باريس – (أ ف ب)
تواجه أوكرانيا، التي لم يسفر هجومها المضاد ضدّ الروس عن النتائج المتوقّعة، رياحاً معاكسة في مواجهة الشكوك التي باتت تحيط بالمساعدات الأمريكية ووحدة أوروبية هشّة مع اقتراب انعقاد المجلس الأوروبي الأسبوع المقبل.
وكمثال على هذا الوضع المحيّر، كان من المقرّر أن يتحدّث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الإنترنت الثلاثاء، أمام الكونغرس الأمريكي، بهدف الحصول على حزمة مساعدات مالية جديدة تعتبر حاسمة بالنسبة لبلاده. غير أنّه تمّ إلغاء هذا الخطاب في اللحظة الأخيرة من دون الإشارة إلى السبب.
ويأتي ذلك، فيما يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس، في الإليزيه رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان، الذي يبدو أنه يريد عرقلة دعم كييف.
دعم ب 50 مليار يورو
وطالب أوربان بتأجيل قرارين أساسيين بالنسبة إلى كييف سيخضعان للتصويت من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويتعلّق أحد هذين القرارين بدعم مالي بقيمة 50 مليار يورو، بينما يتعلّق القرار الآخر ببدء المفاوضات بشأن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وقد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ في يونيو/حزيران، إلى حدّ كبير في استعادة الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في الشرق والجنوب، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن استمرار المساعدات الغربية الضخمة.
ورغم أنّه تمّ تسجيل مكاسب في البحر الأسود، حيث تمكّنت كييف من تصدير عدّة أطنان من المنتجات الزراعية، إلّا أنّ الوضع العسكري على الجبهة البرية، يبدو الآن مجمّداً، في ظلّ عدم وجود حلّ تكتيكي حقيقي في الأفق على المدى القصير. ومع ذلك، تؤكد كييف أنّها قادرة على تحقيق مكاسب إذا استمرّت المساعدات العسكرية الغربية.
التعامل مع زيلينسكي
قال مسؤول عسكري أوروبي في حلف شمال الأطلسي لوكالة فرانس برس، «حتّى مع هذا الضخّ من قبل الغرب، فإنّ أوكرانيا تفتقر إلى الرجال، وهي مشكلة لا تعانيها روسيا»، مشيراً إلى أنّه «في دورات التدريب (التي يقدّمها الناتو للجنود الأوكرانيين)، يتقدّم الأشخاص الأكبر سنّاً والأقل خبرة الآن».
وأضاف المصدر ذاته «يجب الآن التعامل مع زيلينسكي، وجعله يتراجع عن موقفه المتشدّد إلى حدّ ما. لا أحد يقول ذلك رسمياً، لكنني أعتقد أنّ هذا لا يزال جزءاً ممّا يتمّ إعداده».
في المقابل، حاول مصدر دبلوماسي فرنسي التخفيف من أهمية هذه التصريحات، مشيراً إلى أنّ أوكرانيا لديها حالياً «معدّل تعبئة منخفض للغاية»، لافتاً إلى أنّه على الجانب الروسي «تمّ التلاعب بالإحصائيات».
فضلاً عن ذلك، من المؤكّد أنّ معنويات الأوكرانيين تراجعت بعدما سئموا من هذه الحرب، رغم أنّ خطاب الجنود في الميدان لم يتغيّر.
سابقة خطيرة
من جهتها، اعتبرت تاتيانا كاستونيفا جان الخبيرة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أنّه على الرغم من أنّ الحرب مكلفة للغاية، إلّا أنّ «الأوروبيين لن يتركوا أوكرانيا تسقط أبداً، لأنّهم يدركون أنّه إذا سيطر (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين على أوكرانيا، فإنّها ستكون سابقة خطيرة للغاية» في ظل ما تحمله من مخاطر على دول البلطيق وبولندا.
وفي هذا السياق، أشار المصدر الدبلوماسي الفرنسي إلى أنّ كلّ الأسباب التي أدّت إلى دعم أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، لا تزال قائمة.
وقال هذا المصدر لعدد من الصحفيين إنّ «دعم أوكرانيا مسألة أمنية بالنسبة لأوروبا ولفرنسا»، مضيفاً أنّه من الضروري أيضاً «استبعاد فكرة أنّ هناك أزمة تلغي أخرى»، في إشارة إلى المخاوف الأوكرانية من أنّ الحرب بين إسرائيل وحماس ستصرف اهتمام الأوروبيين بالنزاع في أوكرانيا.
فترة خطر
وفقاً لهذا المصدر، من الطبيعي أن تكون هناك تساؤلات بعد نحو عامين على بدء هذه الحرب. وقال: «يدرك الجميع أنّنا في فترة خطر، لكنني لا أرى (مؤشرات إلى) انهزامية لدى بروكسل أو لدى حلف شمال الأطلسي».
مع ذلك، بالنسبة إلى تاتيانا كاستويفا جان، هناك حاجة ملحّة، لأن يقوم الأوروبيون بإسكات الأصوات المتنافرة، مثل تلك الصادرة عن المجر «في وقت تسير فيه الأمور باتجاه ترسيخ الوضع الراهن» على المستوى العسكري، وقد يستمر ذلك حتى الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
خلافات داخل النخب
يأتي ذلك، فيما بدأت تظهر مؤشرات على المستوى الداخلي في أوكرانيا، حيث «أُفيد عن خلافات داخل النخب»، وفقاً لكاستويفا جان، التي تشير خصوصاً إلى تدهور العلاقات بين زيلينسكي والقائد الأعلى للقوات المسلّحة فاليري زالوجني.
وتساءلت «هل هذه نهاية الاتحاد المقدّس وراء زيلينسكي، أم أنها مجرّد مرحلة مرتبطة بالتحدّي القائم على الجبهة؟».
وفي هذا السياق، يسعى الدبلوماسيون الفرنسيون إلى إقناع شركائهم الأوروبيين والحلف الأطلسي بأنّه من الضروري أيضاً مواصلة الدعم لأوكرانيا من أجل إرسال إشارة إلى الرئيس الروسي ب«عدم الاعتماد على استنفاد دعم» كييف.
ولكن للقيام بذلك، يتعيّن على الأوروبيين أيضاً تسريع وتيرة زيادة معدّلات صناعاتهم الدفاعية وقابلية التشغيل البيني للمعدّات.