تعرضت أسواق النفط خلال 2023 لتذبذبات دراماتيكية، في ضوء عديد من العوامل المختلفة التي شكلت ضغطاً على الأسعار، بما في ذلك ما يرتبط بالقرارات المتعلقة بالإنتاج من جانب أوبك+ وحجم الإنتاج من خارجها والمخزونات الأميركية، علاوة على أثر البيانات الاقتصادية وقرارات سعر الفائدة وحالة عدم اليقين المسيطرة على الأسواق طيلة العام بشأن موعد انتهاء دورة تشديد السياسة النقدية من جانب الفيدرالي الأميركي.
كما ضغطت العوامل المرتبطة بـ “الطلب” على أسعار النفط خلال العام، لا سيما فيما يخص الطلب من الصين، التي شهدت في بدايات العام تفاؤلاً بحالة انتعاش جديدة في ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، وبعد إنهاء سياسة “صفر كوفيد”.
ومن بين أبرز العوامل كذلك التي تناغمت معها أسعار النفط بالضرورة ما يرتبط بالعوامل الجيوسياسية والمخاوف المصاحبة لعديد من الأزمات ذات الصلة؛ من بينها الحرب في غزة، والتي اندلعت في بدايات الربع الرابع من العام، وتحديداً في السابع من شهر أكتوبر من العام 2023، بما أثارات من ضغوطات ومخاوف مرتبطة بالإمدادات، آخرها فيما يخص التوترات بالبحر الأحمر وتأثيراتها.
بينما يُنظر إلى تخفيضات الإنتاج من جانب أوبك وحلفائها على اعتبارها العامل الأكثر حسماً في تحقيق التوازن بالأسواق خلال العام.
وتتخذ الدول الأعضاء في أوبك+ سلسلة من الإجراءات من بينها خفض الإنتاج منذ أواخر عام 2022 لدعم السوق.
وفي هذا “التسلسل الزمني” يستعرض موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” تطور أسعار النفط في العام 2023 وما ارتبط بذلك التطور من أسباب في كل شهر على حدة، في رؤية بانورامية مُلخصة لأبرز الأحداث التي شهدها القطاع والتي أثرت على العرض والطلب باعتبارهما الحاكم الأول للأسعار.
يناير.. أول خسائر شهرية في السنة
في الشهر الأول من العام 2023، سجلت أسعار النفط خسائر شهرية، وذلك على الرغم من حالة التفاؤل التي عمّت الأسواق بخصوص انتعاش الاقتصاد الصيني، ومع التقليل من أثر العقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية على قطاع النفط في روسيا.
سجّلت العقود الآجلة لخام برنت خسائر بنسبة 0.6 بالمئة في يناير، لتصل إلى مستويات 85.44 دولار للبرميل بنهاية الشهر، كما سجل الخام الأميركي تراجعاً شهرياً بنسبة 1.7 بالمئة، مُنهياً تعاملات الشهر عند مستوى 79 دولارا للبرميل.
شهدت أسعار النفط ضغوطاً تراجعية واسعة، بينما أنظار المستثمرين كانت معلقة على بيانات اقتصادية مُهمة، يتقدمها ترقب قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي التالي فيما يخص أسعار الفائدة، علاوة على البيانات المرتبطة بارتفاع مؤشر الدولار وتداعياتها على أسواق النفط. كما أن السوق حينها كانت تترقب التوصيات الناتجة عن اجتماع افتراضي مرتقب لـ “أوبك+” في الأول من فبراير.
فبراير.. تفاؤل حيال الانتعاش في الصين
في الشهر الثاني من العام، واصلت أسعار النفط خسائرها، لتسجل العقود الآجلة لخام برنت تراجعاً بنسبة 2.7 بالمئة في فبراير، عندما أنهت تعاملات الشهر عند مستوى 83.09 دولار للبرميل.
كذلك الحال بالنسبة للعقود الآجلة للخام الأميركي، والتي سجلت تراجعاً بنسبة 2.8 بالمئة، مُنهية تعاملات الشهر عند مستوى 76.78 دولار للبرميل.
