يرسم مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 بدولة الإمارات العربية المتحدة، معالم جديدة للعمل المناخي، في ضوء ما أسفر عنه من تعهدات ومساهمات ومبادرات جديدة، من الدول والمؤسسات المعنية، وبما يعزز بوادر الأمل حيال إحراز المزيد من التقدم على مساري التخفيف والتكيف، لا سيما بالنسبة للبلدان النامية.
وبينما لم يُنه بعد أسبوعه الأول، تمكن المؤتمر من تحقيق نجاحات “غير مسبوقة”، من بينها حشد أكثر من 83 مليار دولار التزامات مالية تجاه العمل المناخي في الأيام الخمسة الأولى.
تتضمن هذه الإعلانات، تعهدات هي الأولى من نوعها على الإطلاق تضمنت تحول النظم الغذائية والصحة، بالإضافة إلى الإعلانات المتعلقة بالطاقة المتجددة وكفاءتها، فضلاً عن المبادرات الرامية إلى إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة كثيفة الانبعاثات. كما حظى أحد عشر تعهداً وإعلاناً بدعم تاريخي.
وقامت رئاسة مؤتمر COP28 بتيسير التوصل إلى اتفاق تاريخي لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار لتأثيرات المناخ في اليوم الأول، حيث تم بالفعل التعهد بمبلغ 726 مليون دولار.
يعكس المؤتمر التزاماً قوياً بتحقيق أهداف اتفاقية باريس وتعزيز الاستدامة البيئية. وتحظى المبادرات البيئية التي تم الإعلان عنها باهتمام كبير على الساحة الدولية، وتمثل نموذجاً في تبني السلوكيات البيئية المستدامة.
وتأتي المساهمات التي تم الإعلان عنها من قبل الدول والمؤسسات المشاركة في COP28 كتأكيد للالتزام العالمي بمواجهة التحديات البيئية. تبني هذه المساهمات مشاريع وبرامج تهدف إلى تعزيز الاستدامة في مختلف قطاعات الحياة، يسهم في خلق مستقبل أخضر وصديق للبيئة.
نقطة تحول
يشير الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، إلى أن البلدان النامية من الصعب جداً أن تواجه أزمة المناخ بمفردها، خاصة في ظل التحديات والصدمات الاقتصادية المتتالية، ومن ثم تبزغ أهمية المساهمات والتمويلات الدولية التي تقدمها الدول المتقدمة والمؤسسات الاقتصادية.
وتبعاً لذلك يعتقد بأن “مؤتمر الأطراف الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 في الإمارات يشكل نقطة تحول في العمل المناخي، وذلك في ضوء التفاهمات الواضحة التي تم التوصل إليها، والبناء على ما تم إنجازه في مؤتمر شرم الشيخ في مصر”.
ويوضح أن كلفة أزمة المناخ تتفاقم يوماً تلو الآخر، والمسؤولية يتحملها الجميع بنسب متفاوتة، وبالتالي هناك حاجة ماسة لتعظيم العمل المناخي والتوصل لحلول، مشيراً إلى أن الدول الصناعية الكبرى بدأت تدرك عملياً حجم المشكلة في العالم كله، وتبدي من جانبها رغبة في التكاتف من أجل مواجهة التغير المناخي، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال التعهدات المناخية الأخيرة.
ويصف تلك المساهمات المعلنة، بما في ذلك مساهمات دولة الإمارات (الدولة المستضيفة) بأنها تشكل تحركاً إيجابياً لافتاً، وخاصة بعد الإعلان عن إتاحة صندوق للحلول المناخية.
- أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة صندوقاً لتحفيز التمويل المناخي (ALTÉRRA) بقيمة 30 مليار دولار، يهدف إلى تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030، ولاحقا تعهدت دولة الإمارات بتمويل قيمته 200 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة بها لدى صندوق النقد الدولي.
- علاوة على ذلك تم تخصيص 150 مليون دولار من دولة الإمارات لحل المشاكل المتعلقة بنقص الموارد المائية، وحلول الأمن المائي في المجتمعات الهشة والضعيفة في العالم.
خطوة على الطريق
وإلى ذلك، يقول نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، الدكتور علاء النهري، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عن التعهدات المالية المقدمة من الدول والمؤسسات وبنوك التنمية خلال مؤتمر المناخ COP28، إن تلك التعهدات تعد خطوة على الطريق، وإن كان لا يزال هنالك حاجة للمزيد من الخطوات التالية (في إشارة لحجم الاستثمارات والتمويلات المطلوبة والذي يفوق المخصصات الحالية فيما يخص مشروعات ومبادرات المناخ في البلدان النامية).
ويشير إلى أن البلدان النامية تحتاج 300 مليار دولار (التكلفة السنوية للتكيف مع التغيرات المناخية) وفقاً للأمم المتحدة، وبالتالي هنالك حاجة لحشد المزيد من التمويلات، مشيراً إلى أن تفعيل صندوق الخسائر والأضرار بعد الخطوات التي تم قطعها خلال قمة شرم الشيخ في مصر العام الماضي، والإعلان عن الموافقة على الصندوق.
ويلفت في السياق نفسه إلى المفاوضات التي تمت خلال العام الماضي من أجل التوصل إلى صيغة اتفاق حول صندوق الخسائر والأضرار، ومخاوف البلدان النامية من تبعيته مؤقتاً للبنك الدولي، مشيراً إلى أن ما تحقق بإعلان تفعيل الصندوق يشكل خطوة إيجابية في COP28 للبناء عليها وحسم الملفات المرتبطة بالآليات التنفيذية والإدارية.
