«الخليج» – وكالات
لم يكن شروق الخامس من شهر فبراير عام 1985 عادياً حيث أطلقت مدينة ماديرا البرتغالية صاروخاً إلى فضاء الساحرة المستديرة، لينفجر معلناً عن ميلاد أحد أباطرة كرة القدم العالمية، إنه كريستيانو رونالدو، الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده التاسع والثلاثين.
لم يولد كريستيانو رونالدو دوس سانتوس أفيرو الذي يحلق على قمة الأمجاد الكروية وتنتشر متاجره في أنحاء أوروبا وتبلغ ثروته المليارات، في أكناف أسرة غنية أو معروفة، إنما ترعرع في براثن الفقر والحرمان في أسرة بالكاد تتدبر قوت يومها، حيث عمل والده بستانياً في ملاعب فريق برتغالي من الدرجة الثالثة، فيما عملت والدته سابقاً طاهية في أحد المطاعم، وسكن مع أسرته في منزل متواضع كان سقفه من الصفيح.
ومنذ نعومة أظافره تعلق بكرة القدم، فأهمل دراسته بشكل كبير، واشتكى منه معلموه كثيراً، لكن تفكير ذلك الطفل كان يذهب باتجاه واحد فقط هو كرة القدم.
ومن الأقدار الجميلة التي سهلت على الدون مشواره أن والده أدرك مبكراً موهبته الفذة، وأين يكمن سره بعيداً عن المدرسة فضمه للنادي الذي يعمل به، وعندما بلغ العاشرة من عمره ذاع صيته بين أقرانه، الأمر الذي لفت نظر نادي ناسيونيال البرتغالي، الذي ضمه إلى صفوفه.
وفي غضون عامين من اللعب في صفوف النادي البرتغالي، أصبح الفتى الذهبي مطمعاً لأهم الأندية البرتغالية (سبورتينغ لشبونة)، الذي ضمه إلى فئاته العمرية، وشكل هذا نقطة تحول في تاريخه الكروي، كونه بات لاعباً بواحدٍ من الفرق الشهيرة في العالم.
لكن مسيرة الدون كانت مهددة بالتوقف تماماً، بعد أن عانى تسارعاً في نبضات قلبه، واضطر على أثرها لإجراء عملية عن طريق الليزر، تم خلالها كيُّ أحد شرايين قلبه لتحل المشكلة، ويعاود تدريباته بعد ثلاثة أشهر.
عاد الفتى البرتغالي بعد التعافي من التدخل الطبي متألقاً، ومعبراً عن موهبة فذة ونادرة، وإصرار وعزيمة قل نظيرهما، ما لفت نظر خوسي فيغا، أحد أشهر وكلاء اللاعبين البرتغاليين فتعاقد معه، وجلب له عام 2001 أول عقد احترافي براتب شهري يقدر بـ2000 يورو، وشرط جزائي بلغت قيمته 20 مليون يورو.
بعد فترة قصيرة لم تتعد عاماً واحداً، لفت رونالدو نظر أشهر وكلاء اللاعبين في العالم، خورخي ميندز، الذي أقنع رونالدو بقدرته على تغيير حياته في حال وقع معه، وهو الأمر الذي تم فعلاً.
- في اليونايتد بديلاً لبيكهام
لم يكد يلمع بريق صاروخ ماديرا، إلا ووجد نفسه محاطاً بالعروض الاحترافية في أندية عالمية، كفالنسيا وليفربول وبرشلونة، وأرسنال الإنجليزي، الذي كان يدربه الفرنسي أرسين فينغر، وكان النجم البرتغالي على بُعد خطوات من التعاقد معه ولكن بعض الخلافات المالية حالت دون ذلك.
وعقب تعثر انضمامه لارسنال استغل نادي مانشستر يونايتد الوضع لحسم الصفقة لصالحه، لتفتح بأقدام البرتغالي قلوب الجماهيير الإنجليزية، حيث جاء للقلعة الحمراء تعويضاً لأسطور النادي الحية آنذاك ديفيد بيكهام، عقب رحيله إلى نادي ريال مدريد الإسباني.