بينما حققت الأسعار مكاسب في بعض الجلسات، بدعمٍ من حالة من التفاؤل على وقع انتعاش الطلب في الصين.
وفي شهر فبراير أيضاً، ارتفع إنتاج أوبك من النفط مدعوماً بتعافي الإمدادات في نيجيريا. وضخت أوبك 28.97 مليون برميل يومياً خلال الشهر (بما يمثل زيادة 150 ألف برميل يومياً عن معدلات يناير).
مارس.. خسائر فصلية
خلال شهر مارس 2023 سجل خام برنت خسائر شهرية بنسبة 4 بالمئة أيضاً. ليسجل خسائر فصلية في الربع الأول من العام بحوالي 5 بالمئة.
كذلك الحال بالنسبة للخام الأميركي، والذي سجل خسائر شهرية في شهر مارس بنسبة 1.5 بالمئة، وخسائر فصلية في الربع الأول بنسبة 4.7 بالمئة.
وقد اجهت الأسواق مخاوف واسعة حيال “أزمة البنوك الأميركية” التي ألقت بظلالٍ وخيمة على الأسواق، قبل أن تهدأ حدة تلك المخاوف مع تبدد القلق بشأن تطور المشهد إلى أزمة مصرفية عالمية، بعد الإجراءات التي تم اتخاذها في الولايات المتحدة لحماية أموال المودعين وإنقاذ المصارف.
ويشار إلى أن أسعار النفط خلال الشهر سجلت أدنى مستوى لها في 15 شهراً على وقع الاضطرابات التي يواجهها القطاع المصرفي، والذي أثار لغطاً واسعاً حينها استمر لأسابيع، مع مخاوف من تأثير “الدومينو” على باقي البنوك والمؤسسات المالية الصغيرة.
أبريل.. خفض طوعي للإنتاج
شهد الشهر الأول من الربع الثاني في العام 2023، تطوراً مؤثراً في الأسواق، ارتبط بالإعلان عن خفض طوعي للإنتاج من جانب المنتجون الرئيسيون في أوبك+.
بلغ إجمالي الخفض الطوعي 1.16 مليون برميل يومياً، اعتباراً من شهر مايو وحتى نهاية العام، وذلك بهدف “تحقيق التوازن في السوق”، وبعد التراجعات الواسعة التي سجلتها أسعار النفط في الربع الأول من العام.
في أبريل واصلت الأسعار التراجع، وسجل خام برنت خلال تعاملات الشهر مستويات دون الـ 80 دولاراً للبرميل، لكنه تمكن في نهاية الشهر من تسجيل مكاسب شهرية بنحو 0.6 بالمئة. فيما سجل خام غرب تكساس الوسيط مكاسب بنحو 1.3 بالمئة.
مايو.. خسائر قوية
في الشهر الخامس من العام، تكبدت أسعار النفط خسائر حادة في مايو، بعد أن انخفض خام برنت بأكثر من 10 بالمئة، مُنهياً تعاملات الشهر عند مستوى 72.09 دولار للبرميل.
كما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنحو 11.8 بالمئة تقريباً، مُنهياً تعاملات الشهر عند مستوى 67.55 دولار للبرميل.
وخلال تعاملات الشهر كانت الأنظار موجهة بشكل خاص إلى اجتماع مرتقب لاجتماع أوبك في شهر يونيو، وسط حالة من عدم اليقين بشأن سياسات الإنتاج المحتملة.
يونيو.. مكاسب شهرية.. وسلسلة “الخسائر الفصلية” مستمرة
في يونيو، وقبل نهاية النصف الأول من العام اتفق تحالف أوبك+ الذي يضم الدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول غير الأعضاء وعلى رأسها روسيا، على مستوى مستهدف جديد للإنتاج عند 40.46 مليون برميل يوميا بداية من 2024 وحتى نهاية 2024.
تبعاً لذلك يخفض أعضاء التحالف مستوى الإنتاج المستهدف للعام 2024 بواقع 1.4 مليون برميل عن مستهدفات الإنتاج آنذاك.
ويشار في هذا السياق، إلى أن التحالف كان قد قرر في شهر أكتوبر الماضي أيضاً خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً.
