شهدت سوق الأسهم اليابانية في 2023 عاماً تحوليا مثيراً للإعجاب، حيث تمكنت المؤشرات الرئيسية في بورصة طوكيو للأوراق المالية، من تحقيق ارتفاعات كبيرة هذا العام، مع وصول مؤشريْ توبكس ونيكي 225، إلى أعلى مستوياتهما منذ 33 عاماً، وارتفاعهما بأكثر من 24 بالمئة حتى الآن، متجاوزيْن معظم مؤشرات الأسهم في بقية آسيا.
ومع إسدال الستار على آخر جلسات العام 2023، صعد مؤشرا Nikkei225 و”توبكس” إلى 33371 نقطة و235 نقطة على التوالي، في نهاية تعاملات يوم 29 ديسمبر 2023، ومسجلين مكاسب سنوية بـ 28.24 بالمئة و25.09 بالمئة على الترتيب، وهي الأعلى منذ 2013.
وسجل المؤشر نيكي أفضل أداء في آسيا أيضا مدعوما بتراجع الين بنسبة سبعة بالمئة مقابل الدولار هذا العام.
وبعد عقود من اعتبارها واحدا من أكثر الأسهم المخيبة للآمال في العالم، عادت الأسهم اليابانية إلى التألق في 2023، مستفيدة من مجموعة من العوامل التي ساهمت في تغذية هذا الارتفاع، أبرزها أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا، والتراجع الحاد في قيمة الين، وانتعاش الاستثمار الأجنبي، بدعم من الإصلاحات التي أقرتها بورصة طوكيو، والتي تهدف إلى جعل الشركات أكثر ودية مع المساهمين.
الفائدة المنخفضة
لا يزال البنك المركزي الياباني يبحر عكس البنوك المركزية الكبرى، إذ بقي متمسكاً بسياستها النقدية فائقة التيسير وأسعار الفائدة السلبية، وقد قرر بإجماع الأعضاء خلال الاجتماع الأخير له في 2023، إبقاء أسعار الفائدة عند سالب 0.1 بالمئة، مع الالتزام بسياسة التحكم في منحنى العائد التي تحافظ على الحد الأعلى، لعائد سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات عند 1 بالمئة كمرجع.
واتباع اليابان لسياسة نقدية فضفاضة للغاية، عبر إبقاء معدلات الفائدة عند مستويات سلبية ومنخفضة جداً خلال عام 2023، عزز شهية المستثمرين تجاه الأسهم، ما يسمح لهم بتحقيق عوائد أعلى مقارنة بالعوائد التي يمكنهم تحقيقها من الفوائد في المصارف.
الين الرخيص
أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الأسهم اليابانية في 2023 كان الانخفاض الحاد في قيمة الين، حيث إنه ومنذ بداية عام 2023، وحتى تاريخ 27 ديسمبر، تراجع الين الياباني مقابل الدولار الأميركي، في المعاملات الفورية على مؤشر بلومبرغ بمقدار 5.63 نقطة مئوية، ليسجل هبوطاً سنوياً بنسبة 7.8 بالمئة، مسجلاً 142.35 ين لكل دولار حتى الآن.
ومع تراجع الين مقابل الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى، باتت الأسهم اليابانية أكثر جاذبية لحاملي العملات القوية، خصوصا بالنسبة للشركات اليابانية الضخمة، التي تصدّر بضائعها لعملاء يشترون بالدولار الأميركي، وهذا ما جعل الأسهم اليابانية رخيصة بالنسبة للدولار الأميركي وأكثر جاذبية من الاستحواذ على أصول أجنبية أكثر تكلفة.
الإصلاحات
لفترة طويلة، لم تحظَ الأسهم اليابانية بشعبية لدى المستثمرين الأجانب، بسبب القواعد البيروقراطية للشركات اليابانية المدرجة في البورصة، والحوكمة الغامضة لهذه الشركات، ولكن عام 2023 كان مختلفاً، حيث قاد المستثمرون الأجانب، ازدهار بورصة طوكيو بعد الإصلاحات التي تبنتها إدارة البورصة، والتي غيرت قواعد اللعبة في سوق الأسهم، فضلاً عن التأثير الإيجابي لخطوة إعلان “حكيم أوماها” الملياردير وارن بافيت، عن رفع حيازته لخمسة أنواع من الأسهم اليابانية، وهو ما اعتبر بمثابة “شهادة الثقة” على الاستثمار في اليابان.
