عندما أعلن رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، في دافوس، الثلاثاء الماضي، أن اقتصاد البلاد نما بنسبة تقدر بنحو 5.2 بالمئة في العام 2023، شكل ذلك مفاجأة بالنسبة للاقتصاديين.
توقع الكثيرون رقمًا قريبًا من هدف النمو في بكين بنسبة 5 بالمئة، لكن الأسواق لم تتوقع صدور البيانات حتى يوم الأربعاء، وفقًا لجدول الإصدار الرسمي.
وبحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فإنه “من العدل أن نقول إن هذا ليس المثال الوحيد للنهج الضبابي الذي تتبناه الصين في الإبلاغ عن الإحصاءات الوطنية”.
- رغم أن الصين تستثمر قدراً كبيراً من الموارد في مكتبها الوطني للإحصاء، فإن الثقة في ناتجها تأثرت بفِعل تدهور الشفافية.
- انخفض عدد المؤشرات الاقتصادية التي توفرها الوكالة بشكل كبير منذ أن أصبح الرئيس شي جين بينغ زعيما في العام 2013.
- وفي الوقت نفسه، أصبح المتنبئون أكثر تشككا بشأن أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية للصين.
ومن الممكن بطبيعة الحال أن يكون الاقتصاد الصيني قد قام بعمل دقيق على الدوام في تحقيق تلك الأهداف الخاصة بالنمو، ولكن الشفافية المحدودة، بما في ذلك الشفافية المتعلقة بمنهجياتها الإحصائية، لا تعمل على توليد الثقة، وفق التقرير المشار إليه.
ومن المثير للدهشة أن مجموعة روديوم تعتقد بأن نمو الصين في العام الماضي ربما كان منخفضاً بنسبة 1.5 بالمئة.
وطبقاً لتقديرات شركة كابيتال إيكونوميكس، فإن بكين كانت تبالغ في تقدير إنتاجها بشكل ملحوظ منذ بداية العام 2022. كما تشير نماذجها إلى نمو أسرع في العام 2023، حيث ربما تكون البيانات الرسمية قد خفضت مدى الاضطراب الذي أحدثه فيروس كورونا في العام السابق.
اقتصاد مختلف
من جانبه، قال كبير الاقتصاديين في شركة ACY Securities في استراليا، نضال الشعار، إن الصين تعتبر اقتصادًا ودولةً مختلفة عن كل الدول، حتى بالمقارنة مع روسيا نجد الاختلاف الواضح بين الدولتين؛ فهي محكومة من قبل حزب واحد يسيطر على كل مناحي الحياة سواء “الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية” وغير ذلك، فكل ما يخرج من الصين يجب أن يحصل على موافقة الحزب الحاكم، وبالتالي تنفيذ رغبات هذا الحزب الواحد، في أن تظهر أرقام بما يناسبه من مواقف اقتصادية وسياسية وغيره.
وتابع الشعار في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، وسكانها نحو 1.4 مليار نسمة، وهي ثاني أكبر مستورد في العالم، وبالتالي عندما يحدث شيء تطور اقتصادي –على سبيل المثال التباطؤ الاقتصادي- فهذا يؤثر على حجم وارادتها، ما يؤثر على حجم صادرات الدول الأخرى، والشركاء التجاريين الذين تستورد منهم، ونعرف تماما أن الصين هي المصنع العالمي، وتعتبر مصدرًا مهمًا.
وأكد الشعار أن الصين تعاني من تباطؤ اقتصادي واضح، مع ضعف التعافي، وفي خطٍ متوازٍ مع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وانخفاض الطلب على القطاع العقاري، وسينعكس ذلك بالتأكيد على الدول الشركاء ودول العالم كافة.
واستطرد: الوضع الحالي غير مُبشر في الصين، إلا إذا قامت بإجراءات تحفز الاقتصاد وتنشطه وهذا لم يحدث بشكل واضح بالصورة المجدية، فقط كان هناك تغيير في السياسة النقدية، والسياسة الإنفاقية لكننا حتى الآن لم نرَ نتائج هذه الإصلاحات والتغييرات، فالوضع مُربك بشكل عام لكنه لم يصل حد الانهيار الذي يتوقعه بعض المحللين.
واختتم تصريحاته بقوله: لا بُد من منح الصين فرصة حالية للنهوض بالاقتصاد مرة أخرى، مؤكدًا أن المشكلة تكمن في وصولها إلى حد الإشباع الكمي بشكل واضح تمامًا، فهي كانت ناجحة في التطوير النوعي لمنتجاتها مما أسهم في استمرار النمو الاقتصادي لفترات طويلة فهي قادرة على مواكبة الإنتاج الكمي مع النوعي.
الصين ليست الوحيدة
والصين ليست الدولة الوحيدة التي لا يمكن التعويل على إحصاءات النمو فيها.. الهند كذلك ضمن القائمة؛ فاقتصادها واحد من أسرع الاقتصادات الكبرى نموا، والأكثر سكانا. ومع ذلك، فإن مجلة الاقتصاد العالمي تصنف جودة الناتج المحلي الإجمالي وبيانات السكان في البلاد في المرتبة 90 تقريبًا على مستوى العالم.
- تعتمد الكثير من البيانات الاقتصادية الهندية على مسوحات ومعلومات قديمة.
- يتم أيضًا مراجعة أرقامها الحالية بشكل متكرر.
- في حين تشير التقديرات الرسمية إلى أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بين الأعوام 2011-2012 و2016-2017 يبلغ نحو 7 بالمئة، فإن دراسة أجرتها جامعة هارفارد أشارت إلى أنه قد يكون أقرب إلى 4.5 بالمئة.
الافتقار إلى الشفافية
ويشير تقرير الصحيفة البريطانية إلى أن:
- الافتقار إلى الشفافية والمنهجيات دون المستوى ونطاق معالجة البيانات أمر شائع في الكثير مما يسمى بالعالم النامي.
- والواقع أن الباحثين يعربون عن أسفهم لندرة البيانات الاقتصادية الجديرة بالثقة في مختلف أنحاء أفريقيا.
- إن كبر حجم القطاعات غير الرسمية ومحدودية الموارد يعني أن القياس ليس بالأمر السهل أيضًا.
وحتى الاقتصادات المتقدمة تعاني من مشاكل تتعلق بالبيانات؛ يعاني مسح سوق العمل في بريطانيا من معدل استجابة منخفض محتمل ومشوه .
ومع ذلك، مع تحول مركز الثقل الاقتصادي والديموغرافي بعيدًا عن الغرب، فمن الأهمية بمكان أن تصبح بيانات العالم النامي أقل غموضًا.
وسوف يناضل صناع السياسات المحليون من أجل معالجة وتحديد العوائق التي تعترض النمو الاقتصادي في غياب أرقام مناسبة.
ما تأثير تلك الضبابية؟
تزيد الإحصاءات الضبابية المخاطر بالنسبة للمستثمرين، ويمكن أن ترفع تكلفة رأس المال بالنسبة للدول النامية. وبالنسبة للصين والهند، على وجه الخصوص، تشكل الثقة في بياناتهما أهمية كبيرة للحفاظ على اهتمام الشركات المتعددة الجنسيات وأسواق رأس المال وجذبه. الغموض ليس في صالح الشركات.
البيانات المختلطة
من جانبه، تحدث الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، عن ضبابية بيانات الدول وتحديدًا الصين، ووصفها بأنها “غير موثوقة”، قائلاً: الصين لديها مؤسساتها التي تعترف بها عن أي مؤسسات أخرى، وهنا تُخرج للعالم ما ترغب في إخراجه.
وأكد الإدريسي في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الصين تخوض حربًا تجارية وحرب معلومات، وضبابية المشهد نتيجة حتمية وطبيعية للحرب الاقتصادية المستترة ما بين الصين والولايات المتحدة الأميريكية وما بين أوروبا.
وعن تأثير ذلك على الأسواق، أوضح أن الصين أكبر مُصدر للعالم أجمع، وهنا نتحدث عن 3.3 تريليون دولار سنويًا، فالصين مهيمنة على التجارة العالمية، ولم تؤثر على الأسواق العالمية في شيء، فهي مستمرة في الإنتاج والتصدير، والعالم يعلم أنه في وقت الإجازة القمرية تأخذ الأسواق الصينية إجازة في التصدير، وبالتالي يتم الترتيب وفقًا لهذا الأساس.
وعن عواقب البيانات “غير الموثوق بها” من بعض الدول بخصوص الأوضاع الاقتصادية العالمية، أكد الخبير الاقتصادي، أن ذلك ينعكس بشكل سلبي على الاقتصاد نتيجة لبناء التوقعات بشكل خاطئ، ومستويات البيع والشراء والإنتاج تعطي توقعات سلبية وخاطئة عن المتاح فعليًا، فحينما تُبنى السياسات على أرقام وتوقعات غير موجودة فما يترتب عليها يكون خاطئًا.
#اقتصاد عالمي
#الصين