وخلال يونيو، حققت أسعار النفط أول مكاسب شهرية منذ بداية العام (بدعم من انخفاض المخزونات الأميركية بشكل واسع)، لكنها واصلت سلسلة الخسائر الفصلية للفصل الرابع على التوالي.
بالنسبة لخام برنت، فقد حقق مكاسب شهرية بنسبة 4.2 بالمئة، لكنه سجل خسارة فصلية بنحو 3.4 بالمئة في الربع الثاني من 2023، منهياً التعاملات عند 75.10 دولار للبرميل.
وفيما يخص الخام الأميركي، فقد سجل مكاسب شهرية بنسبة 4.2 بالمئة، لكن خلال الربع الثاني إجمالاً سجل خسائر بنسبة 3.7 بالمئة، منهياً التعاملات عند 70.39 دولار للبرميل.
يوليو.. مكاسب شهرية قوية لأسعار النفط
سجلت أسعار النفط مكاسب شهرية قوية في يوليو، للشهر الثاني على التوالي. وبلغت المكاسب الشهرية نحو 16 بالمئة، بدعمٍ من تخفيضات الإنتاج الطوعية من جانب أوبك+ وتوقعات انتهاء دورة التشديد النقدي من جانب الفيدرالي الأميركي، التي سادت الأسواق حينها.
ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 13.5 بالمئة، مُنهية تعاملات الشهر عند 85.21 دولار للبرميل. كما ارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي بنسبة 16 بالمئة في شهر يوليو، منهيا التعاملات فوق الـ 81 دولاراً للبرميل (81.72 دولار للبرميل تقريباً).
أغسطس.. أسعار النفط تحقق مكاسب للشهر الثالث على التوالي
في أغسطس، سجلت أسعار النفط مكاسب جديدة (للشهر الثالث على التوالي في 2023)، بدعم من انخفاض المخزونات الأميركية بشكل كبير، وكذلك تخفيضات الإنتاج من أوبك+.
أنهت العقود الآجلة لخام برنت تعاملات الشهر عند مستوى 86.78 دولار للبرميل، بمكاسب شهرية 1.8 بالمئة.
كما أنهت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي الشهر عند 83.54 دولار للبرميل، بمكاسب شهرية 2.2 بالمئة.
وكانت الأسواق تترقب الاجتماع التالي لأوبك، مع توقعات بخفض طوعي لإنتاج النفط من السعودية في أكتوبر، بخلاف التخفيضات الأخيرة لأوبك وحلفائها.
سبتمبر.. مكاسب شهرية وفصلية
بنهاية شهر سبتمبر، حققت أسعار النفط مكاسب شهرية جديدة، كذلك مكاسب فصلية قوية في الربع الثالث من العام 2023.
أنهت العقود الآجلة لخام برنت تعاملات الشهر والربع الثالث على مكاسب وكانت قد سجلت أعلى مستوى عند 95.91 دولار للبرميل، بمكاسبة شهرية تقدر بنحو 6 بالمئة، ومكاسب فصلية بأكثر من 20 دولاراً (بنسبة 18.3 بالمئة).
وسجلت العقود الآجلة للخام الأميركي مكاسب شهرية بنسبة 8.6 بالمئة، لتصل إلى 90.79 دولار للبرميل بعد أن لامست 95 دولارا كأعلى مستوى خلال الشهر. ومع مكاسب فصلية قوية أيضاً تقدر بنحو 21.8 بالمئة (قرابة الـ 16 دولاراً).
أكتوبر.. خسائر شهرية جديدة والعوامل “الجيوسياسية” في الحسبان
تراجعت العقود الآجلة لخام برنت إلى 85.5 دولار للبرميل بنهاية أكتوبر، لتسجل انخفاضاً على أساس شهري بنسبة 7.15 بالمئة. كما تراجعت العقود الآجلة للخام الأميركي بنسبة 10.4 بالمئة خلال أكتوبر، إلى مستوى 81.31 دولار للبرميل.
