تعد جزيرة إيكاريا في اليونان واحدة من الأماكن القليلة في العالم، التي يعيش سكانها لفترة طويلة بشكل غير عادي، ففي هذه البقعة الجغرافية “ينسى الناس الموت”، بحسب وصف أحد المعمرين القاطنين هناك.
وما تشهده الجزيرة اليونانية لناحية طول عمر سكانها، ليس بالأمر الجديد، ففي عام 2009، أظهرت دراسة قام بها أطباء وباحثون يونانيون أن 13 بالمئة من سكان إيكاريا تجاوزوا سن الثمانين عاماً، مقارنة بنسبة 1.5 بالمئة، تم تسجيلها في العالم أجمع، وحوالي 4 بالمئة تم تسجيلها في أميركا الشمالية وأوروبا.
كما أظهرت الدراسة أن الناس في الجزيرة أكثر عرضة للعيش حتى سن 100 عام، بمقدار 10 مرات مقارنة بالأميركيين.
وطول العمر الذي يتمتع به سكان الجزيرة اليونانية، يعود بشكل أساسي للتقاليد الغذائية المتبعة في تلك البقعة الجغرافية والمستوحاة من حمية البحر الأبيض المتوسط، المليئة بمختلف العناصر الغذائية التي تمنح الطعام قيمة صحية.
وبحسب تقرير لشبكة CNBC فإن مخازن المؤن المنزلية في إيكاريا تحتوي على العناصر الغذائية التالية:
الفول والبقوليات
الفول والحمص والفاصولياء والعدس والبازلاء، من بين المكونات الأساسية لوجبات الطعام في إيكاريا، حيث إن إضافة هذه المكونات إلى الوجبات اليومية، ساهمت في زيادة عمر سكان الجزيرة، وساعدت البعض على التخلص التدريجي من اللحوم في نظامهم الغذائي.
الثوم
بالنسبة لسكان إيكاريا فإن الثوم هو المكون الطبيعي المثالي الذي يوفر النكهة والصحة، حيث يعتقد هؤلاء أن كل حبة ثوم تحتوي على صيدلية افتراضية. ويستخدم سكان إيكاريا الثوم حتى في المشروبات الساخنة من خلال إضافته للشاي والمريمية، والزنجبيل، وهذه النصيحة مأخوذة من المعمرين القاطنين هناك، الذين يعتقدون أن الثوم يجعل كل شيء تقريباً ذا مذاق أفضل.
الحبوب
الحبوب الكاملة مثل البرغل، الفريكة، القمح، المعكرونة، وخاصة معكرونة القمح الكامل والمعكرونة الخالية من الغلوتين وعالية البروتين، جزء لا يتجزأ من نظام إيكاريا الغذائي، وهذه المواد الغذائية يجب أن تكون دائماً في متناول اليد هناك.
الأعشاب
تمتلك معظم العائلات في إيكاريا، خزانة مليئة بالأعشاب المجففة، المعروفة بميزاتها العلاجية، التي تنتقل من جيل إلى جيل، وهذه الأعشاب تشمل أوراق الغار، المردقوش، الزعتر والزعتر البري، النعناع.
المكسرات
تعتبر المكسرات مثل اللوز والجوز والفستق والسمسم والطحينة، عنصراً مهماً في العديد من الوصفات الغذائية في إيكاريا، وهذه العادة تنمو بكثرة في جميع أنحاء اليونان أيضاً.
الزيتون وزيت الزيتون
تناول الزيتون بمفرده أو مع السلطات هي عادة رئيسية في إيكاريا، كما أن تناول زيت الزيتون البكر هو ضرورة مطلقة في الجزيرة اليونانية نظراً لخصائصه الصحية.
ملح البحر
في إيكاريا، يستخدم الكثير من الناس، “ملح البحر” الذي يتجمع في أحواض الملح الطبيعية الصغيرة، التي تشكلت على طول الساحل الصخري للجزيرة على مر العصور.
العسل
تناول العسل يومياً أحد أسرار طول العمر لسكان الجزيرة، فالعسل مضاد للجراثيم، وغني بمضادات الأكسدة بما في ذلك مركبات الفلافونويد، ويساعد الجسم على تنظيم مستويات السكر في الدم، وكثير من الناس هناك يأكلون ملعقة عسل كل صباح.
الفواكه المجففة
التين والزبيب نوعان من الفواكه المجففة المتوفرة دائماً في إيكاريا، وذلك لاستخدامها في جميع أنواع الأطباق المالحة، خاصة في السلطات وأطباق الأرز.
الزبادي
يتم إنتاج الزبادي التقليدي في إيكاريا من حليب الماعز.
الفيتا والأجبان المماثلة
تقريباً كل الجبن الذي يصنعه ويأكله سكان إيكاريا، يتم إنتاجه من حليب الماعز أو حليب الأغنام، مثل الفيتا، حيث يتم تخمير الكثير منها بشكل طبيعي.
علاقة الصحة بالاقتصاد
ويقول المحلل الاقتصادي أحمد عبد الله، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه على الرغم من أن ظاهرة شيخوخة السكان لها تأثيرات سلبية على كل قطاعات المجتمع، بما في ذلك سوق العمل والأسواق المالية، إضافة إلى تسببها في ارتفاع الإنفاق الحكومي على قطاع الرعاية الصحية، إلا أن الأشخاص الأصحاء ورغم كبر سنهم يدفعون نحو اقتصاد أقوى، فالتحصن ضد المخاطر الصحية عبر الاعتماد على نظام غذائي، مليء بالعناصر المفيدة، يعد بمثابة وصفة ممتازة تؤدي إلى انخفاض مطرد في تكاليف الرعاية الصحية، التي تتحملها الحكومات في العالم، وهذا الأمر يصب في مصلحة المجتمع بشكل عام.
وبحسب عبد الله فإن الطلب على الصحة والحاجة إليها كعنصر أساسي لاستقرار المجتمع يتزايد باستمرار، وهذا الأمر لا يشمل فقط كبار السن بل أيضاً الشباب، خصوصاً أن القوى العاملة الأكثر صحة، تكون أكثر قدرة على المنافسة، فالأسر ينخفض مدخولها من جراء أيام العمل المفقودة والنفقات الطبية، ومع انخفاض مستويات إنتاجية العمال، تنخفض أرباح المؤسسات ومن ثم تنخفض حصيلة الإيرادات الضريبية لدى الحكومات، الأمر الذي يؤثر على الميزانيات التي يتم تخصيصها لبناء وصيانة البنية التحتية، وغيرها من الخدمات الأساسية، ومن هنا يمكن فهم كيف ترتبط الصحة بالاقتصاد.
النظام الغذائي ركيزة للصحة
ويؤكد عبد الله أن هناك علاقة قوية بين الصحة والاقتصاد، وهذا الأمر تدركه بعض الحكومات التي تعمل على تحسين الوضع الصحي لشعوبها، من خلال النصائح التي توجهها لهم بشأن الأنظمة الغذائية الواجب اتباعها، وضرورة الابتعاد عما هو مضر صحياً وبيئياً، معتبراً أن الصحة التي يتمتع بها سكان جزيرة إيكاريا، تثبت أن النظام الغذائي، حجر أساس في تعزيز قدرة الشعوب على اكتساب الصحة، ما ينعكس إيجاباً على سوق العمل والمنافسة.
ويشدد عبد الله على أن العلاقة القوية بين الصحة والاقتصاد، لا تقتصر فقط على النظام الغذائي، بل تمتد لتشمل أيضاً الممارسات البيئية، فالأمراض المرتبطة بالتلوث البيئي، تؤدي إلى خسائر في الإنتاجية تعادل ما يقرب من 2 بالمئة، من إجمالي الناتج المحلي السنوي العالمي بحسب الأمم المتحدة، ومن هنا، فإن دور الجهات الرقابية الحكومية والمشرعين، يفترض أن يتطور لمواجهة الكلفة المرتفعة للتلوث على الصحة والاقتصاد.
كلفة باهظة لزيادة متوسط العمر
وبحسب مؤلف كتاب “حتمية طول العمر” وأستاذ الاقتصاد في كلية لندن للأعمال، أندرو سكوت، فإن التحدي الأكثر أهمية في العالم حالياً، هو كيف يتقدم الإنسان في السن بشكل صحي، فكلما تقدمنا في السن بشكل أفضل، كلما أصبحت المكاسب أكثر قيمة.
ويشير سكوت إلى أن الأسباب الأولى للوفاة في الوقت الراهن، هي أمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض الرئوية، والخرف، والسكري، وكل هذه الأمراض لها عامل خطر مشترك هو التقدم في العمر، مشيراً إلى أنه إذا تمكن العالم من إيجاد طريقة لإبطاء الشيخوخة البيولوجية، فمن المحتمل أن يؤثر ذلك على أمراض متعددة.
ويكشف مؤلف كتاب “حتمية طول العمر” أن طموح إيجاد طريقة لإبطاء الشيخوخة البيولوجية، له كلفة كبيرة جداً، حيث تشير تقديرات إحدى الدراسات، إلى أن الزيادة في متوسط العمر المتوقع لمدة عام واحد في الولايات المتحدة، قد تبلغ حوالي 38 تريليون دولار.
الصحة أهم استثمار للإنسان
من جهتها، تقول أخصائية التغذية تالة الخطيب، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الصحة هي أهم استثمار يقوم بها الفرد خلال مسيرة حياته، ولذلك فإن الانخراط في سلوكيات غذائية صحية، يسهم في تعزيز النمو الصحي للإنسان، ويبطئ الشيخوخة، وهو أمر أساسي يجب على كل فرد القيام به، كاشفة أن النظام الغذائي الذي يعتمده سكان جزيرة إيكاريا في اليونان، هو جزء لا يتجزأ من النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر منذ فترة طويلة أحد أكثر الأنظمة الغذائية صحة في العالم، نظراً لفوائده المتعددة الناتجة عن تناول المزيد من الفواكه والخضروات والبقوليات والحبوب الكاملة، والمكسرات والكثير من المنتجات الطازجة التي تساهم في زيادة عمر الإنسان أعواماً طويلة.
إطالة العمر دون كلفة
وتضيف الخطيب أن النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، هو أسلوب حياة يعتمد على الأطعمة الصحية، ويتضمن عدداً قليلاً جداً من الأطعمة المصنعة، حيث يشجع على طهي المزيد من الوجبات في المنزل، فهذا النظام يتضمن مكونات يمكن أن تزيد متوسط العمر، وهي زيت الزيتون البكر الممتاز، الفاصولياء، الخضروات، المكسرات، لافتة إلى أن دراسة نُشرت في مجلة Alzheimer’s & Dementia أظهرت أن من يلتزم بالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، ينخفض لديه خطر الإصابة بالضعف الإدراكي بنسبة 30 بالمئة، وخطر الإصابة بالزهايمر بنسبة 40 بالمئة.
وبحسب الخطيب فإن التركيز على تناول أطعمة تحتوي على مضادات للأكسدة، ومضادات للالتهابات وأحماض أوميغا-3 الدهنية، مثل الفاكهة، والمكسرات والبذور، والحبوب الكاملة، وزيت الزيتون، والحمص والفاصولياء والعدس، والخضراوات، والبصل والثوم والزعتر، إضافة للاستهلاك المعتدل للمأكولات البحرية، والدواجن ومنتجات الألبان الطازجة، وأيضاً ممارسة الرياضة بانتظام، له تأثير إيجابي كبير على صحة الإنسان وسنوات عيشه، ويؤدي في النهاية إلى زيادة متوسط العمر دون أي كلفة باهظة.