يُعد التخطيط للمستقبل المالي أمرًا حيويًا في حياة كل فرد؛ فهو يمثل الخريطة التوجيهية التي تساعد في تحديد الأهداف والتوجهات المالية التي تضمن استقرار ورفاهية الأفراد وأسرهم عبر مختلف مراحل الحياة.
تتأثر الأهداف المالية والتخطيط المالي بشكل كبير بالمرحلة العمرية التي يمر بها الأشخاص، حيث يختلف الاحتياج المالي والأولويات باختلاف مراحل الحياة، بدءًا من المرحلة الشبابية حتى مرحلة التقاعد.
- في كل مرحلة من مراحل الحياة، يتغير الاحتياج المالي وتتبدل الأولويات، مما يستدعي ضبط التوجهات المالية وتحديد أهداف مالية ملائمة.
- في مرحلة الشباب، قد تكون الأهداف توفير الدخل لبناء مستقبل مالي مستقر، وشراء منزل أو بدء عمل جديد.
- في مرحلة النضج، قد تتحول الأولويات إلى توفير للتقاعد وتحقيق الاستقرار المالي للعائلة.
- في مرحلة التقاعد، يصبح التركيز على الاستفادة من الاستثمارات وتخطيط لتوفير دخل مستدام في سنوات التقاعد.
لذا، يصبح من الضروري تحديد أهداف مالية محددة ووضع استراتيجيات خاصة لتلبية احتياجات كل مرحلة من مراحل الحياة بشكل فعّال ومستدام.
وذكر تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، تحت عنوان “ثلاث تحركات مالية عليك القيام بها في الثلاثينات من عمرك لإعداد نفسك لتحقيق النجاح المالي”، أن فترة الثلاثينات غالباً ما تتميز بخطوات مالية كبيرة، بدءًا من شراء المنزل الأول وحتى تبديل الوظائف وحتى الادخار للأطفال في المستقبل.
وأورد التقرير ثلاثة أمور يمكن للأفراد فعلها بأموالهم عندما يكونوا في الثلاثينات من عمرهم، وفقًا لاثنين من المخططين الماليين المعتمدين.
- الاستمرار في القضاء على الديون
- فتح حساب لتعليم الأبناء: إذا كان لديك أطفال أو تخطط لإنجابهم، فإن الثلاثينات من عمرك هي الوقت المناسب للتفكير في فتح حساب توفير جامعي.
- تعزيز المدخرات التقاعدية: تعد فترة الثلاثينيات من العمر وقتًا مناسباً للتأكد من أن مدخرات التقاعد الخاصة بك تسير على الطريق الصحيح، ومن المحتمل تعزيزها.
تقسيم المستهدفات المالية
من جهته، شدد المحلل الاقتصادي الأردني، حسام عايش، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، على ضرورة أن يقوم كل فرد بتقسيم مستهدفاته المالية خلال مراحله العمرية، لتبدأ بالحصول على المال، ثم استثماره وتعظيم العائد منه ثم الإنفاق منه على الاحتياجات الشخصية في مرحلة التقاعد والتمتع بالحياة، مشيراً إلى أن مرحلتي العشرينات والثلاثينات تعدان مرحلتي الإقلاع الأساسية في طريق تعظيم العائد المالي للشخص.
واستعرض في هذا السياق ما يتعين على كل شخص فعله في كل مرحلة عمرية، ليتمكن من خلال ذلك من أن يعظم من عائده المالي في كل مرحلة عمرية، وتحقيق النجاح المالي فيها بدءاً من العشرينات وحتى التقاعد، على النحو التالي:
العشرينات.. مرحلة تقنيات المعرفة
فترة تأسيس الشخص وفترة المعرفة والشهادات والدورات والتدريب والتخصص المهني وتحديد الاتجاه المهني والوظيفي وتطوير المهارات المعرفية والعلمية والتقنية والرقمية، والتي بإمكانها أن تضع الشخص على سلم الصعود المهني الوظيفي وتحقيق العائد المالي.
تعتبر فترة العشرينات فترة التأسيس التي يكون فيها الشخص باحثاً عن مستقبله ويطور هذا البحث بالكثير من القدرات والمهارات التي يفترض أن يمتلكها من أجل أن يكون قادراً على المنافسة المهنية من جهة والحصول على العائد المالي الذي يزداد من حين للآخر.
الثلاثينات.. مرحلة التكوين المهني والمالي
في تلك المرحلة يبدأ تراكم النتائج الإيجابية التي تم البناء عليها خلال مرحلة العشرينات، وبالتالي هي المرحلة التي يبدأ فيها الشخص تلمس طريقه ومعرفة اتجاهات عمله وخبراته التي تتبلور في هذه الفترة. لذا؛ هي فترة الانتقال بين مرحلتي التأسيس في العشرينيات وجني الثمار في الأربعينات.
تعد الثلاثينات الفترة الأساسية والمحورية؛ فخلالها يكون الشخص حدد اتجاهاته وتعرف إلى الآفاق التي تنتظره، وأيضاً فيها تصبح المعرفة أكثر تخصصية وأكثر تفصيلاً ودقة؛ لأن التنافس في هذه المرحلة يصبح أكثر حضوراً وخطورة.
الأربعينات.. مرحلة النضوج الأولى
هي مرحلة النضوج الأولى للعائد المالي والوظيفي، وفيها الاتجاهات تكون تحددت بشكل أوضح، وهي مرحلة جني الثمار الحقيقية، إذ يبدأ العائد المالي في التزايد والخبرات والمعارف والمهارات تلعب دورها في الترقي وزيادة المحصول المالي من ورائه.
تعد الأربعينات فترة جوهرية في التكوين المالي الحقيقي للشخص التي ربما من خلالها يبدأ العمل بأكثر من وظيفة ومشاركاً في أكثر من فعالية.. هنا يبدأ التكوين الرأسمالي له.. أي يكون له منزل أو مستثمر في أسهم أو سندات أو معادن ثمينة، أو حتى العمل على تأسيس المشروع الخاص. لذا؛ فهي مرحلة الحصول على العوائد أو استثمار العوائد من أجل الفترات التي تعقبها.
الخمسينات.. مرحلة التكوين الرأسمالي
هي مرحلة يكون الشخص فيها قطع الأشواط الأساسية التي تتعلق بالتكوين الرأسمالي الخاص به، وبدأ جني الثمار بشكل فعلي والحصول على العائد من الاستثمارات، وبالتالي هي مرحلة التخطيط للمستقبل التالي وعلى هذا الأساس تعد مرحلة جوهرية بالنسبة للمستوى المالي والمعيشي الذي يطمح إليه الشخص مستقبلا.
وهي المرحلة التي يكون فيها الشخص قد استثمر في أبنائه ومنزله وشركته، وبالتالي فإنها مرحلة التهيؤ للتقاعد، لكنها المرحلة العمرية التي يفترض أنها الأكثر جنيا للمال، وتلمس لكيفية استثمار هذا المال بشكل أكبر استعدادا لمرحلة التقاعد.
الستينات.. مرحلة زيادة الحصيلة المالية
الستينات لم تعد مرحلة تقاعد في الوقت الحالي خاصة في نصفها الأول؛ فالكثيرون ما زالوا يزاولون أعمالهم وأنشطتهم وحتى في الوظائف والمهن التي يعملون فيها.. بالتالي هي مرحلة لزيادة الحصيلة المالية والبدء بالتخطيط للتقاعد في النصف الثاني منها.. ونحن في إطار الانتقال من جني المال إلى التمتع بعوائده.
وفي مرحلة منتصف الستينات وما بعدها يكون الحصول على عوائد الاستثمارات التي قام بها الشخص أو مرحلة الاستفادة من المدخرات المالية التي تم بنائها خلال المراحل العمرية السابقة.
مهارات يتعين تعلمها
الباحث الاقتصادي، ياسين أحمد، أفاد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن مرحلة العشرينات تعد هي الفترة التي تؤهل الشخص من خلال خطواته المالية من أجل أن يجني ثمار ذلك في الفترات التي تليها، خاصة بالأربعينات وما فوق ذلك، حيث تعتبر هي أفضل المراحل العمرية التي تؤهل الشخص فيما بعد.
وشدد على ضرورة أن يقوم الشباب خلال تلك الفترة بالاستثمار في أنفسهم عبر تنمية مهاراتهم وتأهيل أنفسهم لسوق العمل بشكل علمي وعملي، من خلال التدريبات العملية والاستفادة من تجارب وخبرات أصحاب الأعمال.
وحدد بعض المهارات واللغات التي يتعين أن يتعلمها الفرد في فترة العشرينات من عمره، وأهمها تعلم اللغات، وتعلم المهارات التكنولوجية (..)خاصة في مجال تحليل البيانات؛ لأنها تزيد من إبداعه ومهارته، وتخلق له فرص دخل أعلى.
وذكر أن مراحل التأهيل للتكوين المالي هي العشرينات ومراحل بدء التكوين المالي هي الأربعينات، أما مرحلة الخمسينات فهي مرحلة النمو في الثروة والتوسع في النشاط نتيجة للاستفادة من الخبرات التي تكونت من المراحل السابقة لها.
وأوضح أنه في مرحلة الثلاثينات بالتحديد يكون الشخص مؤهلاً بخبرته أن يكون مسؤولاً عن جانب كبير في العمل خلال هذه المرحلة مستهدفاً الوصول إلى أن يصبح صاحب العمل خلال المرحلة التالية من عمره في الأربعينات، لذا؛ تعد هي مرحلة الحصاد الأولي.
المرحلة اللاحقة لما بعد أن يصبح الشخص صاحب العمل، سيركز على توسيع نشاط عمله.
استراتيجية تحقيق النجاح المالي
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن تحقيق النجاح المالي على مدار الفترات العمرية المختلفة، يستوجب اتباع بعض الأفكار والاستراتيجيات، لافتاً إلى أنها قد تختلف تبعاً للظروف الشخصية والاقتصادية لكل فرد.
في فترة العشرينات يبدأ الفرد التوفير؛ حيث يعتبر الشروع في الادخار في سن مبكرة خطوة مهمة لتحقيق النجاح المالي في المستقبل، وذلك من خلال تحديد نسبة معينة من الدخل للادخار والالتزام بها.
- الاستثمار في المعرفة من خلال استغلال فترة العشرينات لتعلم وتطوير مهارات جديدة.
- قد تكون الدروس التعليمية أو الدورات التدريبية أو الحصول على شهادات إضافية مفيدة لتعزيز الفرص المهنية في المستقبل.
أما في فترة الثلاثينات، وفق خضر، فتتضمن بناء قاعدة مالية في هذه المرحلة، من خلال وضع خطة مالية واضحة تتضمن تحديد الأهداف المالية قصيرة وطويلة الأمد ووضع خطة لتحقيقها.
ويمكن أن تشهد تلك الفترة تنويعاً في أشكال مختلفة من الاستثمار، إذ تعد فرصة جيدة لتحقيق النجاح المالي في هذه المرحلة، ذلك عبر عمل دراسة للسوق والتحليل والاستشارة المالية لاتخاذ قرار استثماري مناسب.
ويضيف الخبير الاقتصادي: أما في فترة الأربعينات، يفضل في هذه المرحلة تنويع مصادر الدخل والاستثمار (..)، موضحاً أنها تشهد كذلك التخطيط للتقاعد من خلال إعداد خطة تقاعد شاملة وتحديثها بانتظام، كما يتعين تحديد المبلغ الذي يحتاجه الشخص للتقاعد والبدء في توفيره واستثماره بطرق تتناسب مع أهدافه المالية.
-وفي مرحلة الخمسينات، يتم تقييم الاستعداد للتقاعد وتحقيق الأهداف المالية المرتبطة به، حيث تحتاج إلى التحسينات في خطة التوفير والاستثمار الخاصة بالشخص. كذلك العمل على إعادة التوازن المالي، حيث تحتاج إلى إعادة التوازن بين المخاطرة والاستقرار المالي.
ويضيف: ” لا بد من أن يعتمد الشخص على استثمارات أكثر محافظة في هذه المرحلة من العمر”.
وضع خطة مالية
وينصح الخبير الاقتصادي الأفراد بالانتباه إلى النقاط التالية خلال التخطيط المالي:
- وضع خطة مالية شاملة تشمل الميزانية الشهرية والتوفير والاستثمار وإدارة الديون، مع المحافظة على مراجعتها بانتظام وتعديلها حسب الحاجة.. والتوازن بين الدخل والنفقات وأن تكون وفقاً لإمكانات الشخص المالية وتجنب الديون العالية.
- ضبط نمط الحياة الذي يتناسب مع الدخل والحفاظ على التوازن بين النفقات الضرورية والاستمتاع بالحياة.
- التعلم المستمر وتطوير المهارات من خلال الاستثمار في النفس، حيث يساعد ذلك في تحسين فرصه المهنية وزيادة الدخل.
- الاحتياطات المالية من خلال بناء صندوق احتياطي للطوارئ يكفي لتغطية نفقات الفرد لعدة شهور، حيث تكون هذه الاحتياطات مهمة في حالة حدوث ظروف غير متوقعة مثل فقدان الوظيفة أو مشاكل صحية.
- مع تقدم العمر، قد يتغير التركيز والأولويات المالية للأفراد، ومن المهم مراجعة الخطط والتكيف مع التغيرات في الحياة الشخصية والمهنية، إضافة إلى الاستمرار في تطوير المعرفة المالية وتحسين المهارات في إدارة الأموال لتحقيق النجاح المالي طوال الحياة.