وخلال الشهر، ارتفع إنتاج منظمة “أوبك” للشهر الثالث على التوالي، بـ 180 ألف برميل يومياً، حيث ضخت دول “أوبك” 27.9 مليون برميل يومياً، بدعم من إنتاج نيجيريا وأنجولا.
وضغطت العوامل الجيوسياسية، المرتبطة بحرب غزة، وما صاحبها من تداعيات، على أسعار النفط.
نوفمبر.. تخفيضات طوعية
في نهاية شهر نوفمبر، أعلنت السعودية ومجموعة من كبار منتجي تحالف “أوبك+” عن تخفيضات طوعية إضافية لإنتاج النفط بإجمالي حوالي 2.2 مليون برميل يوميا، على أن يبدأ تطبيقها خلال الربع الأول من العام المقبل، “بهدف دعم استقرار وتوازن أسواق النفط”.
هذه التخفيضات الطوعية، تأتي بالإضافة إلى التخفيضات الطوعية الأخرى التي تم الإعلان عنها سابقا في أبريل 2023، وتم تمديدها لاحقا حتى نهاية عام 2024.
وعلى أساس شهري، انخفضت أسعار العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 6 بالمئة (لتنهي تعاملات الشهر عند مستوى 80.39 دولار للبرميل). كما انخفضت العقود الآجلة للخام الأميركي بنسبة 7 بالمئة في نوفمبر لتصل إلى 75.57 دولار للبرميل.
ديسمبر.. نهاية العام
مع دنو العام من أجله.. تتجه أسعار النفط لتكبد خسائر سنوية بنحو عشرة بالمئة، مسجلة أول انخفاض سنوي في عامين، بعدما تسببت المخاوف الجيوسياسية وتخفيضات الإنتاج والتدابير العالمية لكبح التضخم في تقلبات حادة في الأسعار.
وتتجه العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي لتسجيل خسارة شهرية بنحو 4.3 بالمئة، كما تتجه العقود الآجلة لخام برنت لتكبد خسارة شهرية بأكثر من ثلاثة بالمئة.
وبهذا يتجه الخامان القياسيان لإنهاء العام بأكبر خسارة سنوية بالنسبة المئوية منذ 2020 عندما قوضت جائحة كورونا الطلب وأدت لانخفاض الأسعار.
أبرز توقعات العام 2024
أبدت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وفي وقت سابق، تفاؤلا حذرا بشأن العوامل الأساسية التي تؤثر على سوق النفط في عام 2024، وذكرت أن الانخفاض الأخير في الأسعار سببه “المخاوف المبالغ فيها” بشأن الطلب فيما أبقت على توقعاتها المرتفعة نسبيا لاستهلاك النفط في 2024.
وأبقت أوبك على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2023 عند 2.46 مليون برميل يوميا. كما ثبتت توقعاتها من الشهر الماضي لنمو الطلب في عام 2024 عند 2.25 مليون برميل يوميا.
- تشير تقديرات ستاندرد آند بورز غلوبال، إلى بقاء أسعار النفط في نطاق بين 70 و80 دولاراً للبرميل في العام المقبل. وأرجعت تلك التوقعات إلى “ضعف الطلب العالمي على الخام”، رغم تخفيضات أوبك+
أما غولدمان ساكس، فتشير إلى مستويات ما بين 70 إلى 90 دولاراً للبرميل، بدعم من الإنتاج من خارج أوبك، وتحديداً من الولايات المتحدة، وهو الإنتاج الذي قالت إن من شأنه تخفيف أي ارتفاع محتمل بالأسعار. - تشير أحدث تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية لأسعار النفط في العام 2024، إلى مستوى 78 دولاراً للبرميل في 2024، مقارنة بتوقعات سابقة عند 89 دولاراً بتراجع 13 بالمئة. وبالنسبة لخام برنت، رفعت الإدارة توقعاتها إلى 84 دولاراً للبرميل من 78 دولاراً للبرميل، بزيادة 8 بالمئة في النصف الاول، وقالت إن ذلك يأتي نتيجة تخفيضات إنتاج أوبك +. أما توقعات مجمل العام بالنسبة لخام برنت، فجاءت -وفق تقديرات الإدارة- في متوسط 83 دولاراً.