«الخليج» – وكالات
مضى أكثر من عامين على بدء روسيا عمليات عسكرية في أوكرانيا المجاورة، دون حدوث حسم ينهي المعارك الضارية، لصالح هذا الطرف أو ذاك، فيما يقول خبراء غربيون إن موسكو لم تكن تعتقد أن تسير الأمور في هذا المنحى، حيث كانت كل التوقعات تقول أن الحرب لن تستغرق أكثر من بضعة أيام ولن يصمد الأوكرانيون بجيشهم القديم أمام آلة الحرب الروسية الجرارة والأكثر حداثة، فما هي اسباب تأخر الحسم في أوكرانيا؟
استطاعت روسيا بالفعل أن تسيطر على نسبة مهمة من الأراضي في أوكرانيا إلى جانب مساحات حيوية في الجنوب، وبلغ إجمالي المساحات التي خضعت لسيطرتها حتى الآن روسيا حالياً على ما يقل قليلاً عن خُمس مساحة أوكرانيا.
لكن القوات الأوكرانية استطاعت أن ترابط أمام التقدم الروسي، ويقول الغرب أنهم نجحوا بشدة في إبطاء القوات الروسية المتقدمة على جميع المحاور وعوقوا توغلاتها السريعة التي ظهرت مع ساعات اندلاع الحرب الأولى.
المساعدات الغربية
ومع تقادم أيام الحرب يبدو أن رياح الحرب لم تجر كما تشتهي سفن موسكو، توالت الأيام والشهور، وأبلى جيش أوكرانيا، صاحب المركز الخامس عشر عالمياً، بلاء مفاجئاً في مواجهة ثاني أقوى جيش في العالم، حسب تصنيف مؤشر «غلوبال فاير باور» لسنة 2023.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الجيش الأوكراني أحدث مفاجآت كبرى في هذا الحرب، مستفيداً في ذلك من المساعدات العسكرية السخية التي قدمتها الولايات المتحدة.
وعلى مدى العامين الماضيين، حصلت أوكرانيا من حلفائها على حجم كبير من المساعدات العسكرية والمالية والإغاثية – تقدر بنحو 92 مليار دولار من مؤسسات تابعة للاتحاد الأوروبي، و73 مليار دولار من الولايات المتحدة حتى يناير/كانون الثاني 2024، بحسب معهد كايل الألماني للاقتصاد العالمي.
واستفادت أوكرانيا بشكل ملموس من آليات عسكرية غربية تضمنت دبابات ودفاعات جوية ومدفعية طويلة المدى.
وفي الولايات المتحدة، تعطلت في الكونغرس حزمة جديدة من المساعدات بقيمة 60 مليار دولار، واحتدم حولها جدال سياسي.
وفي الاتحاد الأوروبي، اعتمدت حزمة مساعدات بقيمة 54 مليار دولار في فبراير/شباط الجاري بعد مناقشات طويلة، لا سيما مع المجر -التي يرفض رئيس وزرائها فيكتور أوربان دعم أوكرانيا، ويعدّ أوربان حليفاً صريحاً لبوتين، كما يتهيأ الاتحاد الأوروبي، لإرسال كمية النصف من المليون قذيفة مدفعية تعهد بتزويد كييف بها مع نهاية مارس/آذار 2024.
السلاح الغربي الفعال
وبدون مساعدات أمريكية إضافية، تشير تقديرات المسؤولين الغربيين إلى أن الذخيرة لدى أوكرانيا سوف ينفد منها أولاً الصواريخ بعيدة المدى، ثم صواريخ الدفاع الجوي، ثم ذخائر المدفعية والصواريخ قصيرة المدى مثل صواريخ جافلين المضادة للدبابات، وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات.
وكانت كل فئة من الذخائر حاسمة بالنسبة للدفاع عن أوكرانيا، فالصواريخ بعيدة المدى، مثل صواريخ ستورم شادو التي زودتها بها المملكة المتحدة، أساسية في نجاح أوكرانيا في صد الأسطول الروسي في البحر الأسود مئات الأميال لفتح ممر شحن للحبوب والإمدادات الأخرى.
وأثبتت صواريخ الدفاع الجوي أهميتها بشكل خاص في الأسابيع الأخيرة، حيث وسعت روسيا هجماتها على البنية التحتية المدنية هذا الشتاء.
وكانت شبكة «سي إن إن» ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر أن الاستخبارات الغربية كانت تتوقع توسعاً في مثل هذه الهجمات في محاولة من جانب موسكو لكسر رغبة أوكرانيا في القتال، ومكنت الصواريخ قصيرة المدى القوات الأوكرانية من الدفاع ضد الدبابات والطائرات الروسية .
تكتيكات جديدة
لجأ الجيش الأوكراني إلى طرق وصفت بالارتجالية وغير التقليدية، لأجل الاستفادة من الأسلحة التي حصلت عليها البلاد، ومن الأمثلة على ذلك، أنهم قاموا بوضع أنظمة صواريخ على زوارق سريعة، الأمر الذي أدى إلى زيادة قوة أوكرانيا البحرية.
وتمكنت أوكرانيا من مواصلة الهجوم على أهداف روسية، من خلال الطائرات المسيرة «بيرقدار»، رغم أن هذه الأخيرة تتحرك بسرعة غير كبيرة لا تتجاوز 80 ميلاً في الساعة، استفادت أوكرانيا أيضاً من الكلفة غير المرتفعة لطائرات «بيرقدار»، كما أدخلت تعديلات على بعض المسيرات حتى تحمل قنابل وذخائر لأجل ضرب الأهداف الروسية.
وفي «اجتهاد آخر»، قام الجيش الأوكراني بوضع صواريخ «هارم» الأمريكية المضادة للرادار على متن المقاتلات السوفييتية «ميغ 29»، وهو أمر لم يجر القيام به على الإطلاق من ذي قبل في أي سياق عسكري، بحسب مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون».
وأدخل الأوكرانيون تعديلات على مستشعرات الاستهداف في تلك الطائرات، حتى تصبح قادرة على إطلاق الصواريخ الأمريكية، فنجحوا في المهمة، وفق ما نقلت «نيويورك تايمز» عن المسؤول الأمريكي الذي لم يجر ذكر اسمه.
صمود الاقتصاد الروسي
منذ أن استعرت الحرب باشر الغرب في فرض عقوبات غير عادية على الاقتصاد الروسي،لكن اللافت في الأمر أن الاقتصاد الروسي خالف التوقعات بما أظهره من صمود، وبما يدحض رهانات الغرب الذي عوّل بشكل كبير على العقوبات الاقتصادية من أجل خنق موسكو لدفعها إلى التراجع عن موقفها، لكنّ «اقتصادهم هو من تضرر بينما ظل الاقتصاد الروسي قوياً» طبقاً لما ألمح إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصريحات له قبل أيام.
بينما يعاني الاقتصاد الأوكراني أزمات خانقة، لا سيما مع ضرب مراكز الطاقة من قبل صواريخ الفرط صوتية الروسية، إضافة إلى اندلاع غضب أوروبي من المنتجات الأوكرانية التي أغرقت السوق الأوروبية، بسبب رفع الاتحاد الأوروبي الحواجز الجمركية عنها منذ 22 مايو2022؛ ما أدى إلى صعوبة منافسة المنتج الأوروبي للمنتجات الأوكرانية رخيصة الثمن.
وفي منتصف يناير من هذا العام، اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الحكومة، وأشار الأخير إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.5 في المئة، قبل أن يبين بوتين مع حسابات أكثر دقة، ازدياد معدل النمو عن هذه النسبة، بناء على نتائج العام السابق، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء (تاس) الروسية.
وممّا قاله الرئيس الروسي، إن اقتصاد بلاده يمتلك احتياطياً كبيراً يمكنه من النمو، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5 في المئة، ونمت الصناعة بنسبة 6 في المئة، والاستثمار 10 في المئة؛ ما يعني قدرة موسكو على مواجهة العقوبات، بينما انخفض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى 32 ملياراً.
كما حقّقت التجارة السلعية خلال العام الجاري فائضاً بلغ 308 مليارات دولار حسب الإحصاء الروسي، أو 292 مليار دولار حسب منظّمة التجارة العالمية، لتحتل روسيا بذلك الفائض الكبير المركز الثاني بعد الصين.
أمّا التضخم، فأشار إلى أنه وصل إلى 7.5 في المئة، وربما 8 في المئة، لكن البنك المركزي والحكومة «يتّخذان التدابير اللازمة لمواجهة ذلك».
وصنف البنك الدولي الاقتصاد الروسي في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث القوة الشرائية. ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 1.1 في المئة، في عام 2024.