تنطلق النسخة الـ54 من منتدى دافوس هذا العام وسط عالم تمزقه الحروب والتغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية، وأحدثها أزمة الملاحة في باب المندب و قناة السويس التي أدت لارتفاع كلفة نقل الحاوية الواحدة لأربعة أمثالها منذ اندلاع الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة.
فالكثير من شركات النقل البحري العالمية حوّلت مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب المرور عبر مضيق باب المندب نتيجة استهداف الحوثيين في اليمن للسفن التجارية، ما يضطرها للدوران حول قارة إفريقيا ويزيد تكلفة رحلة السفينة الواحدة بمقدار مليون دولار حتى الآن، وهو رقم مرشح للزيادة بسبب ارتفاع رسوم التأمين على عمليات الشحن المارة بالبحر الأحمر.
ارتفاع رسوم التأمين البحري.. القلق الأكبر
تواصلت «CNN الاقتصادية» مع شركة ( سي إم إيه سي جي إم) الفرنسية، التي اكتفت بإرسال بيان يُظهر تغيير مسارات ناقلاتها، مشيرة إلى أن الشركة تفضل عدم التعقيب حفاظاً على «سلامة الأطقم»، بحسب المتحدثة الإعلامية ميلاني ريجو.
وأظهر موقع مارين ترافيك لمراقبة حركة السفن أن العديد من ناقلات الحاويات التابعة للشركة الفرنسية غيرت بالفعل مسارها غرباً في البحر المتوسط بدلاً من توجهها إلى قناة السويس، وهو ما اتبعته سفن أخرى في جنوب شرق آسيا.
وتعليقاً على الضربات العسكرية الأخيرة التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا لمواقع الحوثيين في اليمن، قال سلفاتوري ميركوجليانو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كامبيل بنورث كارولينا والمتخصص في النقل البحري، في لقاء عبر زووم إن واشنطن تحاول تحييد الحوثيين عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، محذراً من ارتفاع تكلفة التأمين البحري إذا استمرت اضطرابات البحر الأحمر.
وقال «أعتقد أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاءهما يرون أن هذه الضربات العسكرية الأخيرة ستساعد في تحييد الحوثيين، لكن القلق الأكبر هنا يتعلق بتكلفة التأمين البحري، وما لم يوقف الحوثيون هجماتهم بالكامل، وهو أمر مستبعد للغاية، فسنظل نرى اضطرابات في الشحن عبر هذه المنطقة».
وبحسب تقرير لمؤسسة (ستاندرد أند بورز جلوبال)، ارتفعت تكلفة التأمين على السفن المبحرة عبر خليج عدن إلى اثنين في الألف من قيمة بدن السفينة مقارنة بـ0.7 في الألف قبل اندلاع الاضطرابات في المنطقة، إذ قفزت قيمة التأمين على ناقلة نفط متوسطة الحجم إلى 100 ألف دولار بدلاً من 30 ألف دولار قبل التهاب المشهد، ومن المتوقع أن ترتفع تكلفة التأمين في الأيام والأسابيع القادمة بسبب تحول خليج عدن وباب المندب إلى منطقة عمليات عسكرية بعد الغارات التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما ضد مواقع الحوثيين في اليمن.
قناة السويس مهددة بخسارة ثلث إيراداتها
يحذر ميركوجليانو من أن الوضع الحالي يهدد بخسارة قناة السويس نحو ثلث إيراداتها، قائلاً «لدينا سفن لا تمر عبر قناة السويس، إذ توقفت نحو 20 إلى 30 سفينة عن العبور من القناة يومياً، وكل سفينة تبحر عبر قناة السويس تدرُّ على مصر نحو نصف مليون دولار أميركي».
وتعتمد مصر على قناة السويس للحصول على نحو تسعة مليارات دولار سنوياً، وإذا انخفض معدل المرور عبر القناة بنسبة 20 أو 30 في المئة، فهذا يعني أن مصر ستخسر مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً.
وعدم عبور السفن بالقناة قد يوفر لها هذه الرسوم، لكنه سيزيد تكلفة الوقود الإضافي وأسعار إيجار السفن، ما يكبدها تكلفة أعلى بكثير مما تدفعه مقابل المرور عبر قناة السويس.
وتكبدت السفن بالفعل ما يزيد على مليون دولار بسبب تحويل مساراتها مع ارتفاع رسوم الشحن من آسيا إلى أوروبا ومنها إلى الولايات المتحدة.
وحذر ميركوجليانو من أن الشركات المصنعة ستقوم بتمرير الزيادة في تكلفة الشحن إلى المستهلكين، ما يشعل الأسعار ومعدلات التضخم في أوروبا والولايات المتحدة قبل أن ينتقل التأثير إلى آسيا.
وعلى الرغم من الزيادة الأخيرة، لا يتوقع الخبير الأكاديمي وصول أسعار الشحن إلى المستوى القياسي الذي سجلته إبان أزمة سلاسل التوريد خلال عامي 2021 و2022، عندما قفزت رسوم نقل الحاوية الواحدة إلى 20 ألف دولار.
وبحسب تصريحات إيتان بوشمان، كبير مسؤولي التسويق في شركة (فريتوس) لحجز الشحن الدولي، لوكالة رويترز، فقد ارتفعت رسوم شحن الحاوية من الصين إلى البحر المتوسط بنسبة 44 في المئة في ديسمبر كانون الأول بسبب التعطيلات الأخيرة، لتصل إلى 2413 دولاراً، بعدما سجلت 1371 دولاراً في وقت سابق من العام الجاري.
وكانت شركة ميرسك للنقل البحري قد أعلنت عن رسوم إضافية تتراوح من 600 إلى ألفي دولار لكل حاوية، بينما قامت شركة (سي إم إيه سي جي إم) الفرنسية برفع أسعارها بمقدار 325 دولاراً لكل حاوية مقاس 20 قدماً تبحر بين آسيا وشمال أوروبا نهاية العام الماضي.
تأثير الأحداث على سوق النفط
وحول تأثير الأحداث على أسواق النفط، يرى ميركوجليانو أن استمرار الاضطرابات الملاحية في البحر الأحمر سيؤثر على أسواق الخام الأسود، خاصة مع نقص عدد ناقلات النفط المتاحة في السوق.
وأوضح أن شركات الشحن تشتري سفناً جديدة عندما تكون لديها وفرة في السيولة النقدية، ورغم أنها تمتلك حالياً السيولة المطلوبة لذلك -بفضل الأرباح التي حققتها في 2021 و2022- فإن الأزمة الحالية تعقد الوضع نتيجة تعطيل الملاحة في ممرات مائية حيوية مثل باب المندب وقناة بنما، فهذا يعني أن السفن تضطر للإبحار لمسافات أطول وبالتالي تحتاج إلى عدد أكبر من الناقلات.
وتأتي الأزمة في وقت تعاني فيه قناة بنما من الجفاف الشديد، ما أجبر مسؤولي القناة على خفض عدد السفن المارة بها، بينما يحذر الخبراء من وقف مرور السفن بالكامل بالقناة إذا استمرت مستويات المياه في الانخفاض، ويرى الخبراء أن العالم لا يتحمل تعطل اثنين من أهم الممرات المائية، في إشارة إلى قناة بنما وقناة السويس.
وارتفعت أسعار النفط بأكثر من اثنين في المئة الأسبوع الماضي ملامسة أعلى مستوياتها اليومية منذ بداية العام، عقب توجيه الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات عسكرية لبعض المواقع التابعة لقوات الحوثي في اليمن، رداً على الهجمات الحوثية على السفن العابرة بالبحر الأحمر.
وتعقيباً على ذلك، قال وارين بيترسون، رئيس قسم أبحاث السلع بشركة (آي إن جي)، لرويترز إن هناك مخاوف بشأن إمدادات النفط بسبب اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن الأحداث لم تؤثر بشكل كبير على الإمدادات حتى الآن وأن الأمر يحتاج إلى تصعيد أكبر قبل أن نرى تأثيراً واضحاً على الإمدادات النفطية.
الضربات الأميركية.. هل تكفي لردع الحوثيين؟
رغم أن قوة الحوثيين العسكرية والتكنولوجية قد تعد متواضعة، فإن عملياتهم التي تستهدف السفن التجارية بأحد أهم الممرات الملاحية العالمية جعل تأثيرها لا يُستهان به.
وتتباين آراء الخبراء بشأن تأثير الضربات الأميركية-البريطانية الأخيرة على مواقع الحوثيين باليمن، فبينما يرى البعض أنها ستضعف القوة العسكرية لقوات الحوثي وتمثل رسالة ردع لبقية القوى المناوئة في المنطقة، يرى البعض الآخر أنها قد تؤجج الوضع.
ومن بين المشككين في تأثير تلك الضربات جيرالد فيرستين، السفير الأميركي الأسبق لدى اليمن، الذي يرى أن واشنطن منحت الحوثيين الهدف الذي يريدونه تماماً وهو إشعال الصراع، مشيراً إلى أن القوات الحوثية كانت تهدف لاستفزاز واشنطن، ويشجعها على ذلك التأييد الشعبي الواسع لعملياتها العسكرية في باب المندب.
وبغض النظر عن اختلاف الآراء بشأن تأثير التدخل العسكري الأميركي، فإن المؤكد هو أن استمرار الصراع سيؤدي للمزيد من الاضطرابات الملاحية في البحر الأحمر، وما يترتب عليه من زيادة تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار الاستهلاكية حول العالم.