دمار واسع خلفته الحرب الضروس الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي، وحتى التوصل إلى هدنة أخيراً، شمل كل مناحي الحياة هناك، فيما من الصعوبة بمكان وضع تقديرات دقيقة لمدى وحجم الخسائر مع تمددها وتوسعها على نحو كبير خلال الأسابيع الماضية.
كذلك من الصعوبة تقدير كلفة إعادة الإعمار، لا سيما مع ارتباط تلك العمليات بكثيرٍ من المحددات السياسية والاقتصادية المختلفة، ومع هذا الدمار الهائل الذي شهده القطاع، وتدمير البنية التحتية بمختلف أشكالها أكثر من أي مواجهات مضت.
طرق أساسية ومساكن ومؤسسات حكومية ومدارس ومستشفيات ومرافق عمومية وخاصة طالها القصف، بعضها تمت تسويته بالأرض تماماً، وبعضها لحقت به أضرار واسعة أو جزئية وبحاجة إلى إعادة تأهيل كامل.
وسط مشاهد تعكس حجم الكارثة التي ألمت بالقطاع، وطبيعة المجهودات المستقبلية المطلوبة من أجل إعادة الوضع على ما هو عليه، بما لذلك من كلفة باهظة الثمن.
بحسب البيانات التي أعلن عنها المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة قبل أيام، فإن:
- 50 بالمئة من المساكن في القطاع تضررت جراء القصف.
- 40 ألف وحدة سكنية تم هدمها بالكامل خلال الحرب الراهنة، وبعد إلقاء 32 ألف طن من المتفجرات وأكثر من 13 ألف قنبلة على القطاع.
- 95 مقراً حكومياً تم تدميره، علاوة على 255 مدرسة (63 منها خرجت بالكامل عن الخدمة)
- 76 مسجداً مدمراً بشكل كامل. و165 مسجداً تضرر بشكل جزئي. علاوة ثلاث كنائس تم استهدافهم.
- 25 مستشفى خرج من الخدمة، إلى جانب 52 مركزاً صحياً. وتم استهداف 55 سيارة إسعاف.
حجم الخسائر
“لم تعد غزة صالحة للحياة” في ضوء هذا الدمار الكبير، طبقاً لوصف المتخصص في الشؤون الفلسطينية والمستشار المشارك في المفاوضات العربية الإسرائيلية، طارق فهمي، والذي يقول إنه “لا أحد يستطيع تحديد حجم تكلفة الخسائر، لا سيما وأن ما جرى في حرب غزة الأخيرة لا يقارن تماماً بالمواجهات السابقة”، ويضيف:
- لقد تقطعت أوصال القطاع بشكل واضح، وربما ينقسم إلى أربعة أو خمسة كانتونات، بخلاف الترتيبات الأمنية الجارية.
- القطاع سيكون غير صالح للحياة بعد انتهاء العمليات العسكرية، وبحاجة لمشروع كامل لإعادة الإعمار.
- كمقاربة لعمليات الإعمار، يمكن التذكير بأن مشروع إعادة الإعمار (في 2021) سبق وأن تقدمت مصر بـ 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع، وكمبادرة من الدول العربية حينها.
- الدمار الحالي شمل جميع المناطق في غزة، بما في ذلك منشآت البنية الأساسية.
- ستكون هنالك هناك جملة من الإشكاليات بعد وقف إطلاق النار؛ منها على سبيل المثال: من سيشارك في الإعمار، وهل ستعمل المؤسسات المانحة الأوروبية على إعادة تأهيل القطاع؟
- الأمر يستغرق وقتاً طويلاً من أجل الاتفاق على تفاصيل العملية في ضوء الوضع الراهن.
ويضيف: “بالتالي نحن سنكون أمام مراجعة كاملة لما سيتم.. البنك الدولي اكتفى بإصدار سلسلة تقارير متتالية في هذا السياق.. بينما لم يحدد طبيعة الوضع (تقديرات الخسائر والكلفة المحتملة لإعادة الإعمار)”، مشدداً على أن قطاع غزة سيحتاج إلى إعادة تأهيل كامل، لكن سيكون الأمر مرتبطاً ببعد سياسي وليس اقتصادياً.
