لطالما كانت دول العالم العربي مستهلكة لمحتوى الأنمي، فن الرسوم المتحركة الذي نشأ في اليابان، واكتسب اعترافاً عالمياً، لكن خلال السنوات الأخيرة، وبمساعدة شركة ( مانغا للإنتاج)، استطاعت السعودية التحول من مستهلك إلى منتج ومصدر لمحتوى الأنمي ببصمة عربية، فكيف حققت ذلك؟
قال الرئيس التنفيذي لشركة (مانغا للإنتاج)، عصام البخاري، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، «على مدى سنوات طويلة كنا دولاً تستهلك المحتوى، الآن نحن نصنع هذا المحتوى ونصدره وبكل بفخر إلى العالم على أيدي شبابنا وشاباتنا».
وأنتجت الشركة التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان (مسك) مسلسل «أساطير في قادم الزمان» في عام 2019، والذي بدأ بثه عام 2020، كما أنتجت أول فيلم أنمي ياباني سعودي بعنوان « الرحلة»، الذي صدر في 2021، ضمن تعاون مشترك مع شركة (توي أنيميشن) اليابانية بدأ عام 2017.
كما طورت الشركة العديد من ألعاب الفيديو وقصص الرسوم المتحركة التي تستهدف الشباب السعودي، وفي الرابع عشر من نوفمبر تشرين الثاني 2023 أطلقت (مانغا للإنتاج) لعبة مغامرات الفضاء «غريندايزر: وليمة الذئاب» بالتعاون مع شركة مايكرويد الفرنسية لتطوير ونشر ألعاب الفيديو، لتعيد لنا ذكريات الأنمي الشهير الذي عرض لأول مرة في الثمانينيات.
تأتي هذه الجهود في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى دخول المنافسة في سوق الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو العالمية، وتزداد هذه الفرصة بالنظر إلى التوقعات المتزايدة باستمرار لتوسع سوق الأنمي العالمية خلال السنوات المقبلة، وتزايد اهتمام الشباب العربي بهذا النوع من الفن.
وتتمتع السعودية بأكبر جمهور للأنمي والمانغا بين الدول العربية، وبالتالي أكبر صناعة وسوق للأنمي في الشرق الأوسط، بحسب تقرير ( سي سي سي إنترناشيونال).
وذكر عصام البخاري، أن عدد مشاهدي الأنمي في السعودية كان نحو 13 مليوناً في عام 2022، وقد وصل هذا الرقم إلى نحو 60 مليوناً في دول الوطن العربي، ما يثبت حجم السوق الضخم، ويعزز الحاجة إلى إيجاد ميزة تنافسية في هذه السوق محلياً وعالمياً.
صناعة الأنمي ببصمة سعودية.. تحديات وجهود
من المؤكد أن اللغة هي أحد أكبر العوائق أمام انتشار صناعة الأنمي ببصمتها العربية، وهو ما تحاول أن تتحداه شركة مانغا للإنتاج، عن طريق صناعة الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو والقصص المصورة في السعودية.
وأشار عصام البخاري، الرئيس التنفيذي لـ(مانغا للإنتاج) إلى أن التحديات الأخرى التي واجهت صناعة الأنمي في العالم العربي قبل سنوات، شملت جودة المحتوى العربي الضعيفة في منافسة المحتوى العالمي، فضلاً عن الفرص الضئيلة التي تلائم المواهب العربية والسعودية التي تعمل على مشاريع الأنمي.
كما أضاف أن الأعمال الموجودة للأنمي في العالم العربي، لم تكن تقدم الصورة الصحيحة عن الثقافة العربية، وهذه التحديات هي ما حاولت (مانغا للإنتاج) تجاوزها في أعمالها الخاصة بالرسوم المتحركة وألعاب الفيديو وكتابة المانغا.
وضمت جهود (مانغا للإنتاج) شراكة مع شركة (توي أنيميشن) اليابانية، والتي استهدفت فتح المجال لتدريب المواهب السعودية على أيدي الخبراء اليابانيين قبل استقطابهم للعمل على إنتاج مشاريع الشركة، بحسب ما قاله عصام البخاري في حديثه لـ«CNN الاقتصادية».
بالإضافة إلى إطلاق برنامج تدريبي لأسس صناعة القصص المصورة «المانغا» الفن الياباني الشهير، ضمن شراكة تجمع بين (مانغا للإنتاج) وهيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية، مع أكاديمية كادوكاوا في مدينة طوكيو اليابانية.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، تجاوز عدد المسجلين في البرنامج 1,700 متدرب ومتدربة في الورش الافتراضية، تأهل منهم 75 للبرنامج التدريبي المكثف، أنتجوا 75 قصة مصورة، وابتُعث 14 متدرباً ومتدربة إلى اليابان لصقل مواهبهم على أيدي خُبراء في هذا الفن.
كما أطلقت وزارتا الثقافة والتعليم السعودية بالشراكة مع «مانغا للإنتاج»، برنامج «تعليم المانغا» لإنتاج القصص المصورة، لنحو ثلاثة ملايين طالب وطالبة في المراحل المتوسطة والثانوية في المدارس الحكومية عبر «منصة مدرستي» الإلكترونية، بهدف تطوير المواهب السعودية.
هل تسهم صناعة الأنمي في دعم اقتصاد المملكة؟
لا تزال صناعة الأنمي والرسوم المتحركة والمانغا السعودية في مهدها، وبالنظر إلى حجم اقتصاد المملكة، فمن الصعب قياس مساهمة هذه السوق الناشئة بالنسبة للاقتصاد في الوقت الراهن.
ومع ذلك، يرى البخاري أن التفاؤل كبير بشأن مستقبل هذه الصناعة، خاصة في ظل توقعات تجاوز قيمة سوق ألعاب الفيديو السعودية نحو 6.5 مليار دولار بحلول 2030، من نحو مليار دولار الآن.
الأنمي يصدّر الثقافة العربية إلى العالم
بدأت أعمال الأنمي السعودية بالانتشار على المنصات العالمية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما أكده عصام البخاري، رئيس (مانغا للإنتاج)، إذ تجاوزت مشاهدات مسلسل «أساطير في قادم الزمان» 100 مليون مشاهدة على أكثر من 40 منصة عالمية.
كما تُرجم أنمي «الرحلة» السعودي إلى ست لغات حتى الآن على نحو 52 منصة عالمية، وحصد جائزة سيبتيميوس الهولندية لعام 2022 عن كونه أفضل فيلم تجريبي، وهي الأولى من نوعها في تاريخ الأفلام السعودية والعربية.
وبالإضافة إلى ذلك، تشارك شركة «مانغا» بجناح كبير في معرض «كوميك كون» الذي تقام نسخته في الشرق الأوسط كل عام في مدينة أبوظبي، وسيقام هذا العام بين التاسع والحادي عشر من فبراير شباط، ومن أبرز مكونات هذا الجناح غرفة مخصصة للدبلجة تتيح لزوار المعرض تجربة مهاراتهم الصوتية في الدوبلاج أمام الحضور.
وقال عصام البخاري، «أعتقد أن السر التميز عندنا هو اعتزازنا بقصصنا وأبطالنا»، مشيراً إلى أن أحد المشاريع الكبيرة لدى (مانغا للإنتاج) يتعلق بتاريخ الدولة السعودية، والذي يرسم لأول مرة شخصية الإمام محمد بن سعود، بالتعاون مع (دارة الملك عبدالعزيز)، واستناداً إلى المعلومات التاريخية.
وأضاف «الآن عندما نرسم هذه الشخصيات العربية، ونقدمها في أعمال فنية، نحن نلهم أطفالنا وشبابنا من أبطالنا لكي يقتدوا بهم، لكي يكونوا هم أبطالاً في المستقبل».