تدخل حرب إسرائيل في قطاع غزة، شهرها السادس حيث يقبع أكثر من مليوني إنسان في القطاع المحاصر تحت وطأة الجوع الشديد جراء التضييق الإسرائيلي على دخول المساعدات، بالإضافة إلى القصف المدمر والمتواصل الذي أدى حتى الآن إلى مقتل ما يقرب من 33037 فلسطينياً بحسب وزارة الصحة في غزة.
وبعد مرور نحو ستة شهور على اقتحام مسلحي حركة حماس جنوب إسرائيل، أدت العملية البرية التي تشنها إسرائيل للقضاء على الحركة إلى تدمير جزء كبير من قطاع غزة ووقوع كارثة إنسانية.
ويحاول الوسطاء التوصل إلى أول هدنة طويلة في الحرب لتسريع تقديم المساعدات لإطعام سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وتأمين إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين الذين لا تزال حماس تحتجزهم.
وفيما يلي نظرة على القضايا التي أثارتها الحرب وآفاق السلام.
- كيف بدأت الحرب؟
في السابع من أكتوبر تشرين الأول، عبر مئات المقاتلين السياج الحدودي الذي اعتقدت إسرائيل أنه منيع، واقتحموا التجمعات السكانية ومنشآت عسكرية وحفل موسيقي وغيره.
وتقول إسرائيل: إن 1200 شخص قتلوا في ذلك اليوم، واقتاد مقاتلو حماس 253 رهينة، منهم عائلات بأكملها، إلى غزة، وأقسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الثأر.
- * ماذا يحدث في غزة؟
بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية في النصف الشمالي من قطاع غزة، وصدرت الأوامر لمئات الآلاف من السكان بالإخلاء والتوجه للجنوب، وبعد وقف إطلاق النار لمدة أسبوع في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، حولت القوات الإسرائيلية انتباهها نحو الجنوب، وأمرت الناس مرة أخرى بالفرار.
ومنذ فبراير شباط، توغلت القوات الإسرائيلية في كل أنحاء غزة تقريباً، باستثناء منطقة صغيرة في وسط القطاع ومدينة رفح على الطرف الجنوبي، حيث نزح أكثر من نصف سكان غزة.
وتقول السلطات الصحية في غزة إنه تم التأكد من مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، قرابة 40 في المئة منهم من الأطفال، ولا يزال هناك آلاف الجثث تحت الأنقاض.
وأصيب أكثر من 75 ألف شخص، مما يعني أن نحو خمسة في المئة من السكان قتلوا أو أصيبوا، دون احتساب الوفيات الناجمة عن الجوع والظروف غير الصحية وانهيار خدمات الرعاية الصحية.
وتقول إسرائيل: إنها قتلت أكثر من 13 ألف من مقاتلي حماس، وتحمل المسلحين مسؤولية إلحاق الأذى بالمدنيين بسبب الاندساس بينهم، بما في ذلك من خلال شبكة من المخابئ والأنفاق تحت الأرض، وتنفي حماس انتشار مقاتليها وسط المدنيين.
- هل المساعدات تصل إلى غزة؟
في بداية الحرب، فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً، وسمحت تدريجياً بدخول المساعدات، أولاً من خلال معبر رفح المخصص للأفراد، ثم عبر نقطة تفتيش قريبة من إسرائيل نفسها.
وتقول إسرائيل إنها لا تفرض أي قيود على الإمدادات الغذائية والإنسانية، لكن وكالات الإغاثة والدول المانحة تقول: إن عمليات التفتيش الإسرائيلية المرهقة تعني إمكانية تعليق الشحنات لأسابيع، ولا يمكن عبور سوى عدد صغير من بين 500 شاحنة يومياً كانت غزة تعتمد عليها في السابق، ويصعب توزيع أو نقل الإمدادات التي تدخل القطاع بسبب الانفلات الأمني مع تفكك السلطات المدنية.
وتقول إسرائيل: إنها تسمح الآن باستخدام نقاط تفتيش برية إضافية وبإسقاط المساعدات جواً وتسليمها بحراً، لكن لا يوجد في غزة ميناء بحري ملائم، وتقول وكالات الإغاثة: إن عمليات الإسقاط الجوي محدودة النطاق وخطيرة، ولا يوجد حتى الآن طريق بري إلى شمال غزة، حيث الظروف أكثر سوءاً.
- هل تعاني غزة من المجاعة؟
تقريباً للمجاعة ثلاث مراحل: نقص حاد في الغذاء مما يؤدي إلى تفشي سوء التغذية، وفي النهاية الموت الجماعي بسبب الجوع والمرض.
ووفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة لمراقبة الجوع في العالم، فقد تجاوزت غزة بالفعل المعيارين الأولين، نقص الغذاء وسوء التغذية، وأصبح الموت الجماعي «وشيكاً» ما لم تزد المساعدات بشكل فوري، ويتوقع أن تتفشى المجاعة بحلول شهر مايو/ أيار.
وذكر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي منذ أشهر، أن غزة تعاني من أكبر حالة لانعدام الأمن الغذائي تشهدها على الإطلاق، وفي تقريره الصادر في مارس آذار، أشار التصنيف إلى أن 100 في المئة من سكان غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء، وبالنسبة لنصف السكان، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة 20 في المئة المرتبطة بالمجاعة، فقد وصل نقص الغذاء إلى أعلى مستوى، وهي الفئة الخامسة أو «الكارثة».
وفي جنوب غزة، حيث يعمل صحفيو رويترز، لجأ بعض السكان إلى إطعام أطفالهم أوراق الشجر بعد غليها، وشاهدت رويترز عدداً من الأطفال يعالجون من سوء التغذية الحاد في مستشفى برفح، في حين أفادت التقارير أن الظروف أسوأ بكثير في الشمال.
