يشكل سوق القهوة قطاعاً ديناميكياً في صناعة المشروبات العالمية، فالقهوة هي واحدة من أهم السلع المتداولة على وجه الأرض، حيث يتم استهلاك أكثر من 2.25 مليار فنجان من هذا المشروب يومياً حول العالم.
ويغذي الطلب العالمي الدائم على القهوة، شعبيتها الواسعة والطقوس الاجتماعية المرتبطة باستهلاكها، فهي تعتبر جزءاً أساسياً من العديد من الثقافات، وفي عام 2023، بلغ حجم سوق القهوة نحو 138.15 مليار دولار أميركي، بحسب شركة “إكسبرت ماركت ريسرتش” لأبحاث السوق.
ويتميز سوق القهوة بتنوعه الكبير، فالقهوة تأتي بأشكال ونكهات مختلفة تلبي مختلف الأذواق، وهذا ما ساعد في تعزيز انتشارها حول العالم، حيث أدى هذا الاتجاه إلى زيادة الاهتمام بابتكار نكهات قهوة جديدة وفريدة.
وفي السنوات السابقة قاد البشر وبدعم من أساليب التخمير محاولات ابتكار نكهات جديدة للقهوة، ولكن يبدو أن هذا الأمر لن يستمر بعد اليوم، فصناعة القهوة باتت على موعد مع تغيير كبير بطله الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي سيتولى مهمة إنتاج خلطات جديدة للقهوة تمنح المستهلكين نكهات فريدة.
وتقود فنلندا، وهي المستهلك الأول للقهوة في العالم، هذه المساعي بهدف تنشيط الصناعة على صعيد العالم.
ولجأت المحامص في فنلندا إلى حلول الذكاء الاصطناعي لإنتاج خلطات جديدة القهوة، وهذه التجربة قامت بها محمصة “كافا” وهي ثالث أكبر محمصة للقهوة في البلاد، بالتعاون مع شركة Elev لاستشارات الذكاء الاصطناعي، لتكون النتيجة طرح أول منتج للقهوة، تم إعداده بواسطة الذكاء الاصطناعي، ويحمل إسم “AI-conic”.
كيف تم ابتكار قهوة “AI-conic”؟
تقول محمصة “كافا” إنها وبالتعاون مع شركة Elev أرادت اختبار ما إذا كان الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يساعد في الحصول على نكهة جديدة، ولذلك قامت بتقديم أوصاف جميع أنواع حبوب البن ونكهات القهوة التي تمتلكها إلى برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وطلبت منها إنشاء مزيج جديد، لتقوم هذه البرامج بالتدقيق في بيانات القهوة الموجودة لدى المحمصة، وإرشاد الموظفين على المكونات التي يجب خلطها للحصول على نكهة جديدة.
ووجهّت برامج الذكاء الاصطناعي موظفي محمصة “كافا”، بتحميص وخلط 4 أنواع من حبوب البن وفقاً للنسب الآتية:
- 40 بالمئة من حبوب بن “فازيندا بينهال” من البرازيل
- 10 بالمئة من حبوب بن “جيروكي” من إثيوبيا
- 25 بالمئة من حبوب بن “سان لورينزو” من كولومبيا
- 25 بالمئة من حبوب بن “لا بولسا” من غواتيمالا
وبعد تنفيذ ما أوصت به برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي حرفياً، تبين أن هذه الخلطة تنتج نوعاً جديداً من القهوة ذات نكهة متناغمة تجمع بين المذاق الحلو ومذاق الفاكهة الناضجة، ليتم إطلاق اسم “AI-conic” على النوع الجديد من القهوة.
وتعليقاً على هذه النتيجة قال سفانتي هامبف، المدير الإداري ومؤسس محمصة “كافا”، إن هذه التجربة أثبتت كيف يمكن لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تساعد صناعة القهوة في المستقبل، مشيراً إلى أن هذه التكنولوجيا لديها الكثير لتقدمه على المدى الطويل، خصوصاً أن الخلطة الجديدة التي أبتكرتها كانت ذات مذاق مبهر.
وتتمتع فنلندا بثقافة قوية بشأن كل ما يتعلق بالقهوة، حيث يعود ذلك جزئياً إلى موقعها الجغرافي في شمال الدائرة القطبية الشمالية، والذي ينتج أياماً طويلة، تصل أحياناً إلى 19 ساعة من ضوء الشمس، مما يستلزم تدفقاً ثابتاً من الكافيين بالنسبة للسكان، وهذا ما جعل الدولة التي يبلغ عدد سكانها 5.6 مليون نسمة أكبر مستهلك للقهوة في العالم، حيث يستهلك الفرد الواحد هناك نحو 1560 كوباً من القهوة سنوياً، وذلك بحسب بيانات المنظمة الدولية للقهوة.
وجنون المشروبات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي لا ينحصر فقط بالقهوة، فقد أطلقت شركة كوكاكولا مشروب Y3000 في سبتمبر 2023، وهو مشروب بنكهات اقترحها الذكاء الاصطناعي، كما أضاف مصنع شركة Species X مجموعة من النكهات غير التقليدية للمشروبات التي ينتجها والتي تم إنشاؤها بمساعدة من الذكاء الاصطناعي.
تكنولوجيا تفهم التفاعلات بين المذاقات والروائح
قال الخبير في صناعة الأغذية والمشروبات وليد جبارة، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن القهوة هي المشروب الأكثر تناولاً في العالم بعد الماء والشاي، فشرب القهوة بات بمثابة نظام حياة يومي لمليارات الأشخاص حول العالم، مشيراً إلى أن أوروبا هي القارة الأكثر استهلاكاً للقهوة في العالم، تليها قارة آسيا، ومن ثم أميركا الشمالية، حيث تخضع القهوة بشكل متكرر للعديد من المتغيرات، وهذا النهج بات أمراً ضرورياً لكل منتجي القهوة في العالم كونه يحافظ على الحيوية والتجدد في هذه السوق.
وأضاف جبارة أن قطاع الصناعات الغذائية بات يلجأ بصورة متزايدة، إلى الذكاء الاصطناعي لفهم التفاعلات المختلفة بين المذاقات والروائح والعوامل الأخرى التي من شأنها أن تصنع منتجاً غذائياً ناجحاً، فبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدي لديها القدرة على البحث في البيانات، للعثور على الوصفات التي تتضمن المكونات التي تتناسب مع بعضها، وفي نهاية المطاف تبتكر وصفات جديدة بناء على المعطيات المتوفرة لديها، وهذا ما حدث عند ابتكار قهوة “AI-conic”، متوقعاً أن نشهد في الأشهر والسنوات المقبلة، ظهور المزيد من نكهات القهوة الفريدة بدعم من الذكاء الاصطناعي.
وبحسب جبارة فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يتمتع بالقدرة على إحداث ثورة لناحية الإبتكار في الصناعات الغذائية، فالطريقة القديمة والصعبة لخلق وصفات جديدة، والتي كانت تعتمد على أراء خبراء النهكات قد تصبح من الماضي، إذ سيكون الذكاء الاصطناعي هو المستقبل في هذا المجال.
وسيقتصر دور الخبراء على تزويد وإعلام برامج الذكاء الاصطناعي، بالبيانات الخاصة بكل منتج ليقوم بعدها البرنامج بتقييم المعلومات ومقارنتها ومن ثم التوصل للنكهة الجديدة بطريقة سريعة، مشيراً إلى أن برامج الذكاء الاصطناعي يمكنها التوصل سريعاً لكيفية تكوين نكهة جديدة، وكمية المكونات التي يجب تضمينها، بعيداً عن التحيزات المعرفية التي قد تكون موجودة لدى خبراء النكهات البشر تجاه بعض المكونات.
طريقة ابتكار الذكاء الاصطناعي لأصناف قهوة جديدة
وبدوره يقول المختص بالكيترينغ وتذوّق القهوة مازن الدسوقي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه مع وجود الكثير من البيانات التي يتم إنتاجها يومياً بواسطة إنترنت الأشياء والمصانع الذكية، يلجأ المصنعون بشكل متزايد إلى حلول الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي والشبكات العصبية لتحليل هذه البيانات، حيث يمكن لهذه الحلول أن تتنبأ بالنكهة والرائحة التي يحتاجها الشراب لمسايرة ميول المستهلكين، ولذلك رأينا أن قهوة “AI-conic” نالت إعجاب من تذوقها، فبرنامج الذكاء الاصطناعي يأخذ خلاصة النكهات ويبتكر صيغاً جديدة، تتماشى مع حواسنا في دقائق وبشكل أسرع من الإنسان، مشدداً على أن هذه البرامج يمكنها اكتشاف العيوب والقضاء على الخطأ البشري أو تقليله بشكل كبير.
ويرى الدسوقي أن إحدى أحد أهم تأثيرات الذكاء الاصطناعي في صناعة الأغذية والمشروبات، تتمثل بقدرة هذه التكنولوجيا على تطوير منتجات غذائية جديدة، لا يمكن إنشاؤها باستخدام الطرق التقليدية، حيث سيصبح هذا الأمر أكثر وضوحاً في السنوات القليلة المقبلة، عندما يتطور الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر، معتبراً أنه إضافة إلى دوره بابتكار نكهات جديدة، فإن دخول الذكاء الاصطناعي إلى صناعة القهوة، سيساعد في تحسين الجودة، زيادة الكفاءة، وخفض التكاليف، ومن هنا يمكن القول إن هذه التكنولوجيا ستقود التغيير الكبير الذي ينتظر صناعة القهوة في السنوات العشر المقبلة.
ولفت الدسوقي إلى هناك عدداً من التحديات التي يجب معالجتها، لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بكفاءة في تصنيع القهوة والمشروبات، فالذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات في خلطاته الجديدة، وفي حال كانت هذه البