“الأزمة التي تشهدها مصر اليوم تمثل أزمة عابرة.. أزمة العملة سوف تنتهي في فترة قريبة، ولكن الأهم هو ما بعد ذلك”.. هذا ما ذكره رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قبيل أيام، على هامش جولته بمدينتي العبور والعاشر من رمضان، وهي التصريحات التي بعث خلالها برسائل طمأنة بشأن واحدة من أكثر الأزمات إثارة للجدل داخل مصر.
تضمنت الرسائل التي بعث بها مدبولي خلال تلك الجولة إشارات واسعة على ما توليه الدولة المصرية من دعمٍ للقطاع الصناعي، باعتباره رافد رئيسي من روافد التنمية بالبلاد، كما تضمنت استعراضاً لأهم الخطوات التي تتخذها الدولة في الملف الاقتصادي الأوسع، بما في ذلك كيفية النظر إلى أزمة الدولار المتفاقمة.
يستند مدبولي في تبسيطه للأزمة بوصفها “عابرة وسوف تنتهي في فترة قريبة” إلى عددٍ من المؤشرات الرئيسية، والمرتبطة بتحركات الدولة المصرية في هذا الملف تحديداً، وهي التحركات الهادفة لتوفير الدولار الذي يحلق عالياً في السوق الموازية وسط فجوة واسعة مع سعره الرسمي.
ويتفاءل محللون بأن العام المقبل وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية، قد يشهد بداية الانفراجة، في ظل عديد من المؤشرات المختلفة والثمار المُنتظر حصادها، بما في ذلك انضمام مصر لمجموعة بريكس، وتفعيل اتفاقية مبادلة العملات مع الإمارات، وغيرها من الأمور التي تشكل دفعة على المدى القصير، جنباً إلى جنب والاستراتيجيات التي تتبعها الدولة المصرية للإصلاح الاقتصادي والوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتعظيم المنتج المحلي لتخفيف الضغط على الدولار وجذب استثمارات جديدة، ضمن العوامل التي تُبشر بانفراجات أوسع على المديين المتوسط والطويل.
فيما تظل مجموعة من العقبات سائدة وتفرض نفسها على المشهد، سواء داخلية في ظل الضغوط التي تواجهها المالية العامة وارتفاع معدلات التضخم، وكذلك الخارجية المرتبطة بالعوامل الجيوسياسية وتأثيراتها على المشهد المحلي، وغيرها من الأمور.
انفراجة وشيكة
ومن المرجح أن يشهد الربع الأول أو الثاني من العام المقبل انفراجة محتملة في أزمة الدولار، طبقاً لتقديرات الخبيرة المصرفية، سهر الدماطي، والتي ترصد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عدداً من العوامل التي تشجع على ذلك، والتي يستند إليها رئيس الوزراء في تقديراته بشأن انتهاء الأزمة قريباً، على النحو التالي:
- برنامج الطروحات الحكومية، الذي يتضمن 32 شركة، من بينهم شركات تم بالفعل إجراء “فحص نافي للجهالة” لها، ولم يتم إصدار قرار بهم بعد. فيما تم حسم ملف شركات أخرى (بيع 30 بالمئة من الشركة الشرقية للدخان).
- اتفاقيات تبادل العملات، باعتبارها متنفس جديد للجنيه المصري. إذ توفر اتفاقية التبادل مع الإمارات حوالي مليار و400 مليون دولار.
- اتفاقات مبادلة الديون مع الصين.
- انضمام إلى مجموعة “بريكس” مطلع العام المقبل، وهو من شأنه تسهيل التبادل بين الدول الأعضاء من خلال العملات المحلية، وبما يخفف من الضغط على العملة الأجنبية.
- دراسة اتجاه المقايضة مع عددٍ من الدول، مثل الهند ورسيا، لتخفيف الضغط على العملة.
وتضيف: “بالتالي هناك أكثر من اتجاه تسير فيه الحكومة المصرية، وذلك إلى جانب عديد من المبادرات المختلفة، ومن بينها مبادرات توفير العملة مثل الشهادات الدولارية التي تمثل منتجاً جديداً وبفائدة غير مسبوقة، علاوة على الاتفاق مع هيئة التمويل الدولية لإصدار سندات بالجنيه”.
وتشير في السياق نفسه إلى الأنباء المتواترة بخصوص حصول مصر على زيادة أعلى من مبلغ الـ 3 مليارات دولار المخصص من صندوق النقد الدولي، وذلك في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة.
صندوق النقد
وكانت شبكة بلومبرغ، قد نقلت في أكتوبر الماضي، عن أشخاص مطلعين، أن الحكومة المصرية تجري محادثات مع صندوق النقد الدولي، بشأن تعزيز برنامج الإنقاذ الخاص بها إلى أكثر من خمسة مليارات دولار.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن أي إعلان عن زيادة محتملة من مبلغ ثلاثة مليارات دولار الذي تم تأمينه العام الماضي، لن يأتي إلا بعد أن تكمل مصر مراجعتها المتأخرة للبرنامج، وقالوا إنه لم يتم اتخاذ أي قرار بعد.
وترى مصر أنها واثقة من قدرتها على التغلب على العقبات التي تواجه حزمتها الحالية، من خلال معالجة المخاوف بما في ذلك سياسة العملة.
بينما على المديين المتوسط والطويل، فتلفت الخبيرة المصرفية، في معرض حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن الدولة المصرية وضعت استراتيجية في مايو 2022 من ضمن أساسياتها توطين الصناعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وقد تم اتخاذ إجراءات واسعة في هذا السياق، بما في ذلك تقديم تسهيلات للقطاع الصناعي من أجل توسيع القاعدة الصناعية وكذلك زيادة وتيرة الاستثمار.
هروب الاستثمارات
وتعاني المالية العامة في مصر من ضغوطات واسعة ناجمة عن أزمة شح العملة الصعبة، وهي الأزمة التي تفاقمت منذ بداية العام الماضي مع تخارج نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من الأسواق المصرية، مع سياسة التشديد النقدي التي اتبعتها البنوك المركزية وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي ورفع معدلات الفائدة بهدف مواجهة التضخم.
وعانت مصر كغيرها من الاقتصادات الناشئة بشكل كبير من تلك السياسات التي سرّعت من هروب الاستثمارات إلى الخارج، وبما شكل على عملتها المحلية.
الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى بدرة، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن القضاء على أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مشروط بإنهاء أزمة ندرة العملة (شح السيولة الدولارية بالأسواق).
عزز شح السيولة الدولارية في الأسواق وصعوبة الحصول على الدولار من مصارف رسمية، نمو وتطور السوق السوداء في مصر، بعد أن كان قد تم القضاء عليها في وقت سابق في العام 2015.
ويدور سعر الدولار في السوق السوداء (الموازية) في أفق الـ 50 جنيهاً، طبقاً لما تُظهره أسعار التنفيذ المتداولة على منصات متخصصة للمتعاملين بتلك السوق. بينما لا يزال سعره الرسمي دون الـ 31 جنيهاً.
ويضيف بدرة: “يتردد أنه خلال الفترة المقبلة سيكون هناك تغيير في سعر الصرف.. وتتم دراسة الأمر بين الأجهزة المعنية وجهات خارجية لضمان توفير العملة (بهدف مواجهة أي انعكاسات سلبية لأي تعويم قادم، بالنظر إلى الإشكالات التي قد يسفر عنها أي تعويم دون توافر العملة)”.
ويشير إلى أنه مع بدء البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة، سارعت عديد من الاستثمارات (الأموال الساخنة) في التخارج من مصر والأسواق الناشئة؛ لتحقيق عوائد أعلى وآمنة بالخارج “والطريق لا تزال طويلة من أجل استرداد تلك الأموال من جديد، لا سيما وأن ذلك الأمر يُحمل المستثمر مخاطر محددة”.
خفض الفائدة
ويُشار إلى أنه في وقت تتزايد فيه رهانات الأسواق على انتهاء دورة التشديد النقدي واتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض الفائدة العام المقبل، مع تباطؤ معدلات التضخم، قد يعطي دفعة لعودة الأموال الساخنة للأسواق الناشئة، بحسب محللين.
وتباطأ التضخم الأساسي في مصر إلى 38.1 بالمئة في أكتوبر من 39.7 بالمئة في سبتمبر، وفق البيانات الصادرة عن البنك المركزي.
وسجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، معدلاً شهرياً بلغ 1.8 بالمئة في أكتوبر 2023 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 3 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.1 بالمئة في سبتمبر 2023.
وارتفع صافي الاحتياطيات الأجنبية لمصر إلى 35.102 مليار دولار في أكتوبر من 34.97 مليار دولار في سبتمبر، بزيادة بقيمة 132 مليون دولار.
وبالعودة لحديث بدرة، فإنه يضيف: “ننتظر في الأيام المقبلة: متى ستتم مراجعة صندوق النقد؟ وهل سوف يفي الصندوق بتقديم قرض جديد لمصر بدون شروط بقيمة خمسة مليارات دولار؟”، لافتاً إلى اتجاه مؤسسات تصنيف دولية لخفض تصنيف مصر الائتماني، بما لذلك من آثار (..).
وكانت وكالات موديز وفيتش واس آند بي غلوبال قد خفضت تصنيف مصر الائتماني على خلفية زيادة المخاطر على التمويل الخارجي لمصر وارتفاع الديون لمستويات غير مسبوقة.
فيما تؤكد الحكومة المصرية أنها قد حددت مصادر توفير الاحتياجات التمويلية الخارجية حتى نهاية العام المالي الحالي المقدرة بـ 4 مليارات دولار، مع استهداف الاستمرار في تنويع الأسواق الدولية.