كان إنشاء صندوق الخسائر والأضرار الحدث الأبرز في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ كوب 27 بشرم الشيخ، ويهدف الصندوق إلى تقديم المساعدة المالية للدول الأكثر ضعفاً المتضررة بتغيّر المناخ، فما الدول المتضررة من تلك الانبعاثات؟ والأهم.. إلى أين وصلت الجهود في هذا الصدد؟
سيطر مصطلح الخسائر والأضرار على كوب 27، وتشير الخسائر والأضرار إلى العواقب السلبية التي تنشأ عن مخاطر تغيّر المناخ التي لا يمكن تجنبها، مثل ارتفاع منسوب مياه البحر، وموجات الحر الطويلة، والتصحر، وزيادة حموضة المحيطات والأحداث المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات، وانقراض الأنواع، وفشل المحاصيل الزراعية.. ومع تطور أزمة المناخ، ستتكرر هذه الأحداث بشكلٍ متزايد، وستصبح العواقب أكثر خطورة.
تاريخياً، أطلقت دول مجموعة العشرين غالبية الغازات الدفيئة التي أدّت إلى أزمة المناخ، وتصدرت بعض الدول لائحة الدول المتسببة بالانبعاثات عالمياً وتاريخياً، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا.
الدول المتضررة
ألحقت هذه الدول ضرراً كبيراً بدول أخرى خاصة في القارة الإفريقية التي تعد الأقل مساهمة في تغيّر المناخ، لكنها الأكثر عرضة لآثاره، وستضطر البلدان الإفريقية التي لا تسهم إلا بقدرٍ ضئيلٍ إلى إنفاق ما يصل إلى خمسة أمثال ما تنفقه على الرعاية الصحية للتكيُّف مع أزمة المناخ، وفي الوقت نفسه تمثّل دول مجموعة العشرين نحو 75 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.
ومُنيت باكستان بخسائر قيمتها 30 مليار دولار أميركي نتيجة للفيضانات الشديدة على الرغم من أنها مسؤولة عن أقل من 1% من الانبعاثات العالمية.
وبين الدول الأكثر تضرراً 3 دول عربية.
الصومال
تعتبر الصومال من الدول العشر الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ، ما أدّى إلى تفاقم تحديات الجفاف وانعدام الأمن الغذائي الشديد.
ومع ذلك، أثّرت الفيضانات المفاجئة في مارس آذار 2023 على 460 ألف شخص في الصومال، ما أدّى إلى نزوح عشرات الآلاف، وألقى عدم الاستقرار السياسي في البلاد بظلاله على صعوبة معالجة أزمة المناخ وحماية المجتمعات الضعيفة.
اليمن
أدّت سنوات الصراع إلى أزمة اقتصادية طاحنة في اليمن. وبحلول نهاية عام 2022، أصبح 17 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات غذائية، في حين تحتاج 1.3 مليون امرأة حامل أو مرضعة و2.2 مليون طفل إلى العلاج من سوء التغذية، وقد أدّى تغير المناخ إلى تفاقم التصحر والجفاف في البلاد.
سوريا
أدّت الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد في سوريا إلى تآكل قدرة البلاد على الاستجابة للأزمات، وأدّى الصراع والأزمة الاقتصادية الشديدة إلى دفع 90 في المئة من السوريين إلى ما دون خط الفقر، وسلّط الجفاف الشديد والزلزال الذي وقع في فبراير شباط 2023 بالقرب من الحدود السورية التركية وتأثر به مئات الآلاف من السوريين، الضوء على التحديات المرتبطة بالاستجابة لحالات الطوارئ في بلد يواجه درجة عالية من الهشاشة.
كيف يمكن جمع الأموال للتعويض عن الخسائر والأضرار؟
تُظهر الأبحاث التي أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن التمويل من أجل التكيُّف مع آثار المناخ ليس كافياً، ويشير تقرير فجوة التكيف لعام 2022 إلى أن تدفقات تمويل تكيُّف البلدان النامية أقل بخمس إلى عشر مرات من الاحتياجات المقدرة.
وترتبط احتياجات تمويل الخسائر والأضرار ارتباطاً وثيقاً بالقدرة على التخفيف والتكيُّف مع تغيّر المناخ.
ويمكن استخدام بعض أدوات التمويل التقليدية للتعامل مع الخسائر والأضرار، ويمكن للحماية الاجتماعية، والتمويل في حالات الطوارئ، والتأمين ضد أخطار الكوارث، وسندات الكوارث أن توفّر قدراً معيناً من الحماية والمدفوعات السريعة بعد الكوارث.. ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى قاعدة موسعة من المانحين وأدوات تمويل مبتكرة للاستجابة لحجم الخسائر والأضرار.
ومن الأدوات المبتكرة على سبيل المثال، استخدام ضرائب على الأرباح الاستثنائية لشركات الوقود الأحفوري وتحويل الأموال إلى الأشخاص الذين يعانون ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وإلى البلدان التي تعاني الخسائر والأضرار الناجمة عن أزمة المناخ.
ودعا البعض إلى مقايضة الديون بالخسائر والأضرار، وفرض ضرائب دولية، وإنشاء مرفق تمويل مخصص للخسائر والأضرار بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ.
وفي مؤتمر الأطراف السادس والعشرين والسابع والعشرين، تعهدت المؤسسات الخيرية وحكومات البلدان بتقديم أموال لتغطية الخسائر والأضرار، ويمكن تكثيف هذه الجهود بالنظر إلى التحديات المتزايدة التي تواجهها المجتمعات الأكثر ضعفا.
هل سيكون صندوق الخسائر والأضرار فعّالاً؟
من المهم أن يعالج صندوق الخسائر والأضرار الفجوات التي لا تسدها مؤسسات تمويل المناخ الحالية، مثل صندوق المناخ الأخضر.
وانخفضت تدفقات تمويل التكيُّف والتخفيف مجتمعة عام 2020 بما لا يقل عن 17 مليار دولار أميركي عن مبلغ 100 مليار دولار أميركي الذي تم التعهد به للدول النامية.
ولكن لكي يكون الصندوق فعّالاً، فلا بُدّ من معالجة السبب الجذري لتغيّر المناخ ألا وهو الانبعاثات.
وفي هذا الإطار، توصلت اللجنة الانتقالية المعنية بصندوق تعويض الخسائر والأضرار، يوم السبت، إلى اتفاق يضمن توصيات حاسمة لتفعيل الصندوق، ووضع عدة ترتيبات لتمويله، وذلك قبل انطلاق فعاليات مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المُناخ كوب 28 أواخر الشهر الحالي.
ولا يوجد اتفاق حتى الآن حول ما هي الخسائر والأضرار التي يتسبب فيها تغير المناخ قد تشمل الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية والممتلكات.
وأظهر تقرير وضعته 55 دولة متأثرة بتغيّر المناخ، أن الخسائر التي لحقت بها مجتمعة على مدى العقدين الماضيين تصل إلى 525 مليار دولار في المجمل أي 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لها جميعاً، ويشير بعض الباحثين إلى أن هذه الخسائر قد تصل إلى 580 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
وتقول هذه الدول إنه ينبغي على الدول الغنية المتسببة في تلك الأضرار تمويل الصندوق، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا يمانعان.
وقال الاتحاد الأوروبي إن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يجب أن تسهم في التمويل على الرغم من أن الأمم المتحدة تصنفها على أنها دولة نامية.
وقدّم عدد قليل من الدول تعهدات صغيرة رمزية بالمساهمة في الصندوق مثل الدنمارك وبلجيكا وألمانيا واسكتلندا والاتحاد الأوروبي، ولم تتعهد الصين بشيء.
وتتجه الأنظار الآن إلى الإمارات لمعرفة تطورات صندوق الخسائر والأضرار ومن سيشرف عليه وكيف سيوزع المال ولمن.