عقب انتهاء الهجوم الإيراني على إسرائيل، شنّت عشرات الغارات الجوية على غزة خلال الليل، وفق ما أعلنت حركة حماس الاثنين، فيما أكدت إسرائيل أن الهجوم الإيراني الذي تعرضت له في نهاية الأسبوع وأثار مخاوف من تصعيد إقليمي، لن يصرف اهتمامها عن الحرب التي تخوضها في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وواصلت القوى الدولية الاثنين، الدعوة إلى ضبط النفس بعدما أطلقت إيران ليل السبت الأحد، أكثر من 300 مسيّرة وصاروخ على إسرائيل، في هجوم غير مسبوق أكد الجيش الإسرائيلي «إحباطه» واعتراض الأغلبية العظمى مما أطلقته طهران.
وجاء أول هجوم مباشر لإيران على إسرائيل رداً على قصف دمّر مبنى قنصليتها في دمشق في الأول من نيسان/إبريل، في خضمّ الحرب بين إسرائيل وحركة حماس التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، الأحد: «حتى أثناء تعرضنا لهجوم من إيران، لم نصرف ولو للحظة الانتباه عن مهمتنا في غزة لإنقاذ رهائننا من أيدي حركة حماس».
ولم تكشف إسرائيل رسمياً عن خطوتها المقبلة ردّاً على الهجوم الإيراني، إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن مصادر سياسية وأمنية محلية رفيعة، قولها إن الحكومة منقسمة بشأن ذلك.
ورغم تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن دعم بلاده «الثابت» لإسرائيل والمساعدة التي قدمتها واشنطن لصد الهجوم، قال مسؤول أمريكي كبير، إن بايدن أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن واشنطن لن تقدّم دعماً عسكريا لأي رد على إيران.
من جهته، أكد الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للصحفيين: «لا نريد أن نرى تصعيداً في الوضع، لا نسعى إلى حرب أكثر اتساعاً مع إيران».
وبينما تحاول الدول الوسيطة التوصل إلى هدنة في غزة، تتزايد المخاوف من مخطط إسرائيلي لشن عملية برية في رفح، المدينة الواقعة في جنوب القطاع والتي باتت الملاذ الأخير لأغلبية سكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.
وقال هغاري: «ما زالت حماس تحتجز رهائننا في غزة»، في إشارة إلى حوالي 130 شخصاً، من بينهم 34 يعتقد أنهم قتلوا، تقول إسرائيل إنهم ما زالوا في غزة منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وأضاف، «هناك أيضاً رهائن في رفح وسنبذل كل ما في وسعنا لإعادتهم».
في غضون ذلك، أعلن الجيش أنه بصدد استدعاء «بحدود كتيبتين من جنود الاحتياط لنشاطات عملياتية على جبهة غزة»، وذلك بعد حوالي أسبوع من سحب معظم القوات البرية من القطاع.
ودفعت شائعات عن إعادة فتح حاجز إسرائيلي على الطريق الساحلي من جنوب القطاع إلى مدينة غزة، آلاف الفلسطينيين للتوجه إلى الشمال، الأحد، رغم نفي إسرائيل ذلك.
وشاهد مراسل وكالة فرانس برس أمهات يحملن أطفالهن وعائلات تنتقل على عربات تجرها حمير مع أمتعتها.
وقال محمود عودة للوكالة: «أخبرتني (زوجتي في مدينة خان يونس الجنوبية)، عبر الهاتف بأن الناس يغادرون، هي تنتظر عند الحاجز حتى يوافق الجيش على السماح لها بالتوجّه شمالاً».
ورغم ذلك، أفاد الجيش فرانس برس بأن التقارير عن فتح الطريق «غير صحيحة».
- «لا نقدر أن نتنفس»
والاثنين، أفاد مكتب الإعلام الحكومي التابع لحماس بأن «إسرائيل شنت عشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي استهدفت مخيم النصيرات ومنطقة المغراقة في وسط القطاع، ومحيط المستشفى الأوروبي بجنوب شرق خان يونس، وحي تل الهوى والزيتون».
وقال الناطق باسم الدفاع المدني في القطاع محمود بصل: «انتشلت طواقمنا في محافظة خان يونس اليوم 18 جثة من مختلف الفئات والأعمار، وتم نقلها إلى مستشفى الأوروبي بخان يونس».
وأفاد الدفاع المدني بـ«العثور على 5 من الجثامين على الأقل لقتلى تحت السواتر الرملية التي أقامها الجيش الإسرائيلي بعد توغله في بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة».
وأثارت الحرب توتراً إقليمياً ومخاوف من تصعيد واسع، خصوصاً في ظل تبادل للقصف بين إسرائيل و حزب الله اللبناني.
وقالت بسمة سلمان، وهي نازحة من غزة كانت تحاول العودة إلى شمال غزة: «مهدم أو مش مهدم (المنزل) سنعيش فيه، لا أستطيع البقاء في منطقة الجنوب؛ لأنها أصبحت مليئة بالناس، لا نقدر أن نتنفس حتى، الحرب كانت (تداعياتها) سيئة جداً علينا».
وليل السبت، قالت حماس إنها قدمت ردها على مقترح التهدئة الذي قدمه وسطاء أمريكيون وقطريون ومصريون خلال المحادثات التي بدأت في القاهرة في وقت سابق من نيسان/إبريل.
وأكدت حماس تمسّكها بمطالبها، خصوصاً الوقف الدائم لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع والسماح بعودة السكان إلى مساكنهم.
ورأى جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) أن «رفض المقترح، يُظهر أن رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة يحيى السنوار لا يريد اتفاقاً إنسانياً ولا عودة الرهائن، ويواصل استغلال التوتر مع إيران»، ويسعى إلى «تصعيد شامل في المنطقة».
لكن الولايات المتحدة قالت، إن جهود الوساطة مستمرة.
وقال المتحدث كيربي: «هناك اتفاق جديد مطروح، إنه اتفاق جيد» يطلق بموجبه سراح بعض الرهائن، ويتوقّف القتال، وتدخل المزيد من المساعدات الإنسانية.
- دعوات متواصلة للتهدئة
وفي اليومين الماضيين، تقدّم الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى واجهة الاهتمام الإقليمي على حساب حرب غزة.
وعلى رغم الإدانات الغربية للهجوم، توالت الدعوات إلى ضبط النفس.
ودعا المستشار الألماني أولاف شولتس، الاثنين، إسرائيل الى «المساهمة في خفض التصعيد»، وقال خلال زيارة إلى الصين، إن «الطريقة التي تمكنت من خلالها إسرائيل بالتعاون مع شركائها الدوليين، من صدّ هذا الهجوم، مثيرة للإعجاب فعلاً»، معتبراً ذلك «نجاحاً لا يجب التفريط به، ومن هنا فإن نصيحتنا (لها) هي المساهمة في خفض التصعيد».
كما أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، أن بلاده ستبذل ما في وسعها للحؤول دون التصعيد، ومثله فعلت بريطانيا على لسان وزير الخارجية ديفيد كامرون.
وفي موسكو، كرر الكرملين، الاثنين، دعوة الخارجية الروسية الأحد للتهدئة.
من جهتها، حضت إيران على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها ناصر كنعاني الدول الغربية على أن تكون «ممتنة» لضبط النفس الذي أبدته.
وقال كنعاني خلال مؤتمر صحفي: «على الدول الغربية أن تكون ممتنة لإيران على ضبط النفس خلال الأشهر الماضية» عوضاً عن «كيل الاتهامات بحقها».
وكان مجلس الأمن الدولي عقد جلسة طارئة، الأحد، ضغطت فيها إسرائيل من أجل فرض عقوبات جديدة على طهران.
وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أنه «لا المنطقة ولا العالم يستطيعان تحمل نشوب حرب أخرى»، وحضّ على «أقصى درجات ضبط النفس».
في المقابل، قال مندوب طهران لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني: «فشل مجلس الأمن في تأدية واجبه بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين» من خلال عدم إدانته الضربة التي استهدفت القنصلية، مشيراً إلى أنه «في ظل هذه الظروف، لم يكن أمام جمهورية إيران خيار آخر سوى ممارسة حقها في الدفاع عن النفس».
وعلى رغم تأكيد إيران أن ردّها على قصف القنصلية انتهى، قال هغاري ليل الأحد، إن إسرائيل «ما زالت في حالة تأهب قصوى وهي تقيّم الوضع».
وأعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين، إعادة فتح المدارس في معظم أنحاء البلاد، بعدما أغلقت لأسباب أمنية السبت.
كما استأنفت المطارات في إيران، حركة الإقلاع والهبوط، الاثنين، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي، بعد تعليقها أو تأثرها جراء الهجوم ضد إسرائيل.