ويشدد على أنه لا توجد منطقة في غزة لم تسلم من الضرر، بما في ذلك مناطق الشمال التي تتواجد فيها بعض المصانع والشركات، بخلاف الأبنية الكبيرة، والمساجد والمستشفيات والبنية التحتية بمختلف أشكالها، والطرق مثل طريق صلاح الدين الذي تدمر بكل ما فيه.
ويعتقد لوصف المتخصص في الشؤون الفلسطينية والمستشار المشارك في المفاوضات العربية الإسرائيلية، بأن التكلفة ستكون مرتبطة بأربعة عوامل رئيسية، وهي (السلطة الفلسطينية التي سوف تتولى إدارة العملية، والوجود الإسرائيلي الذي يعيق أي بناء، والمؤسسات المانحة خصوصاً الأوروبية، وطبيعة الدعم الأميركي).
ووفي مسح بالخرائط، ذكر تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أن نصف مباني شمال غزة دمرتها الحرب، بعد أن ألحق الجيش الإسرائيلي الدمار بجزء كبير من القطاع، ما أدى إلى إلحاق أضرار بالغة بأكثر من نصف المباني ومساحات كبيرة من الأحياء بأكملها، وفقاً لتحليل بيانات الأقمار الصناعية.
وقد تم تقدير المدى الكامل لهذا الضرر باستخدام إشارات الرادار التي تم جمعها من القمر الصناعي Sentinel-1 التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
خسائر غير مسبوقة
من جانبه، يقول الكاتب الصحافي المتخصص في الشأن الفلسطيني، أشرف أبو الهول، في تصرحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- هذه الحرب هي الأشد عنفاً والأكثر دموية في تاريخ الحروب السابقة في فلسطين، من ناحية قوة النيران وتكثيف الضغط والأسلحة المستخدمة.
- تطور الأسلحة والتقدم في القوة التدميرية جعل هذا الحرب تتفرد بكونها الأكثر عنفاً وتبعاتها الأوسع نطاقاً.
- الخسائر غير مسبوقة” في البنية التحتية داخل غزة، والدمار لحق بأكثر من 50 بالمئة من المساكن هناك.
- الدمار لحق بمقار مؤسسات رسمية والمساكن والطرق.. وحتى المستشفيات التي لم تسلم من الاستهداف، علاوة على مدارس قد خرجت تماماً من الخدمة.. كما أن هواء غزة أصبح ملوثاً بالكامل.
ويضيف: “هناك أحياء كاملة دُمرت وأزيلت من الأرض، حتى أن القلب الاقتصادي لقطاع غزة، وأحياء مثل (حي الرمال) دُمرت بشكل كبير.. كذلك مقار حكومية وأسواق ومدارس تمت تسويتها بالأرض (..)”.
ويشدد أبو الهول على أن “تقديرات الخسائر الحالية ربما تفوق خسائر المادية أي حروب سابقة تعرضت لها غزة (..) تصل كلفة الخسائر إلى مليارات الدولارات”، مردفاً:” ولا أعتقد بأن دولة ستجرؤ على إعادة الإعمار إلا إذا كانت هناك هدنة دائمة واستقرار.. لن تغامر أية دولة بأموالها مادامت الأمور لم تستقر.. بعد حرب 2014 لم تقم أية دولة بإعادة الإعمار سوى مصر التي بنت عدداً من الأحياء السكنية والطرق”.
ويضيف: “الحرب الدموية بصورتها الحالية ومع وجود قوت إسرائيلية على نحو أكثر من 40 بالمئة من قطاع غزة ومع نزوح سكان الجنوب.. تجعل من الصعوبة بمكان أن تكون هنالك عمليات إعادة إعمار إلا بعد استقرار الأوضاع تماماً”.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قد ذكر نقلا عن بيانات من وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية أن الهجمات الإسرائيلية دمرت أكثر من 41 ألف وحدة سكنية وألحقت أضرارا بأكثر من 222 ألف وحدة أخرى. وإجمالا، قال المكتب إن 45 بالمئة على الأقل من الوحدات السكنية في غزة قد تعرضت لأضرار أو دُمرت.