(رويترز)
تبدو أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار، من الحرب في القطاع بعيدة المنال في عام 2024، وقد يؤدي استمرار القتال إلى تعريض الأراضي الفلسطينية لمزيد من الدمار واستمرار التوغل الإسرائيلي لأجل غير مسمى، كما أنه لا يوجد ما يشير الآن إلى أن الحرب ستؤدي إلى إحياء خطوات السلام المتوقفة وتحقيق حل الدولتين كما تأمل واشنطن، فلا أفق لتحقيق ذلك، وفقاً لرويترز.
مبادلة المحتجزين بآلاف السجناء
ويسعى نتنياهو إلى القضاء على حماس، بسبب هجومها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهو اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، ويبدو أنه على استعداد لتسوية جزء كبير من قطاع غزة بالأرض والمخاطرة بإعادة فرض السيطرة العسكرية في الجيب الذي تركته إسرائيل في عام 2005.
ويأمل السنوار في مبادلة المحتجزين المتبقين، من إجمالي 240 شخصاً احتجزتهم حماس والفصائل المتحالفة معها في هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بآلاف السجناء الفلسطينيين وإنهاء الحصار الإسرائيلي لغزة وإعادة طرح إقامة الدولة الفلسطينية مجدداً.
نزوح 1.9 مليون فلسطيني
أدى القصف الإسرائيلي على مدى أسابيع إلى تدمير جزء كبير من قطاع غزة الذي تديره حماس. وقالت السلطات الصحية الفلسطينية، إن الهجوم الإسرائيلي أدى لمقتل أكثر من 21 ألف شخص وإصابة 55 ألفاً حتى الآن، في حين قالت وكالات الإغاثة ومسؤولو الصحة في غزة، إن القتال أدى لنزوح 1.9 مليون شخص عن ديارهم.
تتحصن حماس والآلاف من مقاتليها في عمق المدن، ولا توجد مؤشرات تذكر على قرب هزيمتهم، إذ تتواصل المعارك في أنحاء القطاع وما زال قادة الحركة طلقاء.
وعبّر الجيش الإسرائيلي عن أسفه لمقتل مدنيين، لكنه اتهم حماس بشنّ هجماتها انطلاقاً من مناطق مكتظة بالسكان أو يستخدمون المدنيين دروعاً بشرية، وهو ما تنفيه الحركة.
ماذا يعني ذلك لعام 2024؟
يتوقع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أن تستمر الحرب لعدة أشهر.
وحتى إذا انتهت الحرب في أوائل العام المقبل، فمن المرجح أن تبقي إسرائيل على سيطرتها العسكرية على قطاع غزة، مما سيثير استياء حلفائها، بينما يعاني الفلسطينيون داخل عدد ضخم من الخيام المؤقتة التي نصبوها على حدود القطاع مع مصر.
ولم يكشف نتنياهو بعد عن خطة للوضع في غزة، فيما بعد الحرب، لكن حكومته أبلغت عدة دول عربية بأنها تريد إقامة منطقة عازلة لمنع تكرار هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي تقول إسرائيل إن حماس قتلت فيه 1140 شخصاً.
ولا يبدو أن إسرائيل ستقبل في وقت قريب بوجود أي سلطة فلسطينية تكون قادرة على تولي زمام الأمور وإحكام السيطرة على القطاع، كما أن حماس لن تتخلى عن سيطرتها بسهولة. وهذا يعني استمرار التواجد الإسرائيلي والحصار وعدم البدء فعلياً في عملية إعادة الإعمار.
ويواجه نتنياهو وإسرائيل مخاطر مع انتشار القوات في منطقة حرب حضرية خطيرة وتحول الرأي العام العالمي ضدهما، لكن المخاطر بالنسبة للسنوار ربما تكون أكبر.
وقال جوست آر. هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية «لا أعتقد أن هناك رغبة كبيرة لدى أي شخص في تولي زمام الأمور في غزة، والسيطرة عليها بخلاف الإسرائيليين».
وأضاف «من الصعب جداً التفكير في أن من الممكن لإسرائيل أن تنسحب من غزة».
سيطرة طويلة الأمد.. نموذج الصفة الغربية
يقول معظم الساسة والمحللين، إن الرؤية الإسرائيلية لغزة فيما بعد الحرب حتى الآن، هي محاكاة نموذج الضفة الغربية من خلال وجود سلطة معينة لإدارة الشؤون المدنية، بينما تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية.
والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، غير مقبولة بالنسبة لإسرائيل على الرغم من إصرار حليفتها الولايات المتحدة.
وقال سياسيان من المنطقة لرويترز، إن إسرائيل تفضل بدلاً من ذلك وجود سلطة متعددة الجنسيات تضم حلفاء ومجلساً فلسطينياً و«تكنوقراط».
وقال مروان المعشر وزير الخارجية الأردني السابق، إنه لا توجد أي دولة عربية تريد السيطرة على غزة، وإن إسرائيل بعد الحرب ستتعامل مع غزة كما تتعامل مع الضفة الغربية، مشيراً إلى أن القوات الإسرائيلية سيكون لها حرية الدخول والخروج من القطاع.
ويشغل المعشر الآن منصب نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن.
