يعكس مشروع الموازنة العامة للدولة في مصر للعام المالي 2024-2025 أولويات الحكومة في المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل حالة التفاؤل بتصحيح مسار الاقتصاد المصري بعد الدفعات الإيجابية التي حصل عليها أخيراً، لا سيما بعد توقيع صفقة رأس الحكمة (أكبر صفقة استثمار أجنبي في تاريخ البلاد) ومع قرارات المركزي الأخيرة التي قضت على السوق الموازية، وغيرها من عوامل الدعم التي تفتح آفاقاً إيجابية.
- مجلس الوزراء المصري، وافق يوم الأربعاء الماضي على مشروع الموازنة، وموازنات الهيئات العامة الاقتصادية.
- من المقرر أن يرسلها المجلس إلى مجلس النواب في الموعد الدستوري بنهاية الشهر الجاري.. وبحسب وزير المالية المصري، محمد معيط، فإنه سيتم يوم الأحد المقبل، ولأول مرة، تقديم مشروع موازنة الحكومة العامة لمجلس النواب، والتي تشمل “الموازنة العامة للجهاز الإداري للدولة وكافة الهيئات الاقتصادية”.
- يبلغ إجمالي مصروفات الحكومة العامة 6.4 تريليون جنيه (135.39 مليار دولار)، وإيراداتها 5.05 تريليون جنيه.
- تعكس تلك الخطوة -وفق ما أكده معيط- الإصلاحات الهيكلية التي تم إجراؤها بالتعديل الأخير لقانون المالية العامة الموحد الذي تم بمقتضاه إدخال مفهوم “موازنة الحكومة العامة”، التي تشمل الموازنة العامة للدولة وموازنات الهيئات الاقتصادية، على نحو يسهم في بيان القدرات الحقيقية للمالية العامة للدولة وفق قراءة موضوعية أكثر شمولًا تتضمن كامل إيرادات ومصروفات الدولة وهيئاتها العامة.
وتستهدف الحكومة المصرية في الموازنة العامة الجديدة للدولة:
- تحقيق فائض أولي أكثر من 3.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
- خفض العجز الكلي على المدى المتوسط إلى 6 بالمئة.
- وضع معدل الدين للناتج المحلي في مسار نزولي ليبلغ 80 بالمئة في يونيو 2027، من خلال استراتيجية جديدة تتضمن وضع سقف قانوني لدين “الحكومة العامة” لا يمكن تجاوزه إلا بموافقة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء.
- فضلًا عن توجيه نصف إيرادات برنامج “الطروحات” لخفض حجم المديونية الحكومية بشكل مباشر مع العمل أيضًا على إطالة عمر الدين.
انحياز للضمان الاجتماعي
في هذا الصدد قال مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “الحكومة المصرية تحاول من خلال الموازنة الجديدة التوسع في الضمان الاجتماعي ومشتقات المواد البترولية والإنفاق على التعليم والصحة”، مشيراً إلى أن الموازنة الجديدة انحازت بشكل كبير تجاه الضمان الاجتماعي، في أهم ثلاث مجالات سواء دعم السلع التموينية أو الصحة والتعليم.
كما أوضح أنه بخصوص السلع التموينية، في الموازنة الجديدة هناك قفزة في هذه المخصصات.. العام قبل الماضي دعم السلع التموينية كان يبلغ نحو 95 مليار جنيه، وفي العام الماضي 2023 وصل إلى 130 ملياراً أما في الموازنة الجديدة نجد أن حجم الدعم على السلع التموينية تخطى 140 مليار جنيه.. مثمنا أهمية تلك الزيادة في سياق مكافحة التضخم، وأن تمارس الدولة دورها في دعم المواطنين خلال هذه الفترة.
أما فيما يخص قطاعي الصحة والتعليم، فلفت إلى أن زيادة الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم يعكس إيمان الدولة بأنهما محورا التنمية الحقيقي ومن خلالهما تستطيع أن تحدث تنمية اقتصادية.
ويشمل الإنفاق في مجال الصحة مبادرات لتنظيم الأسرة ومبادرات خاصة بالعلاج على نفقة الدولة والتوسع فيه، وهو ما ظهر في البنود العامة لموازنة الدولة.
وأشار إلى أن البحث العلمي أحد المجالات التي كانت فقيرة الدعم، ففي موازنة مصر للعام 2020 كان حجم الإنفاق على دعم البحث العلمي لا يزيد عن 30 مليار جنيه، بينما اليوم تخطى الدعم الموجه للبحث العلمي 50 مليار جنيه، خاصة مع المستهدفات التي تضعها الحكومة لدعم الصادرات وربط الصناعة بالبحث العلمي، وهو ما سيكون له تأثير كبير، لا سيما أن الدولة لديها مستهدف للصادرات يقدر بحوالي 100 مليار دولار في 2030.
وبالنسبة إلى الإيرادات، بين مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، أن الحكومة تسعى إلى أن تقلل نسبة العجز في الموازنة العامة إلى ما دون 6 بالمئة (..).
وأوضح شعيب في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الحكومة تبحث عن مصادر إيرادات جديدة من خلال المنظومة الضرايبية، وهي أحد أهم مصادر الموازنة العامة للدولة وأحد المصادر التي تشكل حوالي 75 بالمئة من إيراداتها، ومع تشكيل مجلس أعلى للضرائب برئاسة رئيس مجلس الوزراء والغرف التجارية، من المتوقع أن نشهد سياسة ضريبية جديدة مرنة تستطيع دعم الطبقات الفقيرة وإحداث تكافل اقتصادي بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
علاوة على جذب الاستثمارات ضمن أهم الموارد، وذلك من خلال دعم الشركات وتحفيز الاستثمار الأجنبي عبر السياسة الضريبية الجديدة التي تلائم تلك المرحلة خاصة مع ارتفاع التكاليف على المصنع.
ووفقًا لوزير المالية، محمد معيط، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،كان قد وجَّه بـ :
- زيادة مخصصات قطاعي الصحة والتعليم بنسبة أكبر من 30 بالمئة باعتبارهما يأتيان ضمن أهم أولويات الدولة لاستكمال استراتيجية بناء الإنسان المصري خلال الموازنات المقبلة بدءًا من العام المالي 2024/2025.
- زيادة مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية إلى 636 مليار جنيه، منها 144 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، و154 مليار جنيه للمواد البترولية نتيجة لارتفاع أسعار البترول عالميًا وأثر تغير سعر الصرف، إضافة إلى 215 مليار جنيه للمعاشات، و23 مليار جنيه لدعم الصادرات، و40 مليار جنيه لـ”تكافل وكرامة”.
وبحسب معيط، فإن الحكومة تستهدف نمو الإيرادات غير الضريبية بنسبة 60 بالمئة، والإيرادات الضريبية بنسبة 30 بالمئة، دون إضافة أي أعباء ضريبية على المواطنين أو المستثمرين وذلك من خلال توسيع القاعدة الضريبية بتعظيم جهود الاستغلال الأمثل للنظم الضريبية الإلكترونية في دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.
تفاؤل حكومي لتحقيق النمو المستهدف
وإلى ذلك، أفاد رئيس مركز القاهرة للدراسات والأبحاث، خالد الشافعي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن الموازنة الجديدة تعكس تفاؤل الحكومة المصرية نتيجة الفرص الاستثمارية وتنافس المستثمرين الأجانب لاستغلالها، والتي من الممكن أن تحقق طفرة في معدل الناتج المحلي الإجمالي الذي يعود على زيادة معدل النمو ليصل لمثل هذه المستويات المستهدفة.
وأوضح أن العائق أمام تحقيق معدلات النمو المستهدفة في السابق كان يتمثل في عدم توافر سيولة دولارية، وأن انطلاقة الاقتصاد نحو تحقيق المعدل المستهدف في الموازنة الجديدة بدأت من خلال ما يلي:
- إصدار وثيقة ملكية الدولة.
- برنامج طرح بعض الشركات المملوكة للدولة في البورصة.
- إتاحة الفرصة للقطاع الخاص أن يحل بديلا عن بعض الشركات الحكومية.
- القضاء على السوق الموازية للعملات، والتي كانت تشكل أحد أبرز المعوقات أمام جذب مزيد من الاستثمارات.. القضاء على تلك السوق أعطى ميزة تنافسية لصالح الاقتصاد المصري، ويتيح له أن يحقق مثل هذه المعدلات المستهدفة للنمو.
أما عن مستهدف زيادة الاستثمارات الخاصة 50 بالمئة في الموازنة الجديدة، فأكد أنه توجه محمود من الحكومة نحو زيادة الاستثمارات في القطاعات كافة وليس قطاع البنية التحتية فقط، حتى يتم تحقيق مزيد من فرص العمل وزيادة حجم الناتج المحلي، إضافة إلى تلبية احتياجات المواطنين من السلع وتوافرها بالسوق وتهدئة الأسعار، ومن ثم انخفاض معدل التضخم الغير مسبوق وهو ما يحتاج مثل هذه الاستثمارات التي تنعكس بشكل إيجابي على الأوضاع الاقتصادية.
ووضع مشروع الميزانية الجديد سقف لإجمالي الاستثمارات العامة للدولة بكامل هيئاتها وجهاتها لا يتجاوز تريليون جنيه في العام المالي 2024/2025.
ملف الديون
وفي سياق متصل، أكد الخبير الاقتصادي، الدكتور علي عبدالرؤوف الإدريسي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن أزمة ارتفاع الدين تظل مشكلة حالية و مستقبلية، مرجعًا سببها إلى زيادة و مضاعفة حجم الدين العام خاصة الخارجى خلال العشرة سنوات الأخيرة، مضيفاً: هناك أزمات وصدمات اقتصادية تعرض لها الاقتصاد المصري آخرها الحرب في غزة وتوترات البحر الأحمر.
وثمن تأكيد الحكومة على ملف الديون ومساعيها لتخفيضه لمستويات 80 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، معتبراً أن ذلك يمثل “بداية موفقة”.
وأكد أن الاستفادة من الطروحات الحكومية في تخفيض الدين بداية جيدة، مشددًا على ضرورة وضع ضوابط للحصول على أي قرض جديد و توضيح الجدوى الاقتصادية من الحصول عليه.