هذا المقال بقلم جان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يمر شهر رمضان على ملايين الأشخاص في الشرق الأوسط وهم لا يملكون سوى القليل من الطعام أو أي سبب للاحتفال. ما كان من المفروض أن يكون شهرًا مليئًا بطقوس العائلات التي تجتمع معًا حول مائدة الإفطار أصبح وقتًا عصيبًا لأولئك الذين يكافحون للعثور على الطعام اللازم لوجبة الإفطار.
كانت المعاناة الإنسانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تصاعد بفعل الصراعات والأزمات المتفاقمة على جبهات متعددة. فأصبح على شعوب المنطقة التي تتعامل مع تأثيرات جائحة كوفيد-19 أن تكافح المصاعب الاقتصادية والارتفاع غير المسبوق في تكلفة المعيشة. وها هو الصراع في أوكرانيا يجعل الحياة أكثر صعوبة وتكلفة بالنسبة للناس الذين يكافحون بالفعل لتلبية احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والمحروقات والدواء.
وقد شهدت الضروريات اليومية التي تحتاجها أي أسرة إما اختفاء من الأسواق أو قفزة كبيرة في التكلفة. يرى ويسمع موظفونا في الميدان في جميع أنحاء المنطقة أمثلة يومية عن أشخاص يكافحون من أجل البقاء، من العراق إلى لبنان ومن اليمن إلى سوريا. تخشى تلك العائلات ما ينتظرهم.
دول مختلفة، معاناة متشابهة
قبل أيام قليلة من شهر رمضان، تحدثنا إلى العائلات وأصحاب المتاجر الذين أخبرونا كيف تضاعفت الأسعار “هكذا، بين عشية وضحاها”. يعاني الناس في سوريا ولبنان، حيث دمر تضخم الأسعار سبل العيش، من ارتفاعات أخرى في شهر رمضان. لا يمكنك أن تنزل إلى السوق وتتوقع أن يكلفك أي شيء قيمة تلكفة الأمس. لقد زادت الأزمة في أوكرانيا أبعادًا جديدة على السوق منها التهافت على المواد الأساسية ونقص المواد والغلاء.
أخبرتنا نجلاء وهي أم لخمسة أطفال في ريف دمشق أن وجبة بسيطة تكلفها اليوم حوالي 7,000 ليرة سورية، أو ما يعادل 7.5% من الحد الأدنى للرواتب. تقول نجلاء إنها صُدمت عندما علمت بأن سعر زيت الطهي قفز بما يعادل 50% في المتجر.
في جميع أنحاء سوريا، ومع انقطاع التيار الكهربائي المزمن، لا يملك الناس خيار تبريد أطعمتهم ولذلك يتعين عليهم القلق بشأن كل وجبة يتناولونها. في شمال سورية، يمكن للناس رؤية آثار الأزمة الأوكرانية تظهر على مائدة العشاء. أدى النقص الحاد في الدقيق، الناتج جزئيًا عن قيود فُرضت على التصدير في تركيا، إلى زيادة أسعار منتجات الطحين كافة. زادت تكلفة ربطة الخبز وقلّ وزنها في تلك المناطق. يخبرنا الناس عن الجوع والإرهاق وزيادة الجرائم الصغيرة، كما يضطر الأطفال النازحون للبحث عن شيء ما يبيعونه أو يأكلونه.
ويعاني لبنان المجاور من أعراض مشابهة. فما بينما تتزايد أسعار الإيجار بالتصاعد، يُهدَّد واحد من كل ثلاثة مستأجرين من ذوي الدخل المنخفض بخطر الإخلاء القسري من المنزل، كما كشفنا في تقريرنا الأخير. كما أضحى اللاجئون السوريون يقنّنون من استهلاك الخضار والخبز. ومع استمرار ارتفاع أسعار الوقود، نقلت المخابز التكلفة إلى المستهلكين، وكان أولئك الذين يعتمدون بشكل كبير على نظام غذائي أساسه الخبز من بين الأكثر تضررًا. تقول فاطمة، وهي لاجئة سورية مقيمة في سهل البقاع، إن كل ما تبقى لأفراد أسرتها هو تناول البطاطا المسلوقة المملحة.
في العراق، أخبرنا صاحب متجر في محافظة صلاح الدين كيف تسببت الأزمة الأوكرانية في حالة من الذعر في السوق، مما دفع التجار إلى رفع الأسعار. قارورة زيت الطهي من حجم لتر واحد والتي كانت تكلف 1.88 دولارًا أمريكيًا تبلغ الآن 2.4 دولارًا أمريكيًا. يقول صاحب المتجر إن غلاء الأسعار أبعد الناس عن السوق بشكل كامل.
أزمة جوع تلوح في الأفق
كل وجوه المعاناة المختلفة تلك ترسل تحذيرًا واضحًا: أزمة الغذاء والطاقة أصبحت الآن حتمية في الشرق الأوسط. وفقاً لأرقام عام 2020 ، ذهب نصف القمح الأوكراني المصدّر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما تُظهر أرقام منظمة الأغذية والزراعة أن أسعار المواد الغذائية قد وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في المنطقة وعلى مستوى العالم في فبراير 2022، مما يجعل الوضع الخطير بالفعل أكثر خطورة.
ومما زاد الطين بلّة، فإن التمويل لحالات الأزمات الإنسانية الطويلة والمنسية مهدد. تواجه ميزانيات الجهات المانحة ضغوطًا هائلة لإعادة تخصيص التمويل استجابة للتكلفة البشرية الهائلة للصراع في أوكرانيا. وبحسب ما ورد يسحب بعض المانحين التمويل من ميزانيات المساعدات في مناطق أخرى لسد الفجوات، والتي ستكون لها عواقب وخيمة على الملايين، بما في ذلك أولئك الذين هم بالفعل على شفا الجوع الشديد في الشرق الأوسط. ويتطلب هذا الوضع العصيب من المجتمع الدولي تكثيف الجهود لمعالجة الأزمات في المنطقة، لا سيما في اليمن وسوريا. إن تقليص المساعدات الدولية وتقليص الجهود الدبلوماسية في المنطقة سيعني فترات أقسى قادمة للعائلات المهمّشة في الشرق الأوسط.
عندما زرت سوريا ولبنان في ديسمبر، رأيت بنفسي أن الاحتياجات الإنسانية شديدة ومتفاقمة. دعونا لا نسمح لهذه الأزمات أن تتفاقم، ودعونا لا نشاهد رمضان وبقية هذا العام يتحول إلى عام من التقنين والنقص والجوع.