وقد يعني ذلك أن تقدم الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الخدمات داخل غزة، إلى أن تقنع واشنطن إسرائيل بقبول حكم السلطة الفلسطينية للقطاع، بعد تعزيزها، أو الموافقة على بعض الترتيبات الأخرى.
الاحتفاظ بالمسؤولية الأمنية
وقال المحلل الفلسطيني غسان الخطيب «لا أعتقد أن إسرائيل ستترك غزة عسكرياً. ستحتفظ بالمسؤولية الأمنية التي ستسمح لقواتها بالدخول والهجوم والمداهمة والاعتقال عندما تريد وكما تريد».
وأضاف: إنهم لا يريدون الانسحاب عسكرياً من غزة، لأنهم يرون أن حماس ستعيد تنظيم صفوفها.
وقال نتنياهو، إن إسرائيل ستحتفظ بشكل ما من أشكال السيطرة الأمنية على قطاع غزة بأكمله إلى أجل غير مسمى، رغم تشديده على أن ذلك لن يصل إلى حد إعادة السيطرة على القطاع.
ووصف الحرب بأنها اختبار وجودي لإسرائيل، وقال مراراً إن الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قادة حماس وقدراتها العسكرية.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير في مؤتمر صحفي هذا الشهر، إن إسرائيل لا تريد أن تسيطر حماس أو السلطة الفلسطينية على غزة بعد انتهاء القتال، كما أنها لن ترغب في أن تدير بنفسها حياة 2.2 مليون فلسطيني في غزة.
وقال المسؤول «على العكس من ذلك، نريد أن نرى إدارة محلية يرأسها فلسطينيون، قيادة قادرة على العمل من أجل مستقبل وأفق الشعب الفلسطيني بمساعدة العالم أجمع».
وأضاف «قد يستغرق الأمر وقتاً».
تسلسل هرمي
يقول محللون، إن القضاء على حماس سيؤدي على الأرجح إلى مقتل آلاف آخرين من المدنيين، وتدمير ما تبقى من غزة وتشريد المزيد من مئات الآلاف من سكان غزة.
وإصرار إسرائيل على القضاء على حماس قد يخضع إلى إعادة تقييم أو تحول في استراتيجيتها. ويقول مصدران من المنطقة، إن إسرائيل ربما تحاول على المدى الطويل شن غارات أكثر تركيزاً على قادة حماس أو مقاتليها.
لكن القضاء على القادة البارزين لن يكون كافياً لكي تعلن إسرائيل القضاء على الحركة والنصر وانتهاء الحرب. وغالبية قادة حماس الآن هم بالفعل من أحفاد لقادة اغتالتهم إسرائيل في السابق.
وقال الخطيب «قتل القيادة لا يؤثر في حركة لها تسلسل هرمي تنظيمي. إذا قتلوا أحدهم، سيتولى آخر كما رأينا من قبل».
ويرى معظم المحللين أنه سيكون من المستحيل تقريباً القضاء على «أيديولوجية حركة حماس».
عدوى في المنطقة
أدت الحرب لانتشار أوسع للقوات العسكرية الأمريكية في المنطقة، والذي تضمن وجود حاملات الطائرات. وكلما طال أمدها وزاد الدمار، زاد خطر التصعيد في المنطقة.
وتزداد المخاوف من امتداد رقعة الصراع.
وهاجمت جماعة «الحوثي» سفناً في البحر الأحمر، مما أدى إلى تعطيل طرق التجارة العالمية. وتعهدت الجماعة بتوجيه هجمات على السفن الحربية الأمريكية إذا تعرضت قواتها لهجوم من واشنطن التي شكلت قوة تحالف لمواجهة هجمات «الحوثيين».
وأخطر نقطة اشتعال هي الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث تتبادل جماعة حزب الله اللبنانية وإسرائيل إطلاق الصواريخ والهجمات منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وقال المصدران من المنطقة، إنه على الرغم من تركيز إسرائيل على الحرب في غزة، فإنها عازمة أيضاً على إبعاد حزب الله عن حدودها الشمالية وإعادة عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى منازلهم التي أخلوها، بسبب الصواريخ التي يطلقها الحزب.
لا أفق لتحقيق حل الدولتين
لا يوجد ما يشير الآن إلى أن الحرب ستؤدي إلى إحياء خطوات السلام المتوقفة وتحقيق حل الدولتين كما تأمل واشنطن.
وأصاب هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول إسرائيل بصدمة كبرى.
وقال المصدران ومحللون، إن العدد المتزايد من الغارات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتجدد عنف المستوطنين ومصادرة الأراضي الفلسطينية وإلقاء القبض على ناشطين ومسلحين هناك، يغلق الباب أمام أي فرص للتسوية.
ويرون أن الفكرة التي يروج لها الغرب بأن القضاء على حماس سيسمح في نهاية المطاف بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وسيعطي دفعة جديدة نحو إقامة دولة فلسطينية مجرد وهم.
وقال الخطيب، وهو أستاذ السياسة بجامعة بيرزيت بالضفة الغربية «أعتقد أن هذه الحرب سيكون لها رد فعل شديد وتأثير على المجتمع الإسرائيلي. فإسرائيل كمجتمع ونخبة سياسية ستصبح أكثر تطرفاً».
وأضاف الخطيب: «لا يوجد أفق سياسي، وكل ما تبقى قد تبخر».