وأصبح رونالدو أول لاعب من البرتغال يوقع مع نادي مانشستر يونايتد بعقد قدر بخمسة عشر مليون دولار، وطلب في البداية رقم ثمانية وعشرين، وهو الرقم الذي كان يرتديه مع نادي سبورتينج لشبونة، لتجنب ضغوط ومراهنات الجماهير، المرتبطة بالرقم 7، الذي ارتداه أفضل اللاعبين وأشهرهم، ولكن نظرة المدير الفني، ألكس فيرغسون الثاقبة، جعلته يرفض إعطاءه هذا الرقم المهمش، حيث رأى فيه صورة نجم المستقبل، وأصر على إعطائه الرقم 7.
وسطع نجم رونالدو سريعاً ليس فقط بين أسوار القلعة الحمراء، إنما طغى على صناعة كرة القدم في العالم بأثره، وبات واحداً من أهم اللاعبين في العالم، إذ قاد النادي إلى الفوز بلقب الدوري بعد غياب أربع سنوات، وبعدها أحرز دوري أبطال أوروبا لينال الحذاء الذهبي كهداف للدوريات الأوروبية، ويختم عامه ذلك بالفوز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، لأول مرة في مسيرته.
- أربعون هدفاً في موسم واحد
موسم 2006 و2007 كان استثنائياً بالنسبة إلى كريستيانو رونالدو، فقد كسر حاجز العشرين هدفاً، وحصل فيه على لقب الدور الأول له مع نادي مانشستر يونايتد.
وفي يوم السادس والعشرين من مايو عام 2008، شارك رونالدو لأول مرة في نهائي دوري أبطال أوروبا، ضد نادي تشيوس.
وسجل هدفاً في مرمى بيتر تشيك في الدقيقة السادسة والعشرين، وصلت المباراة بعدها إلى ضربات الترجيح، وفاز مانشستر يونايتد باللقب، واختير رونالدو في ذلك اليوم، رجلاً للمباراة، من طرف المشجعين، واختتم الموسم باثنين وأربعين هدفاً في جميع المسابقات.
- أمجاد مدريد الذهبية
في الحادي عشر من يونيو عام 2009، قبل نادي مانشستر يونايتد بالعرض المقدم من نادي ريال مدريد، بمبلغ قدر بثلاثة وتسعين مليون يورو، وبعد موافقة ألكس فيرجسون على الصفقة، أعرب رونالدو بعد إتمامه للإجراءات عن امتنانه تجاه المدرب، لمساعدته على تطويره كلاعب.
وفي يوم السادس والعشرين يونيو من نفس العام، أكد نادي ريال مدريد أن كريستيانو رونالدو سينضم في الأول من يوليو بعد أن وقع عقداً مدته ست سنوات، وفي السادس من يوليو تم تقديمه لوسائل العالم العالمية، باعتباره لاعباً في ريال مدريد، وتم تقديمه على الجماهير التي بلغت حوالي 80 ألف مشجع، وجاءوا للترحيب بكريستيانو في عرض تاريخي في ملعب سانتياغو، بحضور أسطور ريال مدريد، ألفريدو دي ستيفانو.
وبالنسبة للمدريديين على وجه الخصوص والكرويين عموماً سيظل عام 2009 الرياضي محفوراً في الذاكرة بهذا الانتقال الذي مهد لمنافسة كروية هي الأقوي منذ مهد صناعة كرة القدم.
ولعب رونالدو أول مباراة له مع ريال مدريد، يوم الواحد والعشرين من يوليو، عام 2009 أمام شام روبروفس الإيرلندي، التي فاز فيها بنتيجة 1 إلى صفر.
مع رحيل راؤول أسطورة النادي إلى نادي شركا الألماني في صيف عام 2010، تم تسليم رونالدو رقم 7، وهو نفس الرقم الذي كان يرتديه في ناديه السابق، مع مانشستر يونايتد، كان موسم 2011 و2012، موسماً مذهلاً للاعب البرتغالي.
وفي يوم 21 إبريل عام 2012، تمكن ريال مدريد بقيادة كريستيانو رونالدو من الفوز على الغريم الأزلي، نادي برشلونة، في ملعب الكامب نو، بعدما استعصى عليه في السنوات الأخيرة، وأبعده عن اللقب الثاني والثلاثين في تاريخه.
