يعد “الإجهاد الحراري” وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، من بين أبرز التحديات المرتبطة بالمناخ، والتي تهدد بتبعاتها “الاقتصاد العالمي”، لجهة تأثيراتها الواسعة على عديد من القطاعات الأساسية.
الإجهاد الحراري يشير إلى حدوث درجات حرارة مفرطة تؤثر سلباً على الأنشطة الاقتصادية والكائنات الحية. يترتب على ذلك تأثيرات سلبية على الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
أحد التأثيرات الرئيسية للإجهاد الحراري هو تأثيره على الإنتاجية العمالية، ففي ظل درجات الحرارة المفرطة، يعاني العمال من تراجع الأداء، مما يؤدي إلى تكاليف إضافية على الشركات والمؤسسات.
على صعيد الزراعة، يمكن أن يسفر الإجهاد الحراري عن تضرر المحاصيل والثروة الحيوانية، مما يؤدي إلى نقص في المعروض الغذائي وزيادة في أسعار الأغذية. هذا يعكس تأثيرًا مباشرًا على الاقتصاد العالمي وميزان التجارة العالمي.
من ناحية أخرى، قد يشهد قطاع الطاقة زيادة في الطلب على تبريد المنازل والمباني في فصول الصيف الحارة، مما يرفع من استهلاك الطاقة ويؤدي إلى تحميل إضافي على شبكات الكهرباء.. وغيرها من الآثار الواسعة التي تعاني منها قطاعات اقتصادية مختلفة.
وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات مناسبة لمواجهة الإجهاد الحراري، فقد يتسبب ذلك في تكاليف هائلة على المدى الطويل، سواء كانت في صورة تكاليف صحية إضافية وكذلك تبعات اقتصادية ناجمة عن فقدان الإنتاجية وتدهور الأوضاع المالية.
ويمثل التصدي لظاهرة الإجهاد الحراري تحدياً هاماً يتطلب تعاوناً دولياً وجهوداً مشتركة؛ من أجل المحافظة على استدامة البيئة وازدهار الاقتصاد العالمي.
سنغافورة مثالاً
على سبيل المثال، فإن دراسة حديثة أجرتها كلية يونغ لو لين للطب بجامعة سنغافورة الوطنية، أظهرت أن الخسائر الاقتصادية في سنغافورة بسبب الإجهاد الحراري قد تتضاعف تقريبًا إلى 1.64 مليار دولار في العام 2035 عما كانت عليه قبل الوباء في 2018 بسبب انخفاض إنتاجية العمل .
وبالعودة إلى عام 2018، تسببت الضغوط الحرارية في انخفاض بنسبة 11.3 بالمئة في متوسط الإنتاجية عبر القطاعات الاقتصادية الأربعة الكبرى في سنغافورة – الخدمات والبناء والتصنيع والزراعة، وفق تقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” الأميركية.
وقال تقرير NUS Project HeatSafe إنه من المتوقع أن يرتفع انخفاض الإنتاجية إلى 14 بالمئة في العام 2035، مما يؤدي إلى خسارة اقتصادية قدرها 2.22 مليار دولار سنغافوري (1.64 مليار دولار).
وستكون الخسارة أعلى بكثير بالنسبة للعمال المعرضين لظروف بيئية معاكسة – أولئك الذين يعملون تحت الشمس، أو الذين يتعرضون لمصادر أخرى للحرارة مثل الآلات.
وتشير التقديرات إلى أنه في كل يوم حار، يترجم انخفاض إنتاجية العمال خلال ساعات العمل إلى خسارة متوسطة في الدخل تبلغ 21 دولارًا سنغافوريًا لكل عامل
وبصرف النظر عن التأثير على القدرة المعرفية والمجهود البدني، وجدت أبحاث جامعة سنغافورة الوطنية أيضًا أن التعرض للحرارة الشديدة يشكل خطرًا على معدل الخصوبة في البلاد، والذي وصل بالفعل إلى أدنى مستوياته التاريخية.
عصر الغليان العالمي
والدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا ليست وحدها التي تواجه هذه الحرارة الشديدة؛ ففي وقت سابق من شهر فبراير، حذر العلماء من أن العالم قد تجاوز عتبة الاحترار الرئيسية على مدار عام كامل للمرة الأولى على الإطلاق.
في يوليو الماضي، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن العالم قد ابتعد عن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي إلى “عصر الغليان العالمي”.
أبرز القطاعات المتأثرة
في هذا الصدد، أشار أستاذ اقتصاديات البيئة بالقاهرة، الدكتور علاء سرحان، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه “من المتوقع تزايد خسائر الاقتصاد العالمي الناجمة عن الإجهاد الحراري مع ارتفاع درجات الحرارة ووجود موجات حرارة قصوى ومتطرفة”.
وأبرز في هذا السياق جانباً من تأثر القطاعات الاقتصادية المختلفة بتداعيات الإجهاد الحراري وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، على النحو التالي:
- الإجهاد الحراري يؤدي إلى تقليل إنتاجية العمل، خاصة في الصناعات التي تتطلب الكثير من المجهودات البدنية أو العمل في الأماكن المفتوحة (..) فقدان جزء كبير من الإنتاجية يقود إلى مجموعة واسعة من الخسائر الاقتصادية.
- تعرض العمال إلى الحرارة العالية يؤدي إلى حدوث مشكلات صحية، وهو ما ينجم عنه ارتفاع كلفة الرعاية الصحية على الأفراد والأنظمة الصحية والحكومات.