ويشدد على أهمية التزام البلدان الكبرى بتعهداتها، لا سيما وأنه منذ العام 2009 كانت هنالك عديد من التعهدات، بما في ذلك تقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان النامية في التغلب على التحديات الناجمة عن أزمة المناخ، لكن لم يتم الوفاء بتلك التعهدات.
من بين التعهدات الرئيسية خلال الأيام الأولى أيضاً، إعلان البنك الدولي عن زيادة قدرها 9 مليارات دولار سنويا لتمويل المشاريع المتعلقة بالمناخ. كما أعلنت بنوك التنمية المتعددة الأطراف الأخرى عن زيادة تراكمية تزيد عن 22.6 مليار دولار لصالح العمل المناخي.
وكذلك الإعلان عن 3.5 مليار دولار لتجديد موارد صندوق المناخ الأخضر. والإعلان عن مبلغ 133.6 مليون دولار لصندوق التكيف. و الإعلان عن 129.3 مليون دولار لصالح صندوق الدول الأقل نمواً و31 مليون دولار إلى الصندوق الخاص لتغير المناخ (SCCF).
أعلى من التوقعات
“التعهدات المالية خلال القمة فاقت التوقعات السابقة”، هذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي، أحمد الصفتي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، مشيراً إلى أن ما تم الإعلان عنه خلال أول أسبوع من مؤتمر المناخ COP28 جاء أكثر من التوقعات التي سبقت انعقاد المؤتمر، سواء فيما يتعلق بمبادرات وتعهدات البلدان وكذلك المؤسسات ذات الصلة.
ويشدد على أن ما تحقق خلال المؤتمر والتمويلات الجديدة التي تم الإعلان عنها يعد تقدماً كبيراً يمكن البناء عليه للتنفيذ وتحقيق تقدمات أكبر في المراحل المقبلة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أهمية الالتزام بتلك المساهمات وزيادتها بما يتناسب مع حجم الانبعاثات المسؤولة عنها كل دولة من البلدان الصناعية الكبرى، للتماشي مع المتطلبات الخاصة بالاستثمارات المناخية.
ويصف مؤتمر الأطراف المنعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة بأنه “يقدم أفضل الحلول حالياً في مواجهة التغير المناخي”، في ظل تسارع وتيرة التغيرات المناخية، وبما لها من تداعيات على مختلف القطاعات، لا سيما القطاع الزراعي حول العالم.
شهد المؤتمر الموافقة على التعهد العالمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة من قبل 123 دولة.
كما حصل بيان الإمارات العربية المتحدة بشأن الزراعة والغذاء والمناخ COP28 على موافقة 140 دولة.
وتمت الموافقة على إعلان الإمارات العربية المتحدة بشأن المناخ والصحة (COP28) من قبل 132 دولة. علاوة على ذلك تمت الموافقة على إعلان الإمارات العربية المتحدة بشأن تغير المناخ والتعافي والسلام من قبل 75 دولة و40 منظمة.
كذلك تمت الموافقة على إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن تمويل المناخ (COP28) من قبل 13 دولة. بينما تعهد تحالف (الشراكات متعددة المستويات عالية الطموح) وتلقى دعماً من جانب 64 دولة.
وتمت الموافقة على ميثاق إزالة الكربون من قطاع النفط والغاز من قبل 52 شركة، والتي تمثل 40 بالمئة من إنتاج النفط العالمي.
كذلك تم اعتماد مسرع الانتقال الصناعي من قبل 35 شركة و6 اتحادات صناعية، بما في ذلك الرابطة العالمية للصلب، والمعهد الدولي للألمنيوم، والتحالف العالمي للطاقة المتجددة، والرابطة العالمية للأسمنت والخرسانة، ومبادرة النفط والغاز للمناخ، والاتحاد الدولي للنقل الجوي.
الالتزام بالتعهدات
من جانبه، يؤكد الخبير في الشأن المناخي، حمدي حشاد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن هناك تكاملًا كبيرًا بين كوب 28 وقمة شرم الشيخ السابقة لتحقيق الأهداف المرجوة بشأن مواجهة التغيرات المناخية.
وينوه إلى أن ما يعطل تقديم التعهدات المالية كاملة، هو عدم وفاء الدول وبخاصة ذات الاقتصاديات الكبرى، بشأن تعهداتها وإلتزاماتها تجاه تغيرات المناخ، لتبقى مجرد تعهدات قولية لا ترتقي إلى مستوى أفعال قادرة على تغيير الواقع المناخي الذي يعيشه العالم.
وبالتالي فإن ثمة آمالاً واسعة في تنفيذ تلك التعهدات بشكل واضح، والعمل على زيادة حجم المساهمات المقدمة، على اعتبار أن آثار تغير المناخ لا تستثني أحداً، وتضرب مختلف دول العالم.
ويشير الخبير في الشأن المناخي إلى أن العام 2023 كان بالغ الصعوبة على شعوب العالم بوقوع كوارث طبيعية، إضافة إلى الارتفاع الكبير في درجات الحرارة والتي كانت تاريخية لم تحقق منذ زمن بعيد، وبالتالي على العالم انقاذ ما يمكن انقاذه ويكون أكثر جدية بشأن تعهداته.
ويؤكد في هذا السياق أن القيادة الاماراتية لمؤتمر المناخ تحاول إنجاح مخرجات كوب 28 -من خلال المبادرات التي تم الإعلان عنها منذ اليوم الأول- لتحفيز الاستثمارات في الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك جزء من التمويل الميسر أقل من سعر السوق لمساعدة البلدان النامية على تعزيز الاستثمارات في العمل المناخي، لافتًا إلى أن البلدان النامية ستحتاج إلى 2.4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030 من مجموعة من الحكومات والقطاع الخاص.