بدأت تصريحات وزير الخارجية الصيني وانج يي، تلفت الأنظار في هذه الفترة، سواء ما تعلق منها بالأزمة الأوكرانية وموقف بلاده منها، أو ما يتصل بالعلاقات مع الولايات المتحدة، والغرب عموماً. وفي عالم الدبلوماسية، فإن مواقف هذا الرجل رسمية ومباشرة وتعرض سياسة العملاق الآسيوي الذي يتطلع إليه العالم بنظرات مختلفة.
لا يظهر المسؤولون الصينيون كثيراً في وسائل الإعلام، على عكس نظرائهم الغربيين الذين يتسابقون على الشاشات ومصادر الإعلام، وبعضهم لا يرى غضاضة في أن يطل كل ساعة عبر الشاشات وفي المؤتمرات الصحفية ليجتر الموقف نفسه، أو يشن الهجوم ذاته، وأحياناً يسقط في الثرثرة. وفي كل الأحول فذلك تقليد غربي متوارث، أما في الصين، وعلى غرار الدبلوماسيين الروس، فالمسؤول الرسمي منضبط وحازم، ولا يحتاج إلى اجترار ما يقول. وإلى هذه الفريق ينتمي وزير الخارجية الصيني وانج يي الذي اشتهر بكلماته المختصرة والبليغة عندما يظهر في مؤتمر صحفي، أو عبر بيان رسمي ليشرح موقف بلاده من القضايا الراهنة. وبما أن العالم أجمع منشغل بالأزمة الأوكرانية، تحاول الدول الغربية ممارسة ضغوط على بكين لدفعها إلى اتخاذ موقف مضاد لروسيا، لكن وانج يي (69 عاماً) أكد في مناسبتين على الأقل، أن علاقات الصين وروسيا صلبة كالصخر، وفي مرة ثانية، وهي الأهم، أكد أن الصين تقف في هذه الأزمة «في الجانب الصحيح من التاريخ». ومع ذلك تستمر القوى الغربية في السعي إلى استدرار موقف أكثر وضوحاً من الصين، على الرغم من أن الغرب نفسه يحتاج الصين كي تبقى بمنأى عن الصراع حتى تكون وسيطاً له في اللحظات الحرجة، على اعتبار أن بكين لديها نفوذ وحظوة في موسكو.
ودائماً يفصح وانج يي بإيجاز، عن موقف بكين، ففي أواخر العام الماضي 2021، وفي خضم تصاعد الأزمة في أوكرانيا باتجاه العملية العسكرية الخاصة، دوى وانج يي بتصريح قال فيه «إذا وقفت بلاده كتفاً بكتف مع روسيا، فإن البلدين معاً قادران على ضمان النظام العالمي وصد ضغوط الدول التي تسعى للهيمنة على العالم». وقد شغل ذلك الموقف وسائل الإعلام الغربية في ذلك الوقت، وجاء في سياق سجالات لا تتوقف بين بكين وواشنطن بالذات، بسبب الخلافات العميقة بينهما حول التجارة وجائحة كورونا والأمن في جنوب شرقي آسيا وتايوان والوضع في شبه الجزيرة الكورية.
ما يعتبره الغرب غموضاً لدى الصين يراه غيرهم وضوحاً وتميزاً في النهج والموقف، ففي بداية العام الماضي أكد وانج يي أن العالم لا يحتاج أن تكون الصين «ولايات متحدة» ثانية، وحذر حينها من المحاولات الأمريكية ل «قمع بكين»، لأن ذلك لن يعود بالنفع على أحد. كما أشار إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين «قد تسقط في هاوية المواجهة».
ويعمل وانج يي، الذي تم تعيينه وزيراً للخارجية عام 2018 ومستشار الدولة في 2018، على قيادة دفة الدبلوماسية الصينية، وهدفها أن تضع بكين في بؤرة المسرح العالمي. وهذه الدبلوماسية تعمل بروح حكمة صينية قديمة تقول «في صراع الماء مع الصخر، يفوز الماء بمرور الوقت»، فالصين، ثاني قوة اقتصادية في العالم، تريد أن تحقق أهدافها بهدوء ومن دون ضجيج، وهدفها المعلن أن تكون عاملاً للاستقرار، وقوة إيجابية لتغيير الوضع الراهن على الصعيد الدولي.