وفي الثالث من مايو عام 2012 سجل رونالدو ضد نادي مايوركا هدفاً، جعله أول لاعب في تاريخ الدوري الاسباني، يسجل في مرمى كل الفرق المنافسة، في موسم واحد.
وفي موسم 2016 و2017 وصل إلى هدفه رقم مائة، في دوري أبطال أوروبا، ليصبح أول لاعب كرة قدم، يصل إلى ذلك الرقم، كما حقق ريال بقيادته اللقب الثاني عشر.
وتوج كريستيانو رونالدو، كأفضل لاعب في العالم، للمرة الخامسة في تاريخه، وحصل على ثالث لقب أوروبي على التوالي مع ريال مدريد.
وبعد تسع سنوات من النجاح والتألق، وتحديداً في العاشر من يوليو عام 2018، أعلن نادي يوفنتوس الإيطالي، ضم المهاجر كريستيانو رونالدو، قادماً من ريال مدريد الإسباني.
وبعد انتقاله إلى يوفنتوس استمر لاعب البرتغال، في عرض مسلسل عطاءاته في كرة القدم، وتميزه، ليقول في كل مباراة إنه ينافس باستماتة ليظل من أفضل اللاعبين الذين مروا في تاريخ الساحرة المستديرة كرة القدم.
وفي عام 2018، فجر نادي يوفنتوس الإيطالي مفاجأة مدوية، بعد أن أعلن تعاقده مع الدون، الذي فاز معه بخمسة ألقاب محلية، لكنّ مسيرته مع «السيدة العجوز» لم تطل كما أريد لها، ليشهد عام 2022 مفاجأة أخرى، بإعلان عودته إلى ناديه الأم مانشستر يونايتد، إلا أن خلافاته مع مدربه تين هاغ، وهجوم رونالدو عليه في مقابلته الصحفية الشهيرة مع الصحفي بيرس مورغن، عجلت بفسخ عقده مع اليونايتد، وجاءت خلال مشاركته في مونديال كأس العالم بقطر، الذي خرجت منه البرتغال أيضاً، وسكب رونالدو الدموع كثيراً بعد خسارته أمام المغرب في مشهد يصعب نسيانه.
- رونالدو الأغلى في التاريخ
وفي صفقة وصفت بالأضخم في تاريخ كرة القدم، وأكبرها على الإطلاق، انتقل الدون لنادي النصر السعودي عام 2023، ليصبح دوري روشن السعودي واحداً من أهم الدوريات العالمية ومحط أنظار كبار لاعبي العالم وأهمهم.
ويصف رونالدو حياته بجملة اشتهر بها، عندما قال عن نفسه «ابتسم دائماً، فأنا رجل سعيد ومحظوظ لأنني ألعب في نادٍ رائع، ولديَّ عائلة رائعة، وأربعة أولاد، وأنا بصحة جيدة، وأملك كل شيء».
- إنجازاته الشخصية
استلم «الدون» الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم خمس مرات (2008 و2013 و2014 و2016 و2017).
بالإضافة إلى جائزة الاتحاد الدولي (فيفا) لأفضل لاعب في العالم (2008 و2016، و2017)، وحقق لقب أفضل هداف على صعيد البطولات الأوروبية المحلية أربع مرات (2008 و2011 و2014 و2015)
وسُمّي أفضل هداف في دوري أبطال أوروبا سبع مرات 2007-2008 (8 أهداف) و2012-2013 (12 هدفاً) و2013-2014 (17 هدفاً) وموسم 2014-2015 (10 أهداف) و2015-2016 (16 هدفاً)، و2016-2017 (12 هدفاً) و2017-2018 (15 هدفاً).
كما يعتبر أفضل هداف في تاريخ دوري الأبطال (140 هدفاً من دون الأدوار التمهيدية)، وأفضل هداف في إسبانيا ثلاث مرات أعوام 2011 (41 هدفاً) و2014 (31 هدفاً) و2015 (48 هدفاً)، ولقّب بأفضل هداف في الدوري الإنجليزي مرة واحدة عام 2008 (31 هدفاً)، بالإضافة إلى أفضل هداف في الدوري الإيطالي مرة واحدة عام 2021 (29 هدفاً).