ربط خبراء اقتصاد ومحللون ماليون بين انتعاش أرباح الشركات اليابانية والارتفاعات القوية لمؤشر نيكي في الفترة الأخيرة واستهدافه مستويات 39000 نقطة بضعف الين وانخفاض قيمته بنحو 6 بالمئة منذ بداية العام الحالي، معتبرين في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن إبقاء سعر الين منخفضاً يمثل جزءاً من سياسة الحكومة والبنك المركزي الياباني في مواجهة التحديات الاقتصادية.
ارتفع مؤشر نيكي 225 في بورصة طوكيو باليابان، متجاوزاً الرقم القياسي الذي سجله عام 1989، وأغلق المؤشر في ختام جلسة الخميس عند 39098.68 نقطة بارتفاع بلغ 2.2 بالمئة، كما ظل المؤشر يحوم لأسابيع حول أعلى مستوى له خلال 34 عاماً.
كما حقق مؤشر نيكي مكاسب في الأسبوع المنتهي بـ 22 فبراير (على اعتبار أن 23 فبراير إجازة رسمية في اليابان) بحوالي 2.5 بالمئة. وارتفع توبكس بـ 2.6 بالمئة.
وكان كل من مؤشر نيكي وتوبكس الأوسع نطاقاً متفوقين في الأداء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث ارتفع مؤشر نيكي بأكثر من 16 بالمئة حتى الآن هذا العام، في حين سجل توبكس مكاسب بنحو 12 بالمئة، وكان مؤشر نيكي قد قفز بأكثر من 25 بالمئة في عام 2023 في أفضل مكاسب سنوية في عقد على الأقل.
ودفعت الأرباح القوية للشركات اليابانية استراتيجيي الأسهم في بنك أوف أميركا إلى رفع توقعاتهم لنهاية العام 2024 لمؤشر نيكي 225 إلى 41000 نقطة من 38500 نقطة. ورفعوا توقعاتهم لمؤشر توبكس إلى 2850 نقطة من 2715 نقطة.
كما تظهر بيانات من بورصة طوكيو ارتفاع الاستثمارات الأجنبية في سوق الأسهم بأكثر من 2 تريليون ين (13.8 مليار دولار) في شهر يناير.
المركزي الياباني يحافظ على ضعف الين لتشجيع التصدير
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال الدكتور نضال الشعار، كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا: “قدم اليابان خلال العامين الماضيين تجربة مهمة في مواجهته للتحديات الاقتصادية التي عانت منها أغلب دول العالم بعد جائحة كورونا، إذ ادعت الحكومة والبنك المركزي محاولتهما لدعم الين الذي انخفضت قيمته ووصلت إلى أكثر من 150 يناً للدولار الواحد، لكن في الواقع، لم يتم دعمه وأبقيا على سعره المنخفض بهدف تشجيع التصدير ما أسهم في إنعاش الشركات التي كانت (حدية) وأصبحت شبه رابحة وزادت إيراداتها عن السابق، وقد نفذت اليابان هذه التجربة بصمت شديد وهو ما أدى إلى ارتفاع مؤشر نيكي بهذا المستوى الذي نشاهده خلال الفترة الأخيرة.
بينما الصين على سبيل المثال لم تقم بنفس التجربة التي نفذتها اليابان، بل على العكس دعمت الصين عملتها، إذ تحرك اليوان خلال العام الماضي ما بين 7.1 و7.3 مقابل الدولار الأميركي، ولم تسمح له السلطات بالانخفاض لتشجيع التصدير وذلك اعتماداً على أن الصين تعتبر دولة مصدرة وهي المخزن العالمي لكل البضائع والمنتجات، بحسب الدكتور الشعار.
ورداً على سؤال حول إمكانية استمرارا ارتفاع الأسهم مع بقاء سعر الين منخفضاً أجاب الشعار: “قد يستمر هذا الارتفاع في حال بقاء سعر الين منخفضاً مقابل العملات الأخرى، لكن التجربة اليابانية انكشفت، بمعنى اتضحت أسباب ارتفاع الأسهم، وفي الوقت ذاته أعتقد أن المركزي الياباني اكتفى بهذا الانخفاض في قيمة الين، وبالتالي أرجح ألا يستمر هذا الأداء المرتفع للأسهم”.
التخلص من سعر الفائدة السلبية يدعم الاقتصاد
وأضاف كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا: “إن السياسة النقدية للبنك المركزي الياباني يجب أن تتضح حالياً، ويعد التخلص من سعر الفائدة السالب في الفترة المقبلة إيجابياً بالنسبة لاقتصاد البلاد، لكن بطبيعة الحال فإنه لن يكون سعر الفائدة بنفس مقدار أسعار الفائدة في الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وحتى الصين بسبب عدة عوامل مرتبطة بخصوصية اقتصاد اليابان التي تختلف عن كل اقتصادات العالم هذه الخصوصية تتعلق بالإرث الثقافي والاجتماعي والعادات التجارية، بالإضافة إلى أن أسعار الفائدة ومعدلات الضخم منخفضة تاريخياً وكذلك الأجور لا ترتفع مثل ارتفاعها في الدول الأخرى”.
تجربة ذكية وصامتة
فالتضخم غير مقبول في الاقتصاد الياباني ولن يكون هدف المركزي الياباني للتضخم 2 بالمئة كما البنوك المركزية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا في حال حدوث توترات جيوسياسية مفاجئة تؤثر على الاقتصاد الياباني بشكل مباشر كما حدث بداية السبعينيات من القرن الماضي عندما ارتفعت أسعار الطاقة بسبب ما يعرف بحظر النفط والذي أدى إلى ارتفاع التضخم إلى ما يقرب من 30 بالمئة، وارتفاع أسعار الفائدة إلى 9 بالمئة، لكن تاريخ اليابان في العموم يتميز بانخفاض معدلات الفائدة والتضخم، والحكومة والبنك المركزي يتعاملان بطريقة ذكية هادئة وصامتة في مواجهة التحديات الاقتصادية، ونتيجته ما نشاهده الآن من ارتفاعات في أسهم الشركات اليابانية، طبقاً لما قاله الدكتور الشعار.
التوقعات تدعم استمرار هبوط الين
من جهته، قال رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة “Equiti” رائد الخضر”: “شهد مؤشر نيكي الياباني ارتفاعات قوية في الآونة الأخيرة لينجح في تسجيل مستويات قياسية واستهدف مستويات 39000 نقطة بدعم من أرباح البنوك والأسهم المرتبطة بالمستهلكين والإلكترونيات، كما أن مؤشر نيكي كان من أكثر المستفيدين من انخفاض الين الياباني، حيث انخفضت العملة بحوالي 6 بالمئة منذ بداية عام 2024، ولا تزال أغلب التوقعات تدعم استمرار هبوط العملة الفترة المقبل”.
ويعتبر بنك اليابان متأخراً في سياسته النقدية عن بقية البنوك المركزية التي اتجهت لرفع الفائدة منذ نهاية عام 2021، ففي الوقت الذي تسارعت فيه البنوك المركزية وعلى رأسهم الفيدرالي الأميركي في تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة بقوة لأعلى مستوياتها منذ عقود، كان بنك اليابان يتبع السياسة النقدية التوسعية والتي تستهدف الاستمرار في الفائدة السلبية، وهذا التباين الواضح في السياسات النقدية بين بنك اليابان وبقية البنوك المركزية الأخرى، تسبب في انهيار قيمة الين مقابل أغلب العملات طوال الأعوام الماضية، بحسب الخضر.
ويشرح الخضر أن البنك المركزي الياباني اضطر لاتباع تلك السياسات النقدية مع استمرار مخاوف الانكماش والركود في السيطرة على الاقتصاد، وعلى الرغم من وجود علامات على ارتفاع التضخم قليلاً في الفترة الأخيرة، إلا أن المستويات الحالية لا تدعم التغيير في السياسة النقدية أو إجراء أي تعديلات على الأقل في النصف الأول من العام، كما ويبدو أن الين في طريقه إلى الانخفاض بوتيرة أسرع نحو أدنى مستوياته في 33 عامًا الذي لامسه في أواخر العام الماضي.
وأشار إلى أن ضعف قيمة الين وانخفاضها شكل سبباً رئيسياً لانتعاش الأسهم اليابانية بشكل عام وجذب رؤوس الأموال الخارجية داخل البلاد، إذ أظهرت الإحصائيات الأخيرة ارتفاع الاستثمارات الأجنبية في سوق الأسهم بأكثر من 2 تريليون ين، وبالتالي قد تشهد الشركات المدرجة في البورصة أرباحاً قياسية في نهاية العام المالي بمارس 2024 للعام الثالث على التوالي.
هل يمكن أن تكون ارتفاعات الأسهم مجرد فقاعة تتجه للانفجار؟
لا يعتقد مراقبو السوق أن الأداء القوي للأسهم المحلية في الأسابيع الأخيرة يعيد إلى الأذهان جنون شراء الأسهم في أواخر الثمانينيات.
يقول ريوتا ساكاغامي، خبير استراتيجيات الأسهم في سيتي غروب، أنه خلال فترة فقاعة الأسهم “لم تكن أسعار الأسهم مبنية على أساسيات أداء الشركات على الإطلاق. لقد كانت فقاعة حقيقية.”
ويقول مراقبو السوق إن ارتفاع الأسهم اليابانية هذه المرة مدعوم بشكل جيد بالأرباح.
ووفقًا لصحيفة نيكي الاقتصادية اليومية، من المتوقع أن تحقق الشركات اليابانية المدرجة في بورصة طوكيو أرباحًا صافية قياسية للعام الثالث على التوالي حتى 31 مارس 2024.
عندما لامس مؤشر نيكي ذروته السابقة في ديسمبر 1989، بلغ مكرر الربحية وهو نسبة السعر إلى العائد على السهم (مقياس رئيسي للتقييم) للأسهم في بورصة طوكيو 61 مرة، وفقًا لتقرير صادر عن شركة سوميتومو ميتسوي تروست لإدارة الأصول.
بشكل عام، يشير مكرر الربحية المرتفع إلى أن الأسهم مبالغ في تقييمها. بالنسبة للشركات اليابانية، غالبًا ما يُعتبر معدل يقل عن 15 مرة مقيمًا بأقل من قيمته الحقيقية.
ومكرر الربحية لأسهم نيكي في الآونة الأخيرة عند حوالي 15.
وقال ساكاغامي، استناداً إلى النسب الحالية: “أعتقد أن الوضع مختلف تماماً عن الوضع في عام 1989”
كما بلغ صافي مشتريات المتداولين الأجانب من الأسهم اليابانية نحو 2.07 تريليون ين (13.8 مليار دولار) في يناير، وهو سابع أكبر إجمالي في شهر واحد.
من جانبه، يعتقد رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة “Equiti” أنه على الرغم من أن ضعف قيمة الين ساهمت في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، إلا أن الاقتصاد اليابان يعاني من ركود واضح وقوي. وبالتالي فاستمرار تلك الأوضاع مع استمرار انخفاض وتيرة النمو السكاني والمخاطر التي تواجه الاقتصاد، قد يؤثر على أداء الشركات في الفترة المقبلة.
عوامل داعمة لارتفاع مؤشر نيكي
أما عن الأسباب التي قد تدعم استمرار ارتفاع مؤشر نيكي فيشير الخضر إلى اعتماد مؤشر نيكي بشكل رئيسي على أسهم القطاع الغذائي وأشباه الموصلات والتي تعكس التوجه العالمي بشكل كبير، إذ زاد في الفترة الأخيرة الطلب على أشباه الموصلات بوتيرة كبيرة ما دعم أسهم هذا القطاع على الصعيد العالمي.
وعلى سبيل المثال ارتفعت أرباح شركة إنفيديا بوتيرة كبيرة، فهي واحدة من أكبر منتجي وحدات معالجة الرسومات وسط توجه الطلب العالمي نحو معدات الذكاء الاصطناعي، وفي الربع الأخير من العام الماضي بلغت إيرادات الشركة 22 مليار دولار بزيادة بنسبة 22 بالمئة على أساس ربع سنوي.
وبالتالي هناك العديد من العوامل التي قد تدعم استمرار ارتفاع مؤشر نيكي الياباني وتتمثل أهمها في استمرار الطلب على أشباه الموصلات والتوجه نحو تطوير الذكاء الاصطناعي وهو أحد أهم القطاعات الرئيسية التي تحرك المؤشر، كما يجب الوضع بعين الاعتبار أيضاً أن نيكي من أكثر المؤشرات التي تتأثر بالعوامل الخارجية، وتالياً فاستعداد الأسواق حالياً لتغيير السياسة النقدية والتوجه نحو خفض الفائدة، قد يساهم في زيادة الطلب على الأسهم العالمية الفترة المقبلة ولا سيما مؤشر نيكي مع استمرار تراجع الين الياباني، بحسب محلل الأسواق الخضر.