وتقول إسرائيل: إن منهجية تقرير التصنيف المرحلي المتكامل معيبة وتدعي أنه لا يوجد نقص في الغذاء في غزة، وتلقي باللوم في أي جوع على عمليات وكالات الإغاثة وعلى المسلحين الذين تقول إنهم يخزنون الطعام.
وبالإضافة إلى الجوع، تشعر وكالات الإغاثة بالقلق إزاء نقص الرعاية الصحية والصرف الصحي، ولم تعد هناك مستشفيات تعمل بكامل طاقتها في الشمال، ولا يوجد سوى عدد قليل منها يعمل في الجنوب، وداهمت إسرائيل المستشفيات وحاصرتها مراراً، قائلة: إن مسلحي حماس يستخدمونها كقواعد، وهو ما تنفيه الطواقم الطبية.
ويؤدي الاكتظاظ إلى انتشار الأمراض، ويجد العديد من الأشخاص صعوبة بالغة في العثور على مراحيض نظيفة أو أماكن للاستحمام بشكل دائم أو لا يمكنهم الوصول إليها على الإطلاق.
- هل تُقدم إسرائيل على اجتياح رفح؟
مع تكدس نحو نصف سكان القطاع في رفح حالياً، يقول بعضهم إنه لم يعد هناك مكان للفرار إليه، وتقول إسرائيل: إن وحدات حماس المسلحة الرئيسية وقادتها يحتمون في المدينة، وإن الاجتياح البري ضروري لهزيمتهم، ووعدت بالتنسيق مع مصر وإجلاء المدنيين شمالاً داخل غزة دون تقديم أي تفاصيل.
ووصفت واشنطن الهجوم المزمع بأنه خطأ قائلة: إن إسرائيل يمكنها استهداف المسلحين بأساليب من شأنها أن تلحق أذى أقل بالمدنيين.
وذكرت الأمم المتحدة أن الهجوم على رفح سيتسبب في كارثة إنسانية، ويقول فلسطينيون: إنهم يخشون أن يكون هدف إسرائيل النهائي هو تهجيرهم من غزة إلى مصر، وهو ما تنفيه إسرائيل.
- ماذا عن المفاوضات ؟
منذ وقف إطلاق النار الوحيد في الحرب في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني عندما أطلقت حماس سراح نحو نصف الرهائن لديها، أجرى الجانبان محادثات بوساطة قطرية – مصرية للتوصل إلى هدنة أخرى.
واقترح الجانبان وقفاً جديداً لإطلاق النار لمدة 40 يوماً تقريباً، يشمل إطلاق سراح نحو 40 رهينة مقابل مئات المعتقلين الفلسطينيين، ورفض كل طرف مقترحات الطرف الآخر، لكن الوسطاء يقولون: إن المحادثات ما زالت بناءة.
وذكرت إسرائيل، أنها ستناقش فقط وقفاً مؤقتاً للقتال ولن تنهي الحرب حتى القضاء على حماس، وتقول حماس: إنها لن تطلق سراح الرهائن دون التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب ويمهد لانسحاب إسرائيل.
- ماذا عن جبهات القتال الأخرى؟
أوقدت الحرب شرارة أعمال عنف في بؤر توتر متفرقة في الشرق الأوسط انخرطت فيها جماعات مسلحة أخرى.
وتبادلت إسرائيل على حدودها الشمالية إطلاق النار مع جماعة حزب الله اللبناني، ما أدى إلى إجلاء عشرات الآلاف من سكان القرى الحدودية على الجانبين.
وفي الضفة الغربية، حيث تمارس السلطة الفلسطينية المدعومة دولياً حكماً ذاتياً محدوداً في ظل احتلال عسكري إسرائيلي، قُتل مئات الأشخاص في أسوأ أعمال عنف منذ عقود.
وفي سوريا، استهدفت إسرائيل مراراً قواعد يشتبه أنها تضم مستشارين عسكريين إيرانيين في غارات جوية.
وفي العراق، قصفت الولايات المتحدة فصائل مسلحة بعد هجمات استهدفت قواعد أمريكية، وهدأت تلك الهجمات منذ ذلك الحين.
أما في اليمن، فهاجمت جماعة الحوثي سفن الشحن في البحر الأحمر، وردت بريطانيا والولايات المتحدة بهجمات جوية.
- كيف تأثرت علاقة إسرائيل بواشنطن؟
مع استمرار الحرب شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مشاحنات متزايدة لم يعهدها تحالفهما الوثيق الممتد منذ 75 عاماً إلا قليلاً.
وأيد الرئيس الأمريكي جو بايدن بقوة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لكنه حث الإسرائيليين أيضاً في خطاب ألقاه في تل أبيب على عدم الانسياق للغضب.
وتقول واشنطن: إن هدفها هو التوصل إلى اتفاق سلام أوسع نطاقاً لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وهو ما قد يتطلب آفاقاً لقيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وهو محور أساسي في السياسة الأمريكية منذ عقود، إلا أن نتنياهو يرفض ذلك.
وأثارت خطة إسرائيل لمهاجمة رفح انتقادات أقوى من واشنطن، وفي مارس / آذار، دعا زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي الإسرائيليين إلى إجراء انتخابات جديدة تنهي حكم نتنياهو.
وامتنعت واشنطن في وقت لاحق عن استخدام حق النقض (الفيتو) لوقف قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب بوقف إطلاق النار، ورد نتنياهو بإلغاء رحلة مقررة لوفد إسرائيلي إلى واشنطن، وتواصل الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر.