في النسيج المعقد للجغرافيا السياسية العالمية، ثمة خيط متشابك بعمق ومملوء بالتوتر، لكن تفكيكه يهدد بإشعال حريق هائل بأبعاد لا يمكن تصورها، ومن هذه التعقيدات إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان. يمثل هذا الكتاب استكشافاً عميقاً للقوى التاريخية والثقافية والجيوسياسية التي شكلت هذه المنطقة المضطربة.
تعد منطقة جامو وكشمير واحدة من أكثر المناطق المتنازع عليها سياسياً. لقد تم إبراز الصراع منذ فترة طويلة على أنه «نزاع داخلي»، من قبل الهند بشكل رئيسي، في محاولات الحفاظ على السلطة. وفي هذا السياق، نادراً ما تُسمع الأصوات الكشميرية، لكن على العموم لا يزال الصراع غير مفهوم، ولا يوجد له حل في الأفق.
يكشف فرحان تشاك في هذا الكتاب الصادر عن دار بلوتو برس للنشر في 2024 ضمن تسعة أجزاء كيف تم حجب تاريخ وثقافة وهوية وإرادة شعب كشمير عمداً لتناسب الأجندات الأيديولوجية.. يسأل تشاك من هو الكشميري؟ ويراجع أبرز المفاهيم الخاطئة ويكشف كيف تعبر عنها المصالح الخاصة وتفسرها. يسلط المؤلف الضوء على الدورة الطويلة من التمرد التي تستمر في حركات المقاومة اليوم، ويطلب منا إعادة النظر في سعي كشمير المستمر من أجل الاستقلال.
يتناول المؤلف فترات زمنية طويلة تمتد لقرون، حيث يستكشف ستة أطر زمنية فريدة في تاريخ كشمير، من كشمير القديمة، عبر التاج البريطاني، إلى يومنا هذا، وذلك عبر قارات لأنها تنسج معاً خيوطاً لا تعد ولا تحصى من ماضي كشمير وحاضرها ومستقبلها.
نجد في قلب هذا الكتاب، المناصرة العاطفية لأصوات الكشميريين أنفسهم، الذين غالباً ما غرقت قصصهم بسبب صخب المصالح المتنافسة. يقدّم المؤلف من خلال البحث الدقيق والروايات المباشرة، تجارب الذين تحملوا وطأة القمع والعنف، ليمنح بذلك صوتاً للمهمشين. لكن نجد أن الكتاب هو أكثر من مجرد إعادة سرد تاريخي؛ بل يشكّل إدانة قاسية لآليات السلطة التي تعمل على إدامة الظلم واللامساواة في كشمير، فهو يكشف الحقيقة وراء الواجهة المشيدة بعناية للحياة الطبيعية والاستقرار.
صندوق من التوترات الجيوسياسية
يسلط الكتاب الضوء على الصراع بين الدولة الهندية والهوية الكشميرية، حيث تسعى الهند إلى فرض هوية متجانسة على الكشميريين، الذين ينظرون إلى هذه المحاولات بشك ومقاومة شديدة. يُعقّد هذا الوضع الادعاءات التي تسعى إلى تغيير التاريخ والثقافة الكشميرية، وهو ما يُعد جزءاً من أزمة هوية أوسع تمس العلاقة بين الكشميريين والهند ما بعد الاستعمار.
ربما يكون الجانب اللافت والمظلم في هذا العمل للقراء من جميع أنحاء العالم هو استكشاف المؤلف لكشمير باعتبارها نقطة اشتعال نووية محتملة، أو صندوقاً من التوترات الجيوسياسية التي تهدد بإغراق العالم في صراع كارثي. وعلى خلفية الخطاب المتصاعد وقرع الطبول بين الخصوم المسلحين نووياً، فإن تحذيراته تحمل شعوراً بالإلحاح الذي لا يمكن تجاهله، ويدفع القراء إلى مواجهة التهديد الوجودي الذي يشكله صراع كشمير المفتوح على جميع الاحتمالات، ويحث العالم على التحرك قبل فوات الأوان.
ويشير إلى أن ما يُعرف عموماً ب«كشمير» يشمل في الواقع خمس مناطق متميزة ضمن الدولة الأميرية السابقة لجامو وكشمير في عام 1947. ويُظهر التنوع العرقي للشعوب التي تعيش في هذه المناطق التعقيد الثقافي والإثني للمنطقة. يفصل المؤلف بين المناطق التي تديرها الهند وتلك التي تديرها باكستان، مشيراً إلى التنوع الديموغرافي والديني في كل منها، ويتطرق إلى محاولات تغيير التركيبة السكانية عبر منح شهادات الإقامة لغير الكشميريين، وهو ما يُعتبر محاولة لتخفيف التركيبة السكانية ذات الأغلبية المسلمة.
دعوة إلى السلام واحترام التنوّع
يُشدد المؤلف أيضاً على العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، وينتقد الدور السلبي الذي لعبته كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي في معالجة القضية. في المقابل، يعرض المؤلف باكستان كدولة لا تعمل كقوة استعمارية استيطانية في الأراضي التي تسيطر عليها، مع الإشارة إلى الهوية العرقية الفريدة وغياب الحركات الاستقلالية الجادة في مناطق آزاد كشمير وجيلجيت-بالتستان. يُبرز المؤلف كذلك الأصوات الكشميرية الأصلية من آزاد كشمير ومدن باكستانية مختلفة بصفتها محركات رئيسية للقضية الكشميرية.
يقول المؤلف في هذا السياق: «تظل منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها أطول صراع لم يتم حله على جدول أعمال الأمم المتحدة. وهي أيضاً المنطقة الأكثر عسكرة على هذا الكوكب. والأسوأ من ذلك، أن هذا الصراع الدولي الذي يشمل باكستان والهند والصين، يمكن وصفه بأنه نقطة اشتعال نووية، خاصة بعد اندلاع الحدود الصينية الهندية في الاشتباك الدموي في وادي جالوان عام 2020. وعلى الرغم من ذلك، وبغض النظر عن شدّة المخاطر، فإننا لا نفهم سوى القليل عن هذا الصراع خارج المنطقة، ولا يلوح حل له في الأفق. في أغلب الأحيان، تم حجب التاريخ والثقافة والهوية، والأهم من ذلك، إرادة شعب كشمير، بشكل متعمد. في الواقع، هناك استراتيجية لا يمكن دحضها لإسكات أصوات الكشميريين الأصليين، وسجن أجسادهم، وتقليص قدراتهم؛ بل وحتى إنهاء حياتهم- كل ذلك تحت أعين العالم غير المهتم. كم من الناس في جميع أنحاء العالم يعرفون أن وادي كشمير مملوء بالآلاف من نقاط التفتيش المسلحة؟ كم من الناس يدركون أن الجنود يحرسون مدخل ومخرج كل قرية تقريباً؟ كم من الناس يفهمون أن كشمير بها آلاف المقابر الجماعية وشهدت ما لا يقل عن 337 ألف حالة وفاة منذ عام 1947؟ إن خطورة هذه الأزمة لا تهدد حياة الكشميريين فحسب؛ بل تهدد أيضاً السلام العالمي الأوسع».
يؤكد هذا العمل الحاجة إلى احترام التنوع والفردية في كشمير، وينتقد الرؤية الهندية لهوية متجانسة تحت مفهوم «أخاند بهارات» الذي يشمل هذا المفهوم تنفيذ الحلم الوحدوي بإقامة الهند الكبرى الذي يتجاهل التعددية ويسعى إلى طمس الهويات الفردية، مشيراً إلى أن السلام والاحترام المتبادل يتطلبان التحدي للأفكار المسبقة والأيديولوجيات القائمة على الاستعمار الاستيطاني وفرض الهويات.