أثارت بيانات الوظائف الأميركية “الأقوى من المتوقع” مزيداً من الشكوك حول مدى احتمالية اتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض الفائدة في وقت مبكر، لا سيما بعد ما أظهرته من قوة سوق العمل وتماسك الاقتصاد، وبما انعكس بدوره على الأسواق التي تلقت الإشارة بشكل فوري، وسط مزيد من الترقب للبيانات القادمة.
وبعدما ثبت الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة -متسقاً مع التوقعات- وبرغم رسائل رئيس بنك الاحتياطي، جيروم باول، التي قال فيها إنه من غير المرجح خفض الفائدة في اجتماع مارس المقبل، سجلت أسعار الذهب مكاسب أسبوعية بنسبة 1 بالمئة تقريباً لتصل إلى 2039.76 دولار للأونصة، مع تباين أداء الدولار وعوائد سندات الخزانة الأميركية.
وينتظر المتعاملون في الذهب اتضاح المشهد بصورة كاملة -في ظل البيانات والتصريحات التي تطرح توقعات باتجاهات متضاربة- لا سيما وأن خفض الفائدة من شأنه أن يعزز بريق المعدن الأصفر، لجهة اتجاه المتعاملين إليه كبديل للتحوط المالي والادخار.
وتراجع رئيس البنك المركزي الأميركي جيروم باول عن فكرة خفض أسعار الفائدة في الربيع، لكنه عبر عن ثقته في تحرك التضخم نحو النطاق المستهدف عند اثنين بالمئة.
توقعات بالارتفاع
من جانبه، يُحدد الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر لدراسات أسواق المال، عمرو زكريا، في تصريح لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” العوامل التي تدفع بالتوقعات المرتبطة باستمرار أسعار الذهب في الارتفاع. يأتي على رأس تلك العوامل ما يتعلق بتباين عوائد سندات الخزانة الأميركية.
كما أنه يضيف لقائمة العوامل الأساسية ما يتعلق بالتوترات الجيوسياسية القائمة، علاوة على تسارع وتيرة شراء الذهب من جانب البنوك المركزية، بما في ذلك الطلب الصيني.
ووفق بيانات مجلس الذهب العالمي، فإن 2023 يعد ثاني أعلى عام في تاريخ المشتريات بالنسبة للبنوك المركزية من الذهب. وجاءت الصين كأكبر مشترٍ بواقع 225 طناً، لتصل حيازتها إلى 2235 طناً.
التوترات الجيوسياسية
وتسهم التوترات الجيوسياسية، بداية من الحرب في شرق أوروبا (الحرب في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022) والحرب في الشرق الأوسط (الحرب في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023) في إضفاء حالة من “عدم اليقين” على الأسواق، الأمر الذي يعزز بدوره بريق المعدن الأصفر النفيس.
يلجأ المتعاملون للذهب باعتباره ملاذ آمن في أوقات الأزمات والاضطرابات الاقتصادية، وبينما الأنظار مُعلقة على عديد من التطورات الأساسية، من بينها ما يخص أسعار الفائدة الأميركية، وبعد أن تقلصت رهانات الأسواق بشكل لافت على خفض سريع على المدى القصير للفائدة. وكذلك الأنظار معلقة على الأوضاع الجيوسياسية.
البيانات الاقتصادية
وأيضاً تمثل البيانات الاقتصادية مؤشراً مهما يعكس مدى قوة الاقتصاد، من بينها بيانات الوظائف الأميركية الصادرة يوم الجمعة، والتي جاءت أقوى من التوقعات وانعكست بشكل مباشر على المعدن الأصفر الذي أنهى الأسبوع على تراجع، لكنه سجل مكاسب أسبوعية في حدود الـ 1 بالمئة.
ويشار إلى أنه في العام 2023، سجلت أسعار الذهب أفضل أداء سنوي في ثلاثة أعوام وسط تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
- أضاف الاقتصاد الأميركي وظائف بأكثر ضعف التوقعات خلال شهر يناير الماضي، كما ظل معدل البطالة دون تغيير، بحسب بيانات وزارة العمل الأميركية.
- أضاف القطاع الخاص غير الزراعي 317 ألف وظيفة خلال شهر يناير الماضي، بأكثر من ضعف عدد الوظائف الجديدة المتوقع البالغ 155 ألف وظيفة.
- كما تم تعديل عدد الوظائف التي أضافها القطاع الخاص في الولايات المتحدة خلال ديسمبر الماضي بالرفع إلى 278 ألف وظيفة، مقابل العدد السابق البالغ 164 ألف فقط.
علاقة عكسية
كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية، نضال الشعار، يشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن الذهب يعتبر من أصعب الأوعية الاستثمارية التي يمكن تحليل قوى العرض والطلب بها بشكل دقيق ومن ثم التنبؤ بمستقبلها.
ويضيف الشعار أن الذهب كباقي الأوعية الادخارية يخضع لقوى العرض والطلب، لكنه يختلف عن غيره في كون عوامل الطلب فيه مختلفة نوعاً ما عن عوامل الطلب الموجودة في المواد الأخرى كالمعادن الأخرى، حيث ينقسم الطلب فيه إلى:
- الطلب من أجل الزينة.
- الطلب من أجل الإدخار، خصوصًا في أوقات ارتفاع معدلات التضخم.
- طلب البنوك المركزية على الذهب كاحتياطي لها.
ويشير إلى أن هناك علاقة عكسية بين سعر صرف الدولار وسعر أونصة الذهب؛ على اعتبار أنه يتم تسعير الذهب بالدولار وبالتالي كلما ارتفع سعر الدولار انخفض سعر الذهب، مبينًا أن هذه العلاقة بدأت تضعف بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة لدرجة أنها لم تعد موجودة في بعض الأحيان، وخاصة مع ظهور لاعب جديد في الصورة وهي العملات المشفرة، التي بدأت يظهر ارتباط بينها وبين سعر الدولار وتأتي ضمن خيارات المستثمرين الرئيسية.
أبرز السيناريوهات
ويتوقع الشعار أنه حال حدوث تحسن اقتصادي عالميًا في 2024، لن يكون هناك ارتفاع في سعر الذهب، والذي من المرشح أن يظل في المستويات الحالية بين 2010 إلى 2075 دولار للأونصة، موضحاً أن الأسعار مرشحة للانخفاض حال استمرار البنوك المركزية العالمية في الحفاظ معدل فائدة مرتفع، لكن ذلك ليس متوقعاً في ظل تصريحات الفيدرالي الأميركي بأن أسعار الفائدة لن تنخفض في مارس المقبل، وسيتم تثبيتها حتى منتصف 2024 إلا إذا وقعت أحداث استثنائية.
وأبقى الفيدرالي على معدلات الفائدة عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى للفائدة في أكبر اقتصاد بالعالم منذ نحو 22 عاما، لكنه ألمح بقدر كبير إلى خفضها في الأشهر المقبلة في بيانه بشأن السياسة النقدية، والذي خفف من مخاوف التضخم ومخاطر أخرى على الاقتصاد.
ويذكر الشعار أن الاضطربات الجيوسياسية كالحرب في أوكرانيا وغزة سيكون لها تأثير، لكن يعتقد بأنه “تأثير متواضع”، أما العوامل المؤثرة بشكل واضح فهي معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأيضًا سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى.