كتب- بنيمين زرزور:
التطور المستجد في العلاقة بين أذربيجان وأرمينيا بالاتفاق حول السلام، له دلالاته الواضحة على دور القوى الكبرى في تسخين بؤر النزاعات المزمنة على الخارطة العالمية، أو تبريدها، تبعاً لما تقتضيه استراتيجيات تلك القوى، بغضّ النظر عن مصالح أطراف النزاع.
صدر بيان مشترك عن كل من أرمينيا وأذربيجان مساء 7 ديسمبر/ كانون الأول، حول اتفاق للسلام بينهما، هو الأول من نوعه الذي لم يحمل توقيع أي وسيط. وبحسب البيان، فإن أرمينيا وأذربيجان «تتفقان على أن هناك فرصة تاريخية لتحقيق السلام الذي طال انتظاره في المنطقة».
وجاء في البيان أن «البلدين يؤكدان مجدداً، عزمهما على تطبيع العلاقات والتوصل إلى معاهدة السلام على أساس احترام مبادئ السيادة، ووحدة الأراضي».
ومعلوم أن الصراع حول وضع ناغورنو كاراباخ بلغ حد الصدام، على فترات، طوال قرن كامل تقريباً، ولكنه أصبح أكثر فتكاً في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، عندما عادت أرمينيا وأذربيجان إلى الظهور كدولتين مستقلتين. وأدت المطالبات الإقليمية، والتوترات العرقية، إلى اندلاع حرب في الإقليم في أوائل التسعينات، حيث صمدت هدنة غير مستقرة لمدة ربع قرن حتى عام 2020، عندما أدى الهجوم الأذربيجاني المعروف باسم حرب ناغورنو كاراباخ الثانية إلى قلب الوضع الراهن في المنطقة رأساً على عقب. فقد تمكنت أذربيجان من هزيمة القوات الأرمنية، واستعادت معظم الأراضي التي فقدتها في التسعينات. وانتهى القتال بعد أن توسطت روسيا في اتفاق لوقف إطلاق النار، وأرسلت قوات حفظ السلام إلى ناغورنو كاراباخ، التي ظلت موطناً لنحو 120 ألف شخص من العرق الأرمني.
وكانت عملية السلام دخلت في نفق مظلم، خاصة منذ استيلاء باكو بالكامل في سبتمبر/ أيلول، على ناغورنو كاراباخ.
نحو السلام
بعد ذلك، بدا الأمر كأنه لم تعد هناك عوائق أمام التوصل إلى معاهدة سلام بين البلدين، حيث شرعت الحكومة الأرمنية الفعلية في الإقليم في حل نفسها، وقبول أرمينيا الإقليم كجزء من أذربيجان. ومع ذلك، لا يزال الجانبان محتفظين بخلافاتهما، حيث ترفض أذربيجان باستمرار محادثات السلام بسبب استيائها من وساطة الدول الغربية.
وترى أرمينيا أن الاتفاق إنجاز رائع في المدى القصير، حيث يعود السجناء الأرمن أخيراً إلى ديارهم. لكنه لا يحول دون استمرار بعض التهديدات على المدى الطويل.
وتعول يريفان على المنصات الغربية في التفاوض بدعم كل من بروكسل وواشنطن، بينما تعارض باكو تلك المنصات. وبالنسبة إلى طرف يتمتع بقدرة دفاعية أقل، فمن المستحسن تجنيد قوات إضافية في عملية التفاوض -كوسطاء، أو ضامنين.
وتعتقد أرمينيا أن الخيار الأسوأ هو موسكو. لذا فإن المفاوضات المباشرة مع أذربيجان، وحتى مع أذربيجان وتركيا، هي خيار تفضله وتسعى إليه مقارنة مع البرنامج الروسي.
ويعتقد هاكوب باداليان، المحلل المختص في الشأن الأرمني، أن الإجابة عن سؤال حول مكاسب يريفان من الموافقة على التوقيع على هذا البيان، سوف تحمل ملامح مسار الأحداث المستقبلية. وتهدف هذه الخطوة إلى منع روسيا من التدخل في الانتخابات الأذربيجانية، حيث سيكون الروس منشغلين بانتخاباتهم.
كما تريد القيادة العسكرية والسياسية في أذربيجان ضمان إغلاق ملف المحادثات حول ناغورنو كاراباخ، بعد أن أصبحت العلاقات الدولية مرنة ،وأكثر ملاءمة، ويمكن تغيير أي وثيقة في حال توفر لها توازن قوى يدعمها. وفي الوقت الحالي لا يوجد مثل هذا التوازن. وبينما تستغل أذربيجان هذا الوضع حالياً، لا يمكن التأكد من عدم استعادة هذا التوازن، أو عدم تغييره لمصلحة أرمينيا، غداً.
ومنذ حرب كاراباخ الثانية في عام 2020، سارت محادثات السلام بين أرمينيا وأذربيجان على مسارين منفصلين، أحدهما بوساطة روسيا، والآخر بوساطة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتم التوصل إلى الاتفاق الأخير خلال المحادثات بين مكتب رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان، وإدارة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، مع التخطيط لمزيد من «إجراءات بناء الثقة»، بهدف «تطبيع العلاقات وتوقيع اتفاق سلام».
ويشتبه بعض المحللين، في كل من أرمينيا وأذربيجان، في وجود بعض الوساطات من وراء الكواليس، خاصة أن البيان صدر بعد يوم من لقاء مساعد وزير الخارجية الأمريكي، جيمس أوبراين، بعلييف في باكو.
وقالت وزارة الخارجية الأرمينية إن يريفان «تجاوبت بشكل إيجابي مع عرض وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، لتنظيم اجتماع وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان في واشنطن».
وكتب المحلل السياسي المقيم في باكو، شاهين جعفرلي، على فيسبوك: «ليس هناك شك في أن هذا الاتفاق وقرار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في أذربيجان مرتبطان بزيارة الوفد الأمريكي».
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أفادت وزارة الخارجية الأرمينية بأنها أرسلت أحدث مقترحاتها بشأن اتفاق سلام إلى الجانب الأذربيجاني.
وفي 6 ديسمبر/ كانون الأول، أكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، أثناء حديثه في منتدى في باكو، استلام الرسالة، وقال إن حكومته سترد قريباً، لكنه اشتكى أيضاً من تأخير أرمني في الاتصالات.
وقد رحب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا بالاتفاق، الذي اعتبره المراقبون تاريخياً، وواعداً. ووصف رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، هذا التطور بأنه «إنجاز كبير». وكتب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: «نرحب بشكل خاص بالإفراج عن المعتقلين والانفتاح غير المسبوق في الحوار السياسي».
وفي حال صمود الاتفاق وتطور الاتصالات بين الجانبين مع استمرار الرعاية الدولية، فمن المرجح أن تشهد المنطقة هدوءاً على المدى البعيد، كلا الطرفين في حاجة ماسة إليه.