- هناك أضرار تتعلق بالبنية التحتية بفعل درجات الحرارة المتطرفة، مثل الطرق والكباري والسكك الحديدية والمرافق وشبكات الكهرباء، ما يؤدي لزيادة كلفة الإحلال أو الصيانة.. تلك التأثيرات تختلف حسب درجة الإجهاد الحراري وتوقيته وحدته ومدى قدرة البنية التحتية على الصمود والتصدي له.
- الإجهاد الحراري من شأنه أن يؤثر على القطاع الزراعي بشكل سلبي، من ناحية كميات الإنتاج الزراعي وإنتاجية الإنتاج الحيواني، بما يؤدي لخسائر اقتصادية للمزارعين والصناعات التي تعتمد على الزراعة، وأيضًا سلاسل إمدادات الأغذية، ما يؤدي انخفاض الإيرادات وزيادة تكاليف الإنتاج في هذا القطاع.
- الإجهاد الحراري سيؤدي إلى ارتفاع كلفة التأمين؛ خاصة أن شركات التأمين تضطر لدفع تعويضات كبرى في حالة وجود أضرار مرتبطة بالإجهاد الحراري.. مثل هذه التغيرات المتطرفة في درجات الحرارة تسهم في زيادة المطالبات من قبل المتضررين مثل القطاع الزراعي والصحي لشركات التأمين، وبالتالي تزيد تكلفة التأمين على الأفراد والأنشطة الاقتصادية والحكومات.
وشدد سرحان على الأهمية القصوى للتصدي للتأثيرات السلبية للإجهاد الحراري؛ للتقليل من العبء الاقتصادي الذي يمكن أن يسببه، ولحماية السكان الأكثر حساسية وضرراً، بما في ذلك إجراءات “التكيف مع التغير المناخي” في هذا السياق، عبر بناء بنية أساسية قادرة على الصمود أمام هذه الآثار السلبية.
كما أكد أن هناك ضرورة للاستثمار في الاستراتيجيات الخاصة بالتكيف والتصدي للتغيرات المناخية، ووجود أجهزة إنذار مبكر للموجات الحرارية القادمة، وأيضًا وجود بعض التدخلات في تخطيط المدن والتخطيط للصحة العامة.
- في العام 2030، سيضيع 2.2 بالمئة من إجمالي ساعات العمل في جميع أنحاء العالم بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وهي خسارة تعادل 80 مليون وظيفة بدوام كامل، وهذا يعادل خسائر اقتصادية عالمية قدرها 2.4 مليار دولار، بحسب منظمة العمل الدولية.
- الزراعة والبناء من القطاعات الأكثر تضرراً من الإجهاد الحراري.
- بالنسبة للزراعة، هناك 940 مليون شخص في العالم يعملون في هذا القطاع، ويتوقع أن تبلغ خسائره 60 بالمئة من إجمالي ساعات العمل التي سيخسرها العالم بسبب الحر الشديد بحلول عام 2030.
- كما سيتأثر قطاع البناء بشدة ويخسر بحدود 19 بالمئة من ساعات العمل العالمية في التاريخ المذكور.
- القطاعات الأخرى المعرضة أكثر من غيرها للخطر فهي السلع والخدمات البيئية، وجمع القمامة، والطوارئ، وأعمال الإصلاح، والنقل، والسياحة، والرياضة وبعض النشاطات الصناعية التي تستخدم آلات ثقيلة.
أبرز المناطق المتأثرة
وإلى ذلك، أوضح الخبير البيئي، تحسين شعلة، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن للإجهاد الحراري مردوداً سلبياً واسعاً على الاقتصاد العالمي، يمكن رؤيته بشكل واضح فيما يلي:
- الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى تغيير الخريطة الزراعية على مستوى العالم؛ باختفاء بعض الأصناف الزراعية غير القادرة على تحمل الحرارة العالية.. على سبيل المثال نجم عن التغير المناخي انخفاض إنتاج بعض المحاصيل مثل الكاكاو والقهوة والشاي في دول هي الأولى بإنتاجها على مستوى العالم.
- الدول التي يتوافر لديها تنوع مناخي في مناطقها المختلفة هي الدول التي ستمر بسلام خلال حدة الإجهاد الحراري الذي ستتصاعد وتيرته في الفترة المقبل.. إن التنوع بدرجات الحرارة في الفصول المختلفة يوفر فرصة لتنويع المحاصيل الزراعية، بما يمنح بعض المرونة في زراعة بعض المحاصيل بين منطقة وأخرى (..).
- الاحتباس الحراري يؤدي إلى جفاف الأرض وعدم صلاحيتها للزراعة، وحدوث خلل بالطبقات الأرضية ما ينتج عنه كوارث كالزلازل والبراكين.
- زيادة نسبة الانبعاثات الكربونية وغاز الميثان تؤدي لظهور نوع من الأمطار الحامضية التي تسبب خللاً في البيئة وظهور بعض الميكروبات الضارة وموت النافعة منها.
- الاحتباس الحراري يؤدي إلى زيادة الحشرات الناقلة للأمراض وانتقال الأمراض الفيروسية كحمى الضنك وفيروس زيكا على سبيل المثال، وهو ما يضر الصحة العامة بسبب انتشار الأمراض بصورة وبائية واتجاه اقتصاديات الدول للتعامل مع الأزمة.
- ينجم عن الإجهاد الحراري نزوح أكثر من مليار شخص في العام 2050، نتيجة الظواهر المتطرفة الناتجة عنه في أغلب الدول الكبرى والصناعية.