مع التغيرات في البيئة الاقتصادية.
الأزمة الحالية
على الجانب الآخر، يتحدث المحلل المالي، نايل الجوابرة، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عن أثر التطورات الجيوسياسية على سلوك المؤسسات والأفراد في مثل تلك الفترات، وذلك بالتطبيق على الصراع الحالي في قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل.
ويشير إلى أن هذا الصراع بالتأكيد كانت لها آثار سلبية واضحة على المؤشرات في عديد من الأسواق والتي شهدت تذبذبات وانخفاضات نتيجة تأثرها بتلك التداعيات وما تحمله من مخاطر (…) بالنسبة للآثار السلبية لهذا الصراع وتأثيراته بشكل سلبي على المستثمرين (..) علاوة على ما ارتبط بذلك من مخاوف فيما يتعلق بأسعار النفط، واحتمالات تأثر مضيق هرمز أو إغلاقه بما يشكله من أهمية كبيرة.
ويشدد على أن ما يحدد سلوك الأفراد ليس مرتبطاً بـ “المناعة” التي اكتسبوها، إنما الأمر مرتبط بشكل وثيق الصلة بمدى تطور “الأخبار والأحداث” التي يكون لها عادة تأثير سلبي وقتي، وبعدها تستطيع الأسواق أن تمتص تلك الأخبار، مشيراً إلى أنه خلال الشهر الماضي كانت المخاوف متعلقة باحتمالات الاجتياح البري لغزة من جانب إسرائيل، وهو ما أثر سلباً على الأسواق في ضوء المخاوف المرتبطة بتلك الأنباء.
ويوضح أن الأفراد والمؤسسات في فترات أية أزمة تشهدها الأسواق دائماً ما ينظرون إلى “الأخبار” بشكل كبير ويتفاعلون معها مباشرة، بما في ذلك القرارات المرتبطة بالسياسة النقدية مثل قرار الفيدرالي الأميركي على سبيل المثال، ذلك أنه عادة ما تكون لمثل تلك الأخبار والتطورات تأثير وقتي بالنسبة للأسواق مع تباين مداها في الفترات التالية وأثرها في تحديد سلوك الأسواق والمستثمرين.