تغير المناخ والسلام العالمي مساران متلازمان، وتعد الحروب والاستهلاك العسكري مساهماً مهماً في تفاقم تداعيات التغيّر المناخ.
وذكر تقرير نشرته منظمة علماء للمسؤولية العالمية -Scientists Global responsibilities SGR- بالتعاون مع المرصد المناخي والبيئي -CEOBS- بالتزامن مع كوب 27 إلى أن الانبعاثات التي تسببها العمليات العسكرية تتراوح ما بين 300 و600 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، أي نحو 0.6 إلى 1.2 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية.
فيما تسجل البصمة الكربونية للقطاع العسكري ككل ما بين 1600 و3500 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، أي ما بين 3.3 و7 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية.
وكان مؤتمر كوب 28 قد أطلق مبادرة إعلان المناخ والإغاثة والتعافي والسلام الذي انضمت له نحو 70 دولة و39 مؤسسة، ويمثل هذا الإعلان التزاماً جماعياً بتكثيف الاستثمارات وتعزيز المرونة المناخية في الدول والمجتمعات الأكثر عُرضة للصراعات والنزاعات المسلحة.
فجوة في إبلاغ الانبعاثات العسكرية
أقر تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وللمرة الأولى، بوجود فجوة في الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية، ليسلط الضوء على النقص الخطير في الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية التي قد تشكل إخفاقاً في العمل المناخي العالمي.
وتُلزم اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بعض الدول بالإبلاغ عن انبعاثات غازات الدفيئة لديها كل عام، لكن الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية يبقى أمراً طوعياً، لذلك فإن البيانات غالباً ما تكون غائبة أو غير كاملة، ما يسبب فجوة كبيرة في تقديرها.
وكانت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، قد فندت في اتفاقية حماية المناخ من الصراعات المسلحة PERAC نحو 27 مبدأ يتعين على الجيوش التقيد به في سلوكياتها البيئية.
حرب أوكرانيا
أشار تقرير المرصد المناخي والبيئي للعام الماضي، إلى ميول البلدان التي ترفع تقاريرها إلى تقديم بيانات استخدام الوقود العسكري المتنقلة فقط، والتي اعتبر أنها ليست قريبة من النطاق الكامل للانبعاثات العسكرية.
ومن بين هذه البلدان، كندا وألمانيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وهولندا، وأبلغت البرتغال وسلوفاكيا وسلوفينيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن زيادة في الانبعاثات العسكرية.
وأشار إلى حالة من الإحباط تعانيه عمليات الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية، مؤكداً الحاجة القصوى لإعداد تقارير موحدة وقوية وشفافة عبر الدول.
ووفق جلسة خاصة حول «الأضرار المناخية الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا والفجوة المعرفية بشأن الصراع وانبعاثات الأعمال العسكرية» في كوب 28، فقد طور الباحثون تقديراتهم الخاصة لتأثير الحرب على المناخ في أوكرانيا.
وقدّر التقرير حجم أضرار المناخ الذي تكبدته أوكرانيا بـ56.7 مليار يورو، مشيراً إلى أن كمية الانبعاثات التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا في سنته الأولى فقط يوازي حجم الانبعاثات التي تسببها بلجيكا لعام كامل، ويصل إلى نحو 150 مليون طن من مكافئات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة.
وفي عام 2021، أعلن الناتو أنه يعمل على تطوير منهجية لمساعدة أعضائه على الإبلاغ عن انبعاثات الغازات الدفيئة الخاصة بهم دون الإفصاح عن المعايير المتبعة في هذا السياق، وفق ما نقله المرصد المناخي والبيئي.
جرائم إنسانية وبيئية
ألقت إسرائيل أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
وأدى ذلك إلى دمار شبه كامل للمساحات الزراعية ومرافق المياه وإلحاق أضرار بالمياه الجوفية، وقدر معهد الدراسات التطبيقية في القدس (أريج) أن نحو 45 في المئة من المياه الجوفية والسطحية و97 في المئة من مياه الآبار الجوفية أصبحت ملوثة.
وأفاد المعهد أن غزة تمتلك ثروة طبيعية من الكائنات الحية والنباتات البرية أصبحت اليوم عرضة للتهديد؛ نحو 200 نوع من الطيور و20 نوعاً من النباتات و25 نوعاً من الزواحف و200 نوع من الأسماك، ويحذر الخبراء من أن الفسفور الأبيض -وهو مادة كيميائية محرمة بموجب القانون الدولي وتقول جماعة حقوق الإنسان إنها تستخدم في العمليات الإسرائيلية- يمكن أن يكون ضاراً أيضاً بالبيئة، بما في ذلك الهواء والتربة.
وقالت عضوة الوفد الفلسطيني في مؤتمر كوب 28 وخبيرة المناخ، هديل خميس، لوكالة فرانس برس «خطط مكافحة تغير المناخ وُضعت بناء على ما كان موجوداً على الأرض»، لكن منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول «لم يتبقَ أي شيء» في قطاع غزة.
وأضافت «هُدمت البنية التحتية من محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة المياه العادمة ومحطات حصاد مائي وآبار».
وأكد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في كلمته في «قمة القادة» خلال كوب 28، أن استخدام الفوسفور الأبيض أدى إلى إلحاق «أضرار لا يمكن إصلاحها بأكثر من خمسة ملايين متر مربع من الغابات والأراضي الزراعية وآلاف أشجار الزيتون».
وأمام هذه الكوارث البيئية التي تنتجها الحروب سواء في غزة ولبنان أو سوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان وأوكرانيا، التي يستغرق التعافي منها سنوات من المعالجة، يبقى التساؤل مشروعاً حول قدرة مؤتمرات المناخ على تحقيق العدالة المناخية والسلام.
يذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش دعا منذ يومين مجلس الأمن الدولي في رسالة رسمية «بوقف إنساني فوري لإطلاق النار» مستنداً إلى الحقوق المنوطة له بموجب المادة 99 من ميثاق المنظمة، وتبنت الإمارات العربية المتحدة الأمر وقدمت مشروع القرار يدعو إلى «وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية»، وكذلك «الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن» و«ضمان وصول المساعدات الإنسانية».
ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي من اعتماد مشروع القرار في جلسته أمس الجمعة بسبب استخدام الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) بشأن المشروع الذي أيده 13 عضواً -من أعضاء المجلس الخمس عشرة- مع امتناع المملكة المتحدة عن التصويت.