على مدار 12 شهراً متواصلاً، نجح الملياردير الأميركي إيلون ماسك خلال عام 2023، في المحافظة على اهتمام الصحافة العالمية لعملية استحواذه على منصة تويتر، قبل أن تتحول إلى إكس، فرغم أن رحلة شراء ماسك للمنصة، انتهت في 2022 بصفقة بلغت قيمتها 44 مليار دولار أميركي، إلا أن مختلف القرارت والخطوات الإدارية، التي كان يتخذها الأخير بشأن المنصة، كانت تحظى باهتمام عالمي قل نظيره.
ولعل أكثر إنجازات ماسك نجاحاً في 2023 تمثل بإجبار العالم على الاهتمام بأخبار منصته، التي عاشت عاماً مليئاً بالأحداث الدرامية، كان الأشد وطأة فيها على المستخدمين، إعلان وفاة العصفور الأزرق في شهر يوليو 2023 وولادة الهوية الجديدة المتمثلة بـ “إكس”.
ولم تتوقف الأحداث الدرامية المرتبطة بمنصة إيلون ماسك عند حدود تغيير هويتها، فجميع الأخبار المتعلقة بإكس خلال 2023 كانت أشبه بمسلسل درامي لا تنتهي فصوله، بدءاً من تخفيض عدد العاملين لديها بنسبة 75 بالمئة، مروراً بإجبار أصحاب الحسابات التي تمتلك علامات توثيق زرقاء على الدفع، مقابل استمرارهم بالاحتفاظ بالعلامة، وقيام غوغل بلاي وآب ستور (آبل)، بالتهديد بإزالة التطبيق من متجريهما، وصولاً إلى أزمة انتشار المعلومات المضللة، وانعكاس ذلك على مصداقية إكس.
ظهور قاتل تويتر
وفي خضم جميع هذه الأحداث، واجهت إكس (تويتر سابقاً) في أوائل شهر يوليو من عام 2023، تهديداً من نوع آخر، تمثل بظهور منافس جديد وشبيه لها هو تطبيق ثريدز الذي أطلقته شركة ميتا المالكة لمنصة فيسبوك، والذي وصف حينها “بقاتل تويتر”، ما دفع بإيلون ماسك إلى اتهام ميتا بالاختلاس المنظم والمتعمد وغير القانوني لأسرار إكس التجارية، إضافة إلى التعدي على حقوق الملكية الفكرية.
وازدادت حدة الأجواء الدرامية التي تلاحق منصة إكس خلال 2023 في ديسمبر الحالي، بعدما فتحت المفوضية الأوروبية، تحقيقاً رسمياً يستهدف المنصة، بتهمة ارتكابها انتهاكات مفترضة للقوانين الأوروبية المتعلقة بالإشراف على المحتوى، وذلك بسبب انتشار المعلومات الكاذبة والمحتوى العنيف والإرهابي على إكس، بعد أيام من بدء الأحداث بين حماس وإسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، في هذا الوقت ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن منصة إكس قد تخسر ما يصل إلى 75 مليون دولار من إيرادات الإعلانات بحلول نهاية العام الحالي، مع وقف العشرات من العلامات التجارية الكبرى حملاتها التسويقية على المنصة بسبب الخطاب التحريضي والمعادي للسامية المنتشر على المنصة، قبل أن يعلن إيلون ماسك عن عودة الكثير من المعلنين إلى المنصة.
ارتفاع أعداد المستخدمين
كان إيلون ماسك قد أعلن في شهر يوليو 2023 أن عدد المستخدمين الشهريين لمنصة إكس، سجل مستوى مرتفع جديد مع تخطيه حاجز الـ 540 مليون مستخدم، مقارنة بـ 531 مليون مستخدم في فترة سابقة، ولكن أعداد مستخدمي المنصة لا تزال محل جدل كبير بين مختلف شركات الأبحاث، مع عدم قدرة أي طرف على تحديد الرقم الدقيق لهؤلاء بسبب الكمية الكبيرة للحسابات الوهمية الموجودة على المنصة، وهو المبرر الذي حاول التذرع به ماسك خلال عام 2022 للتهرب من عملية إتمام صفقة شراء تويتر بـ 44 مليار دولار، من خلال القول إن إدارة تويتر السابقة أخفت عنه حقيقة هذا الأمر.
على طريق التحوّل إلى “كل شيء”
ووسط هذا الجو المليء بالأحداث المقلقة، لا يزال إيلون ماسك يصر على أن ما ينتظر منصة إكس في المستقبل أكبر بكثير من الدور الذي تتمتع به حالياً، فهو يهدف إلى تحويلها إلى منصة “كل شيء”، عبر جعلها أداة رقمية لا غنى عنها في حياة المستخدمين تقدم خدمات المراسلة، والتواصل الاجتماعي، وتسديد المدفوعات، والاشتراكات، وفواتير الخدمات، وطلبات توصيل الطعام، وحجز تذاكر الطائرات والقطارات، وطلب المواصلات، وأموراً أخرى كثيرة.
تويتر.. مات فعلياً
يقول المتخصص في التكنولوجيا، المهندس محمد النعمان في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن المنصات التقنية في العالم، تشهد في العادة تحولات عديدة، ولكن تحول تويتر الى إكس كان بارزاً، فهو لم يكن تحولاً لهوية المنصة وألوانها فقط، بل شكّل منعطفاً كبيراً لنموذج عمل المنصة، بما فيها خوارزميات الظهور والحرية المطلقة، للتعبير عن الآراء التي باتت توفرها للمستخدمين بشتى خلفياتهم العلمية والأكاديمية، وتباين مستوياتهم الفكرية، لافتاً إلى أن التغيير وصل إلى نظام التوثيق الشخصي والمؤسسي، الذي تعتمده المنصة وحتى تم تغيير طريقة توليد صناع المحتوى للأرباح، وهذا الذي يجعلنا نتيقن بوجود تغيير جذري في منصة إكس عن سابقتها تويتر، ما يعني أن تطبيق تويتر الذي نعرفه مات فعلياً.
التغيير الكبير يحتاج إلى سنوات
بحسب النعمان، فإن ماسك يحلم في تحويل منصة إكس إلى تطبيق “كل شيء”، الذي يوفّر مختلف الخدمات الرقمية، التي قد تخطر على بالنا مثل بوابات الدفع الإلكترونية، التواصل الصوتي والمرئي، مشاهدة الأخبار، متابعة الصحف اليومية، وحتى التجول في عالم الميتافيرس مستقبلاً، مشيراً إلى أنه رغم التحدي الكبير الذي سوف يواجه ماسك في عملية هذا التحول، فإن رهانات المؤثرين ورجال الأعمال، دائماً ما تصب في نصيب ماسك، بناءً على أعماله السابقة في سبيس إكس وتسلا وستارلينك وغيرها، ولذلك، ليس من المستبعد أن نشاهد منصة إكس تتحّول إلى تطبيق “كل شيء”، لكن ذلك لن يتم فوراً في 2024 بل قد يحتاج إلى بضعة أعوام كي يتم بالشكل الكامل.
الدراما.. هل ستتكرر في 2024؟
يرى النعمان أن منصة إكس ستشهد حتماً وبشكل متكرر، المزيد من الأحداث الدرامية خلال 2024 نظراً للتغييرات الكبيرة المتوقعة والمتعلقة خصيصاً، بحرية التعبير والأراء المفتوحة على مصراعيها والتي سوف تتسبب بالكثير من الضجة، والأراء المتباينة بالقضايا السياسية والاقتصادية وغيرها، مشدداً على أن ما يُحدثه ماسك مؤخراً في منصة إكس، أصبح أشبه بالثروة الرقمية في وسائل التواصل الاجتماعي التي غربلت المنصات الأخرى، وجعلتها تستيقظ لتغيير خوارزمياتها بالمثل، بعدما لاحظت أن إكس تحظى بتفاعل كبير من قبل المستخدمين.
عام مليء بالاشتباكات
من جهته، يقول مطور التطبيقات التكنولوجية، هشام الناطور، إن منصة إكس عاشت خلال 2023 إثني عشر شهراً مليئة بالاشتباكات مع المستخدمين، والمعلنين والسلطات القانونية وحتى الشركات المنافسة لها، وهذا الأمر هو انعكاس طبيعي لشخصية إيلون ماسك المثيرة للجدل بأفكارها وقراراتها، فهو لم يتردد بالطلب من المستخدمين مغادرة المنصة، إن لم يعجبهم قرار تحويل علامة التوثيق الزرقاء إلى علامة مدفوعة الثمن، ليقوم مؤخراً وخلال مقابلة تلفزيونية، بالتعرض بالسباب والشتم للشركات التي قررت التوقف عن الإعلان على المنصة، لافتاً إلى أن الأمر وصل بماسك خلال عام 2023، للتهديد بصنع هاتف بديل عن هواتف آيفون وأندرويد، في حال تمت إزالة تطبيق إكس من متجري غوغل بلاي وآب ستور.
لا أحد يعلم حقيقة الوضع المالي
شدد الناطور على أن ماسك ومنذ غزوته لتويتر في 2022، حدد مسار المشهد الذي يتنظر المنصة في السنوات المقبلة، والذي سيكون مليئاً بالخطوات الغريبة، والمثيرة للجدل وحتى غير المدروسة، وهذا ما دفعه للتراجع عن الكثير من القرارات، التي اتخذها خلال مسيرته في إدارة المنصة، تماماً مثلما حصل عندما عمد إلى حظر حسابات عدد من الصحفيين الذين انتقدوا تصرفاته، وهو ما قوبل بتهديد عالي اللهجة من الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن لا أحد يعلم فعلاً حقيقة الوضع المالي للمنصة، التي تحولت إلى شركة خاصة، فحتى الساعة ليس هناك أي إعلان رسمي دقيق وواضح، بشأن ما حققته إكس تحت إدارة ماسك.
مزيد من الخطوات الخارجة عن المألوف
دعا الناطور لترقب الدور الذي ستلعبه منصة إكس في الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال 2024، متوقعاً أن تكون المنصة نجمة هذه الانتخابات، خصوصاً أن ماسك يميل إلى دعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، صاحب المواقف المثيرة للجدل هو أيضاً، لذلك يمكن القول إن منصة إكس ينتظرها في 2024، مزيدٌ من الأحداث الدرامية والخطوات الخارجة عن المألوف، التي ستجعل اسم المنصة يتصدر العناوين الإخبارية العالمية للعام الثالث على التوالي.