كتب – بنيمين زرزور:
أصبحت أخبار تغيير الحكومات ورؤسائها في بريطانيا حديث الناس منذ رحيل موريس جونسون زعيم حزب المحافظين الأسبق، وسط تعدد الأزمات بدءاً من الفشل الذي ترتّب على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مروراً بتفشي كورونا وما أسفر عنه من اتهامات بالتقصير وتجاوز القانون، بينما لا تزال قضايا مستجدة وعلى رأسها أزمة ترحيل المهاجرين، تهدد الحزب نفسه مثلما تهدد زعيمه رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك.
يعمل رئيس الوزراء البريطاني على تغيير قوانين الهجرة العالمية بالتعاون مع دول الجوار، حيث أكد في زيارته الأخيرة إلى إيطاليا التي تتناغم سياسة الهجرة فيها مع موقفه، أن القارة الأوروبية ستصبح عاجزة عن استيعاب المهاجرين.
ويواجه الرجل ثلاث قضايا في آن واحد تتعلق الأولى باتهامه بالتقصير والإهمال إبان تفشي الوباء، ثم التصويت على قانون ترحيل المهاجرين إلى رواندا، وبالتالي التصدي لمؤامرات داخل الحزب قد تطيح به. وتعكس الأحداث الأخيرة انهيار المؤسسة المركزية التي يرتكز عليها الدستور البريطاني وهي تماسك الأغلبية البرلمانية المستقرة.
فقد نجا سوناك للتو من أخطر لحظة في رئاسته للوزراء. وهذا لا يعني أن أعداءه من حزب المحافظين قد رفعوا الرايات البيضاء. وقد حصل على مهلة لمدة 11 ساعة، عندما اختار متمردو حزب المحافظين، الذين هددوا بالتصويت على قوانين الهجرة الرئيسية، التريث، ما سمح لمشروع القانون باجتياز أول عقبة أمام مجلس العموم.
أزمة المهاجرين
ويوجد في بريطانيا عدد أقل نسبياً من السكان المهاجرين مقارنة بألمانيا وإسبانيا ومعظم أوروبا. فالهجرة ليست القضية الانتخابية الأكبر، بل هي قضية كبيرة فقط على يمين المحافظين. أما الذي يعتبر فضيحة فهو ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين في بريطانيا. ولكن هذا خطأ الحكومة التنفيذية، وليس خطأ القانون الوطني أو الدولي.
ومن الواضح أن بريطانيا تحتاج إلى المهاجرين، الذين يمثلون فائدة صافية للاقتصاد. وفي حين يجب على سوناك أن يفعل ما في وسعه للتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين قبل وصولهم، فإن رقم صافي الهجرة المرتفع حالياً قد أنقذ قطاع الرعاية والخدمات الصحية الوطنية والزراعة وبناء المنازل من الكارثة.
أما بالنسبة لمستقبل سوناك كرئيس للوزراء، فقد عانت بريطانيا على مدى السنوات الخمس الماضية، مغازلة حزب المحافظين لشعبوية جونسون. كان الحزب ذات يوم عبارة عن حزب من المهنيين من الطبقة المتوسطة، الذين يجمعهم الولاء والكفاءة وليس الأيديولوجية.
عندما أصبح زعيماً في عام 2022، كان سوناك بلا بوصلة. فبعد ما يقرب من 14 عاماً من وجود حزبه في الحكومة، كان أفضل تطلعاته هو التعافي الاقتصادي الحذر. والآن هو غارق في الفوضى، وإذا خسر التصويت على مشروع قانون رواندا حالياً، أو حتى العام المقبل، فيجب عليه أن يخرج نفسه والبلاد من البؤس، ويدعو إلى إجراء انتخابات فورية.
صحيح أن سوناك نجح في التغلب على تمرد حزب المحافظين بشأن مشروع قانون رواندا الرئيسي، لكنه لا يزال يواجه معركة تمريره عبر البرلمان. وقد اجتاز التشريع بسهولة أول عقبة في مجلس العموم بأغلبية 44 صوتاً، ولكن سيكون هناك المزيد من الأصوات في العام الجديد.
ولم يصوت أي من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين ضد القرار، لكن بعض النقاد من يمين الحزب تمردوا بالامتناع عن التصويت.
وفي حال تشديد بنود القانون لإرضاء هؤلاء، قد يخاطر سوناك بخسارة دعم نواب المحافظين الأكثر وسطية، الذين حذروا من أنهم سيعارضون أي تغييرات مستقبلية من شأنها أن تنتهك القانون الدولي.
وتقول الحكومة إن المخطط يهدف إلى ردع المهاجرين عن عبور القناة في قوارب صغيرة، وهو أمر وضعه سوناك على رأس أولوياته الرئيسية.
وفي علامة على حجم التوتر في «داونينغ ستريت» بشأن احتمال التوصل إلى نتيجة متقاربة، عاد وزير المناخ غراهام ستيوارت، من مؤتمر المناخ «كوب 28» في دبي للمشاركة في التصويت.
تعديلات على مشروع القانون
قبل وقت قصير من التصويت، أعلنت خمس فصائل من أعضاء البرلمان -مجموعة الأبحاث الأوروبية، والمحافظين الجدد، ومجموعة المنطق السليم، ومجموعة النمو المحافظ، ومجموعة الأبحاث الشمالية، أنها لا تستطيع دعم مشروع القانون في شكله الحالي.
ويخطط هؤلاء لاقتراح تعديلات، حيث قالوا إن بإمكانهم التصويت ضد مشروع القانون عندما يعود إلى مجلس العموم في العام الجديد إذا لم يتم قبول التغييرات التي يريدونها.
وصوت حزب العمال ضد مشروع القانون، إلى جانب أحزاب معارضة أخرى، وقال الحزب إنه سيلغي خطة رواندا إذا فاز في الانتخابات المقبلة.
ويقول الحزب إن ملايين الجنيهات الممنوحة لرواندا كجزء من الصفقة سيكون من الأفضل إنفاقها على محاربة عصابات تهريب البشر.
ويُظهر النقاش مدى ضعف ريشي سوناك في ظل هذه الدراما النفسية التي يخوضها حزب المحافظين والتي تستمر حتى العام الجديد.
وقد وصف المحامون الخبراء الذين شاركوا في قضية رواندا – أو أيدوا تحدي هذه السياسة – التشريع الجديد بأنه من المحتمل أن يشعل معركة سياسية متفجرة مع كل من المحكمة العليا والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي جلسة المحكمة العليا الشهر الماضي، صوت خمسة قضاة بالإجماع بأن رواندا ليست آمنة، وأدرجوا الأدلة التفصيلية حول مدى العيوب العميقة التي يعانيها نظام اللجوء.
ويهدف العنصر الأساسي في الحزمة التي قدمتها الحكومة للتعامل مع هذا الجزء من الهزيمة من خلال مطالبة البرلمان بإعلان أن رواندا أصبحت آمنة «بشكل قاطع» وفي الوقت نفسه منع القضاة البريطانيين من القول إنها ليست كذلك.
وهذه خطوة للانطلاق قانونياً وسياسياً على المسرح العالمي. فمن ناحية، انضمت بريطانيا بحرية إلى هذه القوانين لأنها أرادت أن تكون قدوة عالمية يتبعها الآخرون. ومن ناحية أخرى، صممت الحكومة قانوناً يسمح لها بالانتقاء عندما تلتزم بمثل هذه القواعد العالمية، بينما تطالب رواندا بالالتزام به حرفياً. فهل يتوقف مصير سوناك على ترحيل اللاجئين إلى رواندا؟ هذا ما تجيب عنه الأيام المقبلة.