رويترز
أكد مسؤولون أمريكيون ومحللون، إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة تمرد طويل ودموي إذا ألحقت الهزيمة بحركة «حماس»، واحتلت غزة بدون خطة للانسحاب، والمضي قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب.
وذكر مسؤولان أمريكيان وأربعة مسؤولين من المنطقة، أن كل الأفكار، التي طرحتها إسرائيل وواشنطن ودول عدة حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد حرب غزة، لم تحظ بتأييد، فيما يثير المخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يُستنزف في عملية طويلة الأمد.
وبينما تحكم إسرائيل سيطرتها على شمال غزة، يرى مسؤولون في واشنطن، أن إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة سنوات من العنف.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون، إنه إذا تمت الإطاحة بحكومة «حماس» في غزة، ودُمرت بنيتها التحتية، فقد تندلع لاحقاً بين السكان انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في القطاع
* الإطاحة بحماس
وتتفق تل أبيب وواشنطن على ضرورة الإطاحة ب«حماس»، بعد هجومها الأخير في السابع من أكتوبر تشرين الأول، ما أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي واحتجاز حوالي 240 رهينة.
وترى دول غربية عدة، أن السلطة الفلسطينية، هي المرشح الطبيعي للعب دور في غزة البالغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى، أن السلطة الفلسطينية لا يجب أن تتولى مسؤولية غزة. وذكر أن الجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على «حماس»، وضمان عدم عودة الإرهاب. وأصر مسؤولون إسرائيليون على أن إسرائيل لا تنوي احتلال غزة.
* خطط واقعية
حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن نتنياهو الأربعاء، من أن احتلال غزة سيكون «خطأ كبيراً». ويقول دبلوماسيون، إن واشنطن وحلفاءها لا يرون حتى الآن أي خريطة طريق من إسرائيل بشأن استراتيجية الخروج من غزة باستثناء هدف «تصفية حماس». ويضغط الأمريكيون على إسرائيل لتقديم أهداف واقعية وعرض خطة لكيفية تحقيقها.
وتقول الأمم المتحدة والهلال الأحمر، إن العملية التي شنتها إسرائيل في غزة أدت إلى مقتل أكثر 12 ألف شخص حتى الآن، وتشريد أكثر من مليون. وبينما يصر مسؤولون أمريكيون على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين قد يؤدي إلى دفع مقاتلين جدد إلى أحضان «حماس»، أو جماعات مسلحة أخرى مستقبلاً.
وقال أكثر من 12 من سكان غزة، إن الغزو الإسرائيلي يولد جيلاً جديداً من المسلحين.
وذكر أبو محمد (37 عاماً)، وهو موظف حكومي في مخيم جباليا: «أنا لست عضواً في حماس. لكن في أيام الحرب كلنا شعب واحد، وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل. قد يحتل الإسرائيليون غزة، لكنهم لن يشعروا أبدا بالأمان، ولا ليوم واحد».
* محادثات بقيادة واشنطن
وقال مسؤولان أمريكيان، إن مناقشات واشنطن مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء في المنطقة عن خطة لما بعد الحرب في غزة لا تزال في مراحلها المبكرة. وذكر مسؤول أمريكي كبير: من المؤكد أننا لم نصل بعد إلى مرحلة بذل أي جهد لترويج هذه الرؤية لشركائنا الإقليميين الذين سيتعايشون معها في النهاية وينفذونها.
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب برؤية لحل الدولتين، الذي سيجعل من غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية، لم يقدم هو أو كبار مساعديه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك. ويرى خبراء، أن أي جهد لإحياء المفاوضات، هو أمر بعيد المنال بسبب الحرب الجارية.
وقال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات الأمريكية: «من المآسي العديدة للهجوم الذي نفذته حماس أنه قوض القضية الفلسطينية وتسبب في انتكاسة لمسعى إقامة دولة مستقلة».
ووفقاً لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قراراً بشأن استئناف المفاوضات في نهاية المطاف. ويدرك مساعدو بايدن، أن نتنياهو وحكومته، التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، ليس لديهما رغبة في استئناف المحادثات.
* خطوط واشنطن الحمراء
وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيساً العام المقبل، قد يتردد في خسارة الناخبين المؤيدين لإسرائيل الذين سيرون أنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين. وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي خطوط واشنطن الحمراء في غزة، قائلاً إن الإدارة تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع، أو أي تقليص لمساحته، أو احتلاله أو فرض إسرائيل حصاراً عليه. وقال أيضاً، إن غزة لا يمكن أن تصبح منصة للإرهاب.
وذكر بلينكن مراراًَ أن واشنطن ترغب في رؤية السلطة الفلسطينية تدير قطاع غزة. وقال دبلوماسي أوروبي كبير، إن هناك خطوة أخرى قيد المناقشة وهي منح السلطة دوراً في توزيع المساعدات في فترة ما بعد الحرب في غزة.
من جهة أخرى، أكد مسؤول في السلطة الفلسطينية، إن عودتها إلى غزة هي السيناريو الوحيد المقبول، وسيُناقَش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى.وقال مسؤولون فلسطينيون، إن السلطة لن تعود إلى حكم غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في غزة لمدة عامين تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية. لكن الدبلوماسيين قالوا إن هناك مقاومة من حكومات عربية، مثل مصر لهذا المقترح.
* لا اتفاق على القيادة
وقال مسؤول أمريكي إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقداًَ لأن كل لاعب إقليمي لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة. وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني والحلفاء في المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل.
وذكر جوست آر.هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أزمات دولية، من الواضح أن هناك حاجة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر صعب.
وقال، إن الدول العربية يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مرشح لا يعجبهم، وستفوز «حماس» في أي انتخابات على الأرجح. وهناك مخاطر كبيرة من احتمال امتداد الصراع إلى الضفة الغربية وإلى خارج إسرائيل.
يقول مسؤولون ودبلوماسيون عرب، إنه لم يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في الشرق الأوسط منذ الغزو الأمريكي للعراق.
ومهما كانت قرارات بايدن الدبلوماسية، يقول مساعدوه إنه ليس لديه مصلحة في جر الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع. وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصحفيين هذا الشهر:«لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات عسكرية أمريكية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل».