في المشهد العالمي المعاصر الذي يشهد صعود النزعة القومية وكراهية الأجانب، أصبحت تدابير الهجرة الانتقائية للمهارات سمة مألوفة، بخاصة في الدول الغربية الغنية. يتحدى كتاب ديزيريه ليم الافتراضات الأساسية والآثار الأخلاقية المترتبة على هذه السياسات، ويدعو إلى نهج منصف يقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة.
تشكل سياسات الهجرة الانتقائية للمهارات، حيث تفضل الدول قبول المهاجرين ذوي المهارات العالية على المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة، عنصراً مألوفاً في مشهد الهجرة. وقد أعلنت الدول الغربية الغنية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، صراحة عن رغبتها في جذب «الأفضل». ومن ناحية أخرى، فإن المواقف تجاه المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة لا يمكن أن تكون أكثر اختلافاً. لقد تم تصويرهم باستمرار على أنهم خطرون، وغير مرغوب فيهم، ويستنزفون الرفاه الاجتماعي، ويهددون المواطنين اقتصادياً. ويشير تقرير خاص ب «الهجرة والمساواة الاجتماعية» أنه يتعين علينا أن نعيد التفكير في هذا الموقف. وانطلاقاً من المبدأ المشترك على نطاق واسع، والمتمثل في الاحترام المتساوي لجميع الأشخاص، يقترح هذا المبدأ أن الاحترام المتساوي يتطلب الاعتراف بحق كل شخص في المساواة الاجتماعية إلى مدى معين، بغض النظر عن وضع جنسيته. وحتى لو كان للدول الحق في استبعاد غير المواطنين، فلا يمكنها أن تفعل ذلك بطريقة مهينة، أو خاضعة للأشخاص المستبعدين. وترى المؤلفة أن مثل هذه السياسات لا تؤدي إلى إدامة التمييز غير العادل فحسب، بل تسهم أيضاً في التسلسل الهرمي الاجتماعي وتعزز الظلم الاستعماري.
تقول المؤلفة: «الوظائف التي تعتبر»منخفضة المهارات«غالباً ما تكون جنسانية وعنصرية. قد نعتقد أن النساء والأقليات العرقية وقعن في فخ نمط سام، حيث (أ) يشغلن بشكل غير متناسب وظائف منخفضة المهارات بسبب استمرار عدم تكافؤ الفرص؛ (ب) لا تزال»الوظائف المنخفضة المهارات«تتعرض للانتقاص من قيمتها وتشويه سمعتها لأنها مرتبطة بعمل الفئات التابعة، وبالتالي تميل إلى أن تكون غير مستقرة ومنخفضة الأجر؛ و(ج) تفتقر النساء والأقليات العرقية في المهن منخفضة المهارات إلى الحراك الاجتماعي على وجه التحديد، لأنهم يعملون بشكل غير مستقر، وبالتالي تظل المهن مرتبطة بهم وتظل أيضاً متدنية/منخفضة القيمة (وهكذا دواليك). وليس من باب عدم التعاطف أنني لا أتعامل بشكل أكثر شمولاً مع الحجة المذكورة أعلاه. من الواضح أن فئات المهارات يتم بناؤها اجتماعياً – وغالباً ما تكون غير عادلة – ومع ذلك، فهي تقيد باستمرار آفاق حياتنا المادية، أو تجعلها ممكنة. ولدينا من الأسباب الوجيهة ما يدفعنا إلى مقاومة اللغة التحقيرية المتمثلة في»المهارة المنخفضة«، والتي توحي بالدونية والنقص من جانب الأشخاص الذين يؤدون أعمالاً أساسية».
تسعى الكاتبة في هذا العمل إلى فهم الظلم المتعلق بالهجرة، حيث يعانيه الذين يتم الحكم عليهم على أنهم «منخفضو المهارات»، وكيف يتم ذلك. وترى أنه يمكن تحسينها، حتى لو فشلنا في إزالة فئات المهارات تماماً. وتتمثل شكوكها في أننا ما دمنا نعيش في اقتصاد رأسمالي يقوم بتمييز هرمي بين أنماط العمل المختلفة، وينسب قيمة أكبر وأجوراً واستقلالية أكبر للوظائف في الدرجات العليا، فإن فئات المهارات لن تختفي في وقت قريب. ومن الأكثر إلحاحاً إذن، أن ننظّر حول كيفية حماية المساواة الاجتماعية للمهاجرين ذوي المهارات المتدنية في ظل ظروف غير مثالية، بدلاً من التركيز بشدة على نموذج طوباوي بعيد للمساواة المهنية.
وترى أن المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة الذين أشارت إليهم أعلاه، في سياق الولايات المتحدة، هم في الأغلب من أصل لاتيني، وتعلق على ذلك بالقول: «ليس هناك شك في أن المعاملة القاسية التي يتعرضون لها هي أيضاً، جزئياً، نتيجة للآخر العنصري، وعداء المواطنين من ذوي الأغلبية العرقية تجاه أولئك الذين يحكم عليهم بأنهم أقل شأناً، وغير مرغوب فيهم على أساس عرقهم. ومن ثم يمكننا التمييز بين الأشخاص الذين يواجهون معاملة تفضيلية على أساس تصورهم بأنهم من ذوي المهارات المنخفضة، والأشخاص الذين يخضعون لها بسبب مزيج من عرقهم وهويتهم المتصورة. من الأمثلة على حالة التمييز «الخالص» على أساس المهارات تجارب العديد من المهاجرين الأيرلنديين البيض إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وما بعده. بينما يشكل المهاجرون الأيرلنديون ما يقرب من نصف العدد الإجمالي، هاجروا إلى الولايات المتحدة في أربعينات القرن التاسع عشر، وكثيراً ما «دخلوا القوة العاملة في أسفل السلم المهني وتولوا الوظائف الوضيعة والخطيرة التي غالباً ما كان العمال الآخرون يتجنبونها»، وكانوا هدفاً لهجوم من قبل منظمات عنيفة مثل «كو كلوكس كلان». يوبدو من الإنصاف إذن، أن نقول إن المهاجرين الأيرلنديين تعرضوا للتمييز على أساس مهاراتهم المنخفضة، على الرغم من الاعتراف بهم على أنهم من البيض. وفي المقابل، يبدو أن التهميش الخطر للمهاجرين اللاتينيين ذوي المهارات المنخفضة في الولايات المتحدة يرتكز على مزيج من الاختلاف العنصري المتصور والمهارات المنخفضة.
إشكاليات تهميش المهاجرين
تهتم المؤلفة في المقام الأول بالحالات التي يتقاطع فيها العرق والمهارة، من رغبتها في التركيز على حالات تهميش المهاجرين التي تعتبرها الأكثر بروزاً اليوم، في البلدان الغنية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ويميل هذا التهميش إلى أن يكون متعدد الجوانب. ولتسليط الضوء على الأهمية الخاصة للمهارة، ترى أنه ينبغي الإشارة إلى الاختلافات بين المهاجرين ذوي المهارات العالية والذين يعانون الجزء الأكبر من أساليب إنفاذ قوانين الهجرة. وتقول الكاتبة عن نفسها: «كثيراً ما يتم تصنيفي على أنني (أجنبية) لأنني أبدو آسيوية، بمعنى أنه يتم سؤالي من أين أنا (حقاً)، أو يتم الثناء على كفاءتي في اللغة الإنجليزية، والتي تصادف أنها لغتي الأم. من المؤكد أن المواطنين الملونين بشكل عام، لديهم تجارب مماثلة، حيث يواجهون معاملة تفضيلية على أساس «أجنبيتهم»، بغضّ النظر عن وضع جنسيتهم الفعلية؛ هذا هو الشيء المشترك بيننا. ولكننا نحتاج إلى أكثر من مجرد إلقاء نظرة موجزة على العواقب المادية التي يخلفها الشعور بالغربة على الطريقة التي نُعامل بها. على سبيل المثال، قد يُطلب من مواطنة أمريكية تقديم دليل على وجودها القانوني، لأنه يُفترض أنها مهاجرة منخفضة المهارات، وتتعرض لاستخدام القوة إذا لم تتمكن من تقديم الأوراق المطلوبة. يحتاج المرء فقط إلى النظر إلى الحالات العديدة التي تم فيها احتجاز وترحيل المواطنين الملونين عن طريق الخطأ. على سبيل المثال، آيس فرانسيس، المواطن الأمريكي الشاب الذي تم القبض عليه في ولاية أوريغون، بعد أن وقع قتال في الشوارع، وتم ترحيله إلى جامايكا بعد أن قال إنه ولد في جامايكا، ولم يتمكن من إثبات جنسيته الأمريكية. عاش على الشاطئ والشوارع حتى تمكن من تحديد مكان والده البيولوجي، واستغرق الأمر عشر سنوات حتى يعود طالب المدرسة الثانوية آنذاك إلى المنزل، بسبب صعوبات في العثور على الوثائق اللازمة».
وتشير المؤلفة إلى أن النقطة التي يجب أخذها في الاعتبار هي أن «الغربة» المفترضة وكراهية الأجانب لها وجوه عدة، بعضها أقبح بكثير من البعض الآخر.
وتضيف: «يبدو أنه يُقال لنا، مراراً وتكراراً، إن أنظمة الهجرة التي تعتمد على المهارات هي أنظمة منطقية. من الناحية النظرية، فإنهم لا يميزون على أساس العرق، أو الجنس، أو الدين، إذ تحتاج فقط إلى مجموعة من المهارات المفيدة اقتصادياً للدولة المستقبلة. علاوة على ذلك، فهو وضع مربح للجانبين: حيث يتمكن المهاجرون من متابعة المهن التي يحلمون بها، في حين أن الدول لديها الكثير لتكسبه من قبول المهاجرين ذوي المهارات العالية المستعدين والراغبين في العمل. ومع ذلك، حتى كمهاجر «ذي مهارات عالية» يستفيد من مثل هذه المعتقدات، فإن الحقيقة المذهلة لسياسات الهجرة الانتقائية للمهارات – والتي تشكل أساس هذا الكتاب هي أنها تعامل المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة كفئة من الأشخاص التابعين اجتماعياً. ويتمثل الإغراء في التفكير في اختيار المهاجرين باعتباره نوعاً من مقابلة العمل المثالية، حيث يتم تقييم كل مرشح بدقة ونزاهة، ويتم تعيين الفرد الأكثر تأهيلاً على الإطلاق. ومع ذلك، تفشل هذه الصورة في تتبع كيفية عمل سياسة الهجرة الانتقائية للمهارات في العالم الحقيقي».
وتؤكد المؤلفة أن الدافع الموجه لكتابها هو تسليط الضوء، وفهم كيف أن عملية اختيار المهارات لا تحدث في غرفة مقابلة مثالية، بل في عالم غير مثالي إلى حد كبير، مملوء بالظلم التاريخي الذي أدى إلى خلق صور نمطية مهينة حول المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة. وفي المقابل، تُستخدم هذه الصور النمطية لتبرير معاملتهم غير العادلة عبر مجموعة من السياقات. وبقدر ما يعتبر إخضاع المهاجرين من ذوي المهارات المنخفضة (والأشخاص الذين يصنفون على هذا النحو) أمراً غير عادل إلى حد كبير، وبقدر ما تدعم الأنظمة الانتقائية للمهارات هذا الظلم، فإن لدينا أسباب أخلاقية قوية لإعادة النظر في سياسات الهجرة الانتقائية للمهارات.
دعوة إلى المساواة الاجتماعية
تؤكد المؤلفة أنه من المهم أن نحدد ما نعنيه بالضبط ب«المساواة الاجتماعية»، مشيرة إلى أن العلاقات غير المساواتية هي تلك التي يتم فيها التعامل مع شخص، أو مجموعة ما، على أنهم أقل شأناً بالنسبة إلى آخرين، إلى الحد الذي تتم فيه السيطرة عليهم، واستغلالهم، وتهميشهم، وتحقيرهم، وتركهم أهدافاً للعنف. في المقابل، يطالب دعاة المساواة الاجتماعية بأن يقيم الأشخاص علاقات مع بعضهم بعضاً، والتي، على الأقل في بعض النواحي الحيوية، لا تنظمها الاختلافات في الرتبة أو السلطة أو الوضع. وتعلق المؤلفة: «من المؤكد أن حجتي الأساسية لن تقوم على افتراض أقوى مفاده أن المساواة الاجتماعية هي العملة الوحيدة للمساواة التي ينبغي لنا أن نسعى جاهدين لتحقيقها. بل إنني أفترض افتراضاً أضعف، وهو أن دعاة المساواة بشكل عام لديهم أسباب قوية للاعتراض على العلاقات غير المتكافئة. وفي الوقت نفسه، يمكن تفسير المساواة الاجتماعية، بحكم تعريفها، على أنها تفترض مفهوم المجتمع. ووفقاً لهذه القراءة، فإن المساواة الاجتماعية ستتحقق ضمن «مجتمع متساوٍ». ونحن نرى هذا في حديث أندرسون عن «مجتمع متساوٍ»، وكذلك في مفهومها عن «المساواة الديمقراطية»، الذي يشير بوضوح إلى المواطنين الملتزمين بالقانون داخل دولة ديمقراطية.
توضح المؤلفة أن الالتزام بالمساواة الاجتماعية، وما يصاحبها من آثار في معاملة الدول للمهاجرين لأسباب اقتصادية مستقل عن مبدأ أوسع للعدالة العالمية. وليس من الضروري أن يكون المرء عالمياً لكي يوافق على أن الدول لا ينبغي لها أن تحط من شأن المهاجرين، أو تُخضِعهم. بل إن هدفها الأسمى يتلخص في إظهار أن لدينا أسباباً قوية لإعادة النظر في سياسات الهجرة الانتقائية للمهارات التي تفضل المهاجرين ذوي المهارات العالية، وتضر بالمهاجرين ذوي المهارات المنخفضة، حتى لو كان للدول حق أساسي في السيطرة على حدودها. علاوة على ذلك، فإن اعتراضاتها على آليات الإقصاء القائمة لدى الدول وكيفية استخدامها ضد المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة لا تعني بالضرورة، وجود نظام للحدود المفتوحة. بل تعتقد أن الالتزام الأخلاقي بالمساواة الاجتماعية يتطلب من الدول تنظيم ممارساتها الإقصائية، حتى لا تحط من قدر المهاجرين ذوي المهارات المتدنية، وتخضعهم.
وتهدف الرؤى الأساسية للكتاب إلى إثراء النظريات الفلسفية حول الاعترافات العادلة؛ وعلى وجه الخصوص، مسألة ما تتطلبه العدالة في ما يتعلق بقبول المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة، وتحرص المؤلفة على تقديم نقد لكيف، وأين تسوء سياسات الهجرة الحالية القائمة على المهارات الانتقائية، وتزويد القارئ بمجموعة أدوات مفاهيمية لفهم سبب الاعتراض على هذه السياسات التي قد تبدو عملية وعقلانية للوهلة الأولى. وترى أنه في الوقت الحاضر، هناك فجوة ملحوظة بين ما تقوله النظريات الحالية لعدالة الهجرة عن المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة، وتعقيدات التجربة الحياتية للمهاجرين ذوي المهارات المنخفضة على أرض الواقع. ويتعين علينا أن نبتعد عن عالم المبادئ المجردة، سواء كانت تؤيد، أو تعارض قبول المهاجرين الاقتصاديين، وأن نكمله بتحليل اجتماعي أكثر دقة حول كيف أن الاختيار على أساس المهارات قد يكون مهيناً بطريقة لا تتفق مع الواقع.
في الختام، يمكن القول إن كتاب «الهجرة والمساواة الاجتماعية» الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد في 2024، يدعو إلى نهج مختلف من أخلاقيات الهجرة، والعدالة الاجتماعية، والمسؤوليات الأخلاقية للدول في تشكيل سياسات الهجرة الشاملة والعادلة، والأهم أنه يدعو القراء إلى إعادة النظر في مفاهيمهم المسبقة والانخراط في حوار هادف حول مستقبل الهجرة في عالم مترابط بشكل متزايد.