«الخليج» – وكالات
في أعقاب تراجع الدبلوماسية في الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة غياب الحلول المهيمنة على الساحة، علاوة على تأزم الأوضاع بالنسبة للأوكرانيين بعد ركود الإمدادات العسكرية الغربية، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة في شرق أوروبا، حيث يتبادل المتخاصمان الهجمات بشكل مطرد لا هوادة فيه عبر استهداف خطوط الإمداد أو القوات المتقدمة على كل الجبهات أو عن طريق تدمير أهداف لوجستية في عمق كلا الدولتين مثل، محطات الطاقة وأماكن تجمع الجنود أو الموانئ والمطارات بأسراب المسيرات و زخات الصواريخ.
وقصفت القوات الروسية السبت، مبنيين في منطقة خاركيف في شمال شرق أوكرانيا، ما تسبب في مقتل شخص وإصابة آخر، في حين استهدفت مسيّرات أوكرانية حلقت في أجواء ثماني مناطق روسية ليل الجمعة، مستودعاً للوقود وثلاث محطات كهربائية فرعية.
واستهدف القصف الروسي مدينة فوفشانسك الأوكرانية التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن الحدود الروسية، التي غالباً ما استُهدفت في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وأعلن حاكم المنطقة أوليغ سينيغوبوف، أن «القوات الروسية قصفت مبنى من تسعة طوابق ومنزلاً خاصاً».
وأضاف سينيغوبوف، أن امرأة في الستين من العمر أصيبت في الهجوم، ناشراً صورة لأكوام من الأنقاض إلى جانب الجزء المنهار من مبنى سكني متعدد الطوابق.
ووقع القصف بعدما أطلقت روسيا ليلاً سبعة صواريخ على الأقل على أوكرانيا أسقطت الدفاعات الجوية اثنين منها، بحسب القوات الجوية الأوكرانية.
وليل الجمعة السبت، حلقت مسيّرات أوكرانية في أجواء ثماني مناطق روسية، مستهدفة مستودعاً للوقود وثلاث محطات كهرباء فرعية، وفق ما أفاد مصدر في وزارة الدفاع الأوكرانية.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية: إن «أضراراً لحقت بثلاث محطات كهرباء فرعية على الأقل ومستودع للوقود، حيث اشتعلت النيران، وكانت الغاية (من القصف) استهداف منشآت الطاقة التي تغذي المجمع العسكري الصناعي الروسي».
وكانت الضربة التي نفذت ليلاً «عملية مشتركة» بين جهاز الأمن الأوكراني والمخابرات العسكرية والقوات المسلحة، بحسب الوكالة نفسها.
وكان حاكم منطقة سمولنسك الشرقية، قد أفاد في وقت سابق، بأن أوكرانيا أطلقت مسيّرات على «منشأة للنفط وللطاقة» خلال ساعات الصباح الأولى، مشيراً إلى أن المحطة لم تغلق.
وصرح الحاكم فاسيلي أنوخين، أن «قوات الدفاع الجوي أسقطت مسيّرات لكن نتيجة الحطام المتساقط، اشتعلت النيران في خزان للوقود ومنتجات التشحيم».
وكشفت وزارة الدفاع الروسية، عن اعتراض خمسين مسيّرة أوكرانية خلال الليل، بينها مسيّرة في أجواء سمولنسك، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وأفاد حاكم منطقة بلغورود الروسية، السبت، بأن القصف الأوكراني تسبب بمقتل امرأة حامل في بلدة قريبة من الحدود مع روسيا.
وقال فياتشيسلاف غلادكوف: إن «بلدة نوفويا تافولجانكا في منطقة شيبيكينسكي الحضرية تعرضت لقصف أوكراني أسفر عن مقتل امرأة حامل وجنينها».
نقل الحرب إلي الأعماق
وتكثف أوكرانيا التي تواجه حرباً ثقيلة مع روسيا، مستهدفة خصوصاً منشآت للنفط والغاز، وهي تعهدت نقل المعارك إلى عمق الأراضي الروسية رداً على اشتداد القصف الروسي للبنى التحتية المدنية.
وطلبت كييف من حلفائها الغربيين مدّها بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي، والجمعة، حض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، حلف شمال الأطلسي على زيادة وتيرة تسليم الأسلحة إلى قواته المتعثرة في وجه جيش روسي أكبر حجماً وأفضل تجهيزاً.
فيما كثفت روسيا إنتاجها العسكري «بتجديد مخزوناتها من الأسلحة والذخائر المعيارية»، حتى باتت قادرة على مواصلة الحرب في أوكرانيا «للعامين القادمين على الأقل»، بحسب ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية التي قارنت ذلك بمعاناة أوكرانيا من نقص الأسلحة والجنود، وخسارة الأراضي في ميدان المعركة.
ويرى الخبراء، أن الكرملين يسعى من أجل زيادة قدراته العسكرية وإنتاج أسلحة حديثة يمكنها تحسين الأداء الميداني للقوات الروسية في أوكرانيا، لكنه استفاد في الوقت نفسه من تفوقه الساحق في أعداد الجنود وقدرته على تسليحهم بأسلحة قديمة، لكنها صالحة للاعتماد عليها، بالإضافة إلى قدرته على تحمل واستيعاب خسائر فادحة.
ومن خلال إعادة ضبط اقتصاده على أساس الحرب، وتمكين المؤسسات العسكرية من العمل بأقصى طاقاتها لإنتاج أو تجديد المعدات القديمة، وشراء قطع غيار من إيران والصين وكوريا الشمالية، حققت روسيا تعافياً مفاجئاً من خسائرها المبكرة في أوكرانيا، بحسب الخبراء.
أوكرانيا في ورطة
ومع تباطؤ وتيرة تزويد كييف بالمساعدات العسكرية الغربية في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك المساعدات الأمريكية، أصبحت القوات الأوكرانية في ورطة استعادت القوات الروسية زمام المبادرة في حربها على أوكرانيا، إذ يمكن للروس الآن القصف بالمدفعية ونشر الطائرات المسيّرة بمعدلات تفوق الأوكرانيين بكثير.
وأعادت روسيا تسليح قواتها عن طريق تجديد المعدات الموجودة لديها سابقاً، والتي يعود معظمها إلى الحقبة السوفيتية.
وقال الخبراء لـ«واشنطن بوست»: إن قطع الغيار الصينية والكورية الشمالية «ذات جودة غير متسقة»، لكن شراءها أظهر قدرة موسكو على التحايل على العقوبات.
واعتقد المسؤولون الأمريكيون في البداية، أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تدهور قدرات الجيش الروسي بشكل خطير، لكن القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أوروبا الجنرال كريستوفر كافولي، قال في شهادته أمام الكونجرس، في وقت سابق من إبريل: إن «موسكو لديها الآن عدد من الجنود يفوق ما كان لديها في بداية هجومها على أوكرانيا، وأظهرت القوات الروسية المسلحة قدرة متسارعة على التعلم والتكيف مع التحديات الميدانية على المستويين التكتيكي والتكنولوجي».
وفي أواخر العام 2023، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على زيادة قياسية في الإنفاق العسكري لعام 2024، إذ يخطط لإنفاق نحو 115 مليار دولار، ما يعادل تقريباً ثلث إجمالي الميزانية السنوية لبلاده وضعف الأموال التي كانت مخصصة للجيش في عام 2021، وهو العام السابق على الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي الأشهر الأخيرة، أعلن مسؤولون روسيون رفيعون، بينهم وزير الدفاع سيرغي شويغو، أرقاماً قياسية، إذ أبلغوا بوتين بأن المجمع الصناعي العسكري ضاعف إنتاجه من المركبات المدرعة «4 مرات»، وزاد توريده للدبابات «5 مرات»، وعزز من تصنيع الطائرات المسيّرة وقذائف المدفعية بنحو «17 مرة».
هل تهزم أوكرانيا بحلول نهاية العام؟
وفي ظل ذلك النشاط المكثف وزخم الإنتاج غير العادي في مصانع السلاح الروسية، حذر القائد السابق لقيادة القوات المشتركة في المملكة المتحدة، من أن أوكرانيا قد تتعرض للهزيمة أمام روسيا في عام 2024.
وقال الجنرال ريتشارد بارونز، لبي بي سي: إن هناك «خطراً فعلياً» بأن تخسر أوكرانيا الحرب هذا العام، وأرجع السبب إلى، أن «أوكرانيا قد تصل إلى الشعور بأنها غير قادرة على الانتصار».
ويضيف الجنرال: «وعندما يصل الوضع إلى تلك النقطة، فلماذا سيرغب الناس في الاستمرار بالقتال والموت، للدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه؟»
وأوضح أن، أوكرانيا لم تصل بعد إلى تلك المرحلة، لكن قواتها تعاني من نقص شديد في الذخيرة والقوات والدفاعات الجوية، لقد فشل هجومها المضاد الذي تم الترويج له كثيراً العام الماضي في طرد الروس من الأرض التي سيطروا عليها، والآن تستعد موسكو لهجوم صيفي.
ويضيف: «إننا نرى روسيا تتقدم بقوة على خط المواجهة، موظِفَة استراتيجية الاستفادة من ميزة خمسة إلى واحد في المدفعية والذخيرة، وفائض العسكريين المعززين باستخدام أسلحة جديدة».
وتشمل الأسلحة الجديدة القنبلة الانزلاقية فاب FAB، وهي «قنبلة غير ذكية» معدلة، من الحقبة السوفيتية، ومزودة بزعانف ونظام تحديد المواقع العالمي جي بي إس (GPS) و1,500 كيلوغرام من المواد شديدة الانفجار، والتي تربك وتبعثر بشدة الدفاعات الأوكرانية.