ومنذ أبريل 2023، بدأ هيرومي ياماجي، رئيس مجموعة البورصة اليابانية (JPX)، التي تسيطر على بورصة طوكيو، في إحداث تغيير جذري، من خلال الدعوة إلى فضح قادة الشركات اليابانية بسبب تصرفاتهم، وقد حفزت إدارة البورصة الشركات المدرجة، على تعزيز التقييمات والأرباح، مع التهديد بشطب هذه الشركات، إذا لم تتمكن من إظهار أنها تستخدم رؤوس أموالها بكفاءة.
وقد أغرى هذا النظام الذي سيتم تطبيقه ابتداءً من 15 يناير 2024، المستثمرين الأجانب، واعتبروه مؤشراً على تحسن الإدارة، ما ساهم في إعادة استثمار أموالهم في اليابان.
الأجانب مهتمون بالأسهم اليابانية
وقال ماساشي أكوتسو، كبير استراتيجيي الأسهم في بنك أوف أميركا للأوراق المالية في طوكيو، إن المستثمرين خارج آسيا، مثل المستثمرين في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، مهتمون بالأسهم اليابانية، وإذا كانوا مقتنعين حقاً بأن اليابان سوف تتحسن، فسوف يرفعون تصنيفاتهم، وبعد ذلك سوف تتماشى الأموال مع الأساسيات، بحسب وكالة بلومبرغ.
كما أبدى المستثمرون الأجانب ترحيبهم بمسعى اليابان لزيادة نسبة غير اليابانيين، في مجالس إدارات الشركات، حيث أظهر استطلاع أجرته شركة Egon Zehnder survey مؤخراً على 127 شركة يابانية، تبلغ قيمتها السوقية مجتمعة 8 مليارات يورو، أن نسبة المديرين غير اليابانيين في مجالس إدارة هذه الشركات، ارتفعت إلى 8 بالمئة، من 6.4 بالمئة في عام 2020.
أشباه الموصلات أول الفائزين
ومن بين 225 سهما مدرجة على المؤشر نيكي، حقق كوب ستيل أفضل أداء للعام بعد أن زاد السهم بنحو ثلاثة أمثال وأصبح قطاع شركات الصلب صاحب أفضل أداء بين القطاعات الفرعية في بورصة طوكيو وعددها 33.
وبحسب بيانات بورصة طوكيو، فإن صناعة أشباه الموصلات، كانت من القطاعات المتألقة في بورصة طوكيو، خلال 2023، فمثلاً ارتفعت أسهم شركة Screen Holdings Co لأشباه الموصلات بنسبة 172 بالمئة هذا العام، مما جعل سهمها واحداً من أفضل الأسهم أداءً على مؤشر Nikkei225، في حين ارتفعت أسهم شركتيْ “ادفانتست” Advantest Corp و”رينيساس للإلكترونيات” Renesas Electronics Corp لأشباه الموصلات بأكثر من الضعف.
وكان مورّدو معدات أشباه الموصلات في اليابان، موضع تركيز هذا العام، مع إعلان شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات TSMC، أنها تدرس بناء مصنع ثالث في البلاد، خصوصاً أن الحكومة تسعى إلى استخدام ميزانية إضافية، لدعم البنية التحتية لصناعة الرقائق في البلاد.
أفضل عام لتويوتا
كما كان قطاع السيارات ضمن قائمة أفضل القطاعات أداءً في بورصة طوكيو خلال 2023، حيث ساعد انخفاض قيمة الين، المصدرين، على تحقيق أرباح قياسية، فمن المتوقع أن يحقق مؤشر توبكس الذي يضم أسهم شركات السيارات، مكاسب بنسبة 36 بالمئة منذ بداية العام، في حين تسير أسهم شركة “تويوتا” Toyota Motor بخطى ثابتة، لتحقيق أفضل عام لها منذ عام 2013 بمكاسب قدرها 40 بالمئة.
تأثير “حكيم أوماها”
ارتفعت أسهم شركات ميتسوبيشي كورب، ميتسوي وشركاه، سوميتومو كورب، ماروبيني كورب وإيتوتشو كورب، مجتمعة بنسبة 35 بالمئة على الأقل، منذ أن أعلن “حكيم أوماها” الملياردير وارن بافيت في أبريل 2023، أنه رفع حيازته من أسهم هذه الشركات، وسط الحديث عن تطلعه لحيازة المزيد من الأسهم اليابانية.
أكبر الخاسرين
كان قطاع الأدوية والمستحضرات الصيدلانية، من أكبر الخاسرين في بورصة طوكيو، وسجل سهم شركة “سوميتومو فارما” أسوأ أداء للعام وهوى بنسبة 53.3 بالمئة، كما خسرت أسهم شركة “إيساي” Eisai أيضاً 20 بالمئة من قيمتها هذا العام، بعد أن فشلت تجربة دواء “كيترودا” Keytruda لعلاج نوع من السرطان.
وتراجع مؤشر قطاع الأدوية 1.09 بالمئة ليكون القطاع الوحيد المتراجع ضمن المؤشرات الفرعية.
الأموال الرخيصة دائماً ما تتجه إلى الأسهم
من جانبه، يقول وضاح الطه وهو عضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI البريطاني في الإمارات، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه كقاعدة عامة عندما تكون الأموال رخيصة فإنها تتجه إلى سوق الأسهم، فبنك اليابان المركزي من البنوك القليلة في الاقتصادات المتقدمة، التي لم تحذو حذو المركزي الأوروبي والفيدرالي الأميركي برفع مستويات الفائدة، ودائماً ما توفّر السياسة المتساهلة سيولة عالية، وبالتالي تدخل هذه السيولة الأسواق، وتحاول تعويض انخفاض قيمة الين، من خلال زيادة الأرباح بالاستثمار في الأسهم.
وبحسب الطه، فإن المركزي الياباني ليس في عجلة من أمره لرفع الفوائد على الإطلاق، لافتاً إلى أن اليابان تشهد عمليات إقراض كبيرة، للأموال التي تدخل إلى سوق الأسهم، وهذا ما يؤدي إلى ضغوط على الشركات خصوصاً الرئيسية.
ارتفاع مثير ومفاجئ
بدوره، يقول علي حمودي وهو الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في ATA Global Horizons، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن سوق الأسهم اليابانية شهدت بالفعل ارتفاعاً مثيراً للإعجاب هذا العام، حيث كان الأداء مفاجئاً، لأنه منذ أوائل 2023 لم يكن لدى قطاع الشركات في البلاد، أي أخبار إيجابية، فيما يتعلق بالابتكارات، التي من شأنها تعزيز القدرة التنافسية الدولية للمنتجات اليابانية، وبما أن بنك اليابان لم يرفع أسعار الفائدة إلا بالكاد، فقد ظلت ظروف التمويل محايدة، مما سمح للشركات بتأجيل إعادة الهيكلة، وعلى هذا النحو، أعتقد أن الأداء الجيد للأسهم اليابانية، يبدو مدعوماً بأسعار الفائدة الحقيقية المنخفضة تاريخياً في اليابان.
وبحسب حمودي فإن أحد الأسباب الأخرى للأداء الجيد للأسهم اليابانية، قد يكون مدفوعاً بتدخل حكومة اليابان، فعلاوة على الإعانات المباشرة وغير المباشرة، قام بنك اليابان في الماضي، بشراء كميات كبيرة من الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs)، هذا إضافة إلى العنصر الرئيسي، المتمثل في انخفاض قيمة الين، ما أدى إلى تعزيز إيرادات الشركات اليابانية، الموجهة نحو التصدير، وفي الوقت نفسه، أدى انخفاض قيمة العملة، إلى جعل الاستحواذ على الأصول الأجنبية أكثر تكلفة، كما جعل إعادة شراء الأسهم اليابانية، أكثر جاذبية.