في عالم الاستثمار، يعتبر الذهب من بين الأصول التي تحظى بشعبية كبيرة كملاذ آمن في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية. يعود سبب هذه الشعبية إلى الخصائص الفريدة للذهب التي تجعله محصنًا ضد التقلبات والمخاطر المحتملة، فهو لا يتأثر بنفس القدر بالعوامل المؤثرة على العملات الورقية مثل التضخم أو التدهور الاقتصادي، مما يجعله محافظاً على قيمته على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الذهب أداة فعالة للتنويع في المحافظ الاستثمارية، حيث يسهم في تقليل المخاطر وتحقيق التوازن في العائدات.
وسمحت مكانة الذهب -كاستثمار وحتى كسلع كمالية- للمعدن النفيس بتحقيق عوائد سنوية تقارب 8 بالمئة منذ عام 1971، مقارنة بالأسهم وأكثر من السندات والسلع، طبقاً لأحدث التقارير الصادرة عن مجلس الذهب العالمي.
- الدور التقليدي الذي يلعبه الذهب كأصل ملاذ آمن يعني أنه يصبح مستقلاً في أوقات المخاطر العالية.
- كما أن جاذبيته المزدوجة كاستثمار وسلع استهلاكية تعني أنه يمكن أن يولد عوائد إيجابية في الأوقات الجيدة أيضًا.
ومن المرجح أن تستمر هذه الديناميكية، لا سيما في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي المستمرة، والمخاوف الاقتصادية المحيطة بأسواق الأسهم والسندات.
ما الذي يجعل الذهب أصلاً استراتيجياً؟
- يلعب الذهب دورًا رئيسيًا كاستثمار استراتيجي طويل الأجل، وكتخصيص أساسي في محفظة متنوعة بشكل جيد.
- تمكن المستثمرون من التعرف إلى الكثير من قيمة الذهب بمرور الوقت من خلال الحفاظ على استثمار طويل الأجل والاستفادة من وضعه كملاذ آمن خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي.
- الذهب هو أصل عالي السيولة، ولا يحمل أي مخاطر ائتمانية، ويحافظ تاريخياً على قيمته بمرور الوقت.
- كما أنه يستفيد من مصادر الطلب المتنوعة: كاستثمار وأصل احتياطي ومجوهرات ذهبية، ومكون تكنولوجي.
ووفق مجلس الذهب العالمي، فإن هذه السمات تعني أن الذهب يمكنه تعزيز المحفظة بثلاث طرق رئيسية:
- تحقيق عوائد طويلة الأجل .
- تحسين التنويع.
- توفير السيولة.
علاوة على ذلك، فإن التحول نحو تكامل أكبر للأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة ضمن استراتيجيات الاستثمار له آثار مهمة. ويعتقد المجلس بأن الذهب يمكن أن يلعب دورًا في دعم هذه الأهداف.
ويشير إلى أنه يتعين الاعتراف بالذهب – من مصادر الاستثمار الراسخة – كأصل يتم إنتاجه وتسليمه بشكل مسؤول من خلال سلسلة توريد تلتزم بمعايير ESG العالية. وللذهب أيضًا دور محتمل يلعبه في الحد من تعرض المستثمرين للمخاطر المرتبطة بالمناخ.
ما هي السمات الرئيسية للذهب؟
أولاً: مصدر عائد طويل الأمد
- لطالما اعتبر المستثمرون الذهب على أنه أحد الأصول المفيدة خلال فترات عدم اليقين.
- ومع ذلك، فقد ولَّد تاريخياً عوائد إيجابية طويلة الأجل في الأوقات الاقتصادية الجيدة والسيئة على حد سواء.
- مصادر الطلب المتنوعة تمنح الذهب مرونة خاصة وإمكانية تحقيق عوائد قوية في ظروف السوق المختلفة.
- غالبًا ما يستخدم الذهب، من ناحية، كاستثمار لحماية وتعزيز الثروة على المدى الطويل، ولكنه من ناحية أخرى أيضًا سلعة استهلاكية، من خلال الطلب على المجوهرات والتكنولوجيا.
- خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي، فإن الطلب الاستثماري المعاكس للدورة الاقتصادية هو الذي يدفع سعر الذهب إلى الارتفاع.
- أما خلال فترات التوسع الاقتصادي، يدعم الطلب الاستهلاكي المؤيد للدورة الاقتصادية أداء الاقتصاد.
- تمنح هذه العوامل مجتمعة الذهب القدرة على توفير الاستقرار في ظل مجموعة من البيئات الاقتصادية.
ثانياً: التنويع
من الصعب في بعض الأحيان العثور على أدوات التنويع الفعالة. وتصبح عديد من الأصول مترابطة على نحو متزايد مع تزايد حالة عدم اليقين في السوق وزيادة وضوح التقلبات، بدفع جزئي بقرارات الاستثمار القائمة على المخاطرة أو تجنب المخاطرة.
ونتيجة لهذا فإن عديداً من أدوات التنويع تفشل في حماية المحافظ الاستثمارية عندما يكون المستثمرون في أمس الحاجة إليها.
- يختلف الذهب من حيث أن ارتباطه السلبي بالأسهم والأصول الأخرى ذات المخاطر يتزايد مع بيع هذه الأصول.
- الأزمة المالية العالمية هي مثال على ذلك. فانخفضت قيمة الأسهم والأصول الخطرة الأخرى، وكذلك صناديق التحوط، والعقارات ومعظم السلع الأساسية، التي كانت تعتبر منذ فترة طويلة من عوامل تنويع المحافظ الاستثمارية. وفي المقابل، حافظ الذهب على مكانته وارتفع سعره، حيث ارتفع بنسبة 21 بالمئة بالدولار الأميركي في الفترة من ديسمبر 2007 إلى فبراير 2009.
- وفي أحدث التراجعات الحادة في سوق الأسهم في عامي 2020 و2022، ظل أداء الذهب إيجابيا.
ثالثاً: عمق السوق
سوق الذهب كبيرة وعالمية وعالية السيولة. وتشير تقديرات مجلس الذهب العالمي إلى أن قيمة حيازات الذهب الفعلية لدى المستثمرين والبنوك المركزية تبلغ حوالي 5.1 تريليون دولار أميركي، بالإضافة إلى 1.0 تريليون دولار أميركي إضافية في صورة فوائد مفتوحة من خلال المشتقات المتداولة في البورصات أو السوق خارج البورصة.
كما أن سوق الذهب أكثر سيولة من عديد من الأسواق المالية الكبرى، بما في ذلك اليورو/الين ومؤشر داو جونز الصناعي، في حين أن أحجام التداول مماثلة لتلك الخاصة بأذون الخزانة الأميركية.
- بلغ متوسط حجم تداول الذهب حوالي 163 مليار دولار أميركي يوميًا في العام 2023.
- خلال تلك الفترة، بلغت قيمة العقود الفورية والمشتقات خارج البورصة 99 مليار دولار أميركي، وتم تداول العقود الآجلة للذهب بمبلغ 62 مليار دولار أميركي يوميًا عبر مختلف البورصات العالمية.
- توفر صناديق الذهب المتداولة المدعومة (صناديق الاستثمار المتداولة بالذهب) مصدرًا إضافيًا للسيولة، حيث يتم تداول صناديق الذهب المتداولة العالمية بمتوسط 2 مليار دولار يوميًا.
إن حجم السوق وعمقه يعني أنه يمكنه استيعاب المستثمرين الكبار الذين يقومون بالشراء والاحتفاظ بشكل مريح.
وفي تناقض صارخ مع عديد من الأسواق المالية، فإن سيولة الذهب لا تنضب، حتى في أوقات الضغوط المالية. والأهم من ذلك أيضًا أن الذهب يسمح للمستثمرين بالوفاء بالتزاماتهم عندما يكون من الصعب بيع الأصول الأقل سيولة في محفظتهم أو تسعيرها بشكل خاطئ.
الذهب كملاذ آمن
خبيرة أسواق المال، الدكتورة حنان رمسيس، تسير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى استمرار الذهب في صدارة اهتمامات عديد من المستثمرين كملاذ آمن مستقر؛ للتحوط من المخاطر والمتغيرات المختلفة في مختلف الفترات.
وتضيف:
- الذهب من المتوقع أن يشهد مزيداً من الارتفاعات والتوهج الاقتصادي خاصة في ضوء تصريحات الفيدرالي الأميركي بشأن توجهه المستهدف نحو سياسة التيسير النقدي من خلال مسار خفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري.
- موقف الفيدرالي يدعم بقوة مستقبل الذهب ومساره الصاعد، في ضوء العلاقة العكسية بين خفض أسعار الفائدة وقوة الدولار، حيث تنخفض قوة الدولار مع خفض الفائدة، وبالتالي تزيد قوة الذهب كملاذ آمن مستقر، وترتفع مستوياته السعرية.
- في الفترة الأخيرة ارتفعت أسعار الذهب بقوة وتخطت مستويات قياسية تاريخية.
- يُتوقع استمرار المسار الصاعد للذهب عالميًا ووصوله إلى أكثر من 3000 دولار للأونصة، مع خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام، وبدء التحركات الإيجابية للذهب.
وتشدد على أن المعدن النفيس يواصل تربعه على صدارة اهتمامات المستثمرين، في ضوء التجارب التاريخية وعمليات التصحيح التي تتم في مستوياته السعرية مع حدوث أي تراجعات، عبر مستويات المقاومة الخاصة به، مضيفة أن الذهب نجح الفترة الماضية في تخطي مستوى المقاومة الأول له والمتمثل في 1750 دولار للأونصة ومن ثم الوصول إلى 2050 دولار، مع السعي للانطلاق نحو مستوى 3000 دولار بنهاية العام الجاري بالتزامن مع توجهات الفيدرالي.
تعدين الذهب
وفي سياق آخر، يشير تقرير مجلس الذهب العالمي إلى أنه في حين أن تعدين الذهب هو، بحكم تعريفه، صناعة استخراجية، فإن عمال مناجم الذهب المسؤولين يتبعون أطرًا صارمة للتخفيف من الأثر البيئي وتقليل المخاطر.
تلعب المساهمة الاجتماعية والاقتصادية لصناعة تعدين الذهب دورًا رئيسيًا في المجتمعات والبلدان المضيفة التي تعمل فيها.
وهي تفعل ذلك من خلال دفع الأجور والضرائب، ودعم التنمية الاقتصادية المحلية، وتحسين البنية التحتية، وتوفير الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، وغير ذلك الكثير.
وتظل غالبية هذه النفقات في الاقتصادات المحلية للدول والمجتمعات المضيفة (..) وتلتزم الصناعة أيضًا بالمساهمة في النهوض بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن:
- للذهب دوراً محتملاً يلعبه في الحد من تعرض المستثمرين للمخاطر المرتبطة بالمناخ.
- افتقار الذهب إلى الانبعاثات النهائية له آثار مهمة، حيث أن حيازات الذهب من الممكن أن تقلل من كثافة الكربون الإجمالية لقيمة المحفظة.
- التوقعات الإيجابية لإزالة الكربون في المستقبل من سلسلة قيمة الذهب لها فوائد محتملة لملف الكربون المتوقع والمواءمة المستهدفة للمناخ لحيازات المحفظة.
ويشير تحليل المجلس إلى أن الذهب لديه القدرة على الأداء بشكل أفضل من عديد من فئات الأصول الرئيسية في ظل سيناريوهات مناخية مختلفة طويلة الأجل، لا سيما إذا أدت التأثيرات المناخية إلى تقلبات السوق أو تفاقمها أو إذا شهدنا تحولًا مدمرًا إلى اقتصاد خالٍ من الكربون.
علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تتأثر قيمة الذهب سلبًا بارتفاع أسعار الكربون، مما يوفر أيضًا للمستثمرين درجة من العزل عن الاستجابات السياسية المحتملة اللازمة لتسريع الانتقال إلى اقتصاد خالي من الكربون.
غطاء نقدي قوي
من جانبه، يؤكد عضو شعبة الذهب في اتحاد الصناعات في مصر، رفيق عباس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” على أهمية الذهب وقدرته كغطاء نقدي لتأمين قيمة الأموال والحفاظ عليها في ضوء الاضطرابات والمتغيرات المختلفة المحيطة.
- في حالات الاضطرابات الاقتصادية أو السياسية، يعتبر الذهب ملجأ آمنًا للمستثمرين، حيث يحمي رأس المال من التدهور السريع.
- يوفر الذهب استقرارًا للعملات، حيث يُستخدم كمؤشر لتقلبات الأسواق المالية ويُساعد في تثبيت القيمة النقدية.
- يُعتبر الذهب ملاذًا ضد التضخم، حيث يحافظ على قيمته الشرائية في مواجهة تدهور قيمة العملات الورقية.
- بفضل قدرته على الحفاظ على القيمة، يُستخدم الذهب كأداة للتنويع في المحافظ الاستثمارية للتخفيف من المخاطر المالية.
وأضاف أن الذهب يعد أنسب البدائل الحالية للحفاظ على قيمة الأموال مع وجود متغيرات قوية تؤثر على الاقتصادات المختلفة وتنعكس بدورها على باقي الأصول.
كما أشار إلى أن عديداً من الحكومات والمؤسسات الاقتصادية تتجه خلال فترات الأزمات إلى خيار الذهب للحفاظ على قيمة الأموال، وإعادة بيعه خلال فترات الرخاء والاستقرار واستثماره في أصول تُدر بعوائد اقتصادية قوية.
المخاطر والتحيات المحتملة
ونظرًا للمفاضلة بين المخاطر والمكافآت المرتبطة بأي استثمار، فمن المهم الاعتراف وفهم ليس فقط الفرص، ولكن أيضًا المخاطر الرئيسية.. ومن بين تلك المخاطر أو التحديات المحتملة التي أشار إليها التقرير المذكور:
- لا يتوافق الذهب بشكل مباشر مع منهجيات التقييم الأكثر شيوعًا المستخدمة للأسهم أو السندات.
- بدون قسيمة أو أرباح، فإن النماذج النموذجية المستندة إلى التدفقات النقدية المخصومة، أو الأرباح المتوقعة، أو نسب القيمة الدفترية إلى القيمة، تكافح من أجل تقديم تقييم مناسب للقيمة الأساسية للذهب.
- عدم وجود تدفقات نقدية: ذلك أنه من عيوب الذهب المتصورة على نطاق واسع أنه لا يوفر أي دخل منتظم، على عكس فئات الأصول الأخرى مثل السندات أو العقارات أو حتى بعض أسهم الشركات.
- تقلب الأسعار : يعد الذهب أداة تنوع كبيرة للمحفظة لأنه يتصرف بشكل مختلف تمامًا عن الأسهم والسندات، وليس لأنه يتمتع بتقلبات منخفضة. وعلى الرغم من أن الذهب هو أصل أقل تقلبًا من بعض مؤشرات الأسهم أو السلع أو البدائل الأخرى، فقد حقق المعدن في بعض السنوات مكاسب تقترب من 30 بالمئة (2010) وفي سنوات أخرى سجل خسائر تقترب من 30 بالمئة (2013). ومع ذلك، فإن للذهب علاقة غير متماثلة مع الأسهم؛ بعبارة أخرى، يكون أداؤه أفضل كثيراً عندما تنخفض الأسهم مقارنة بأدائه السيئ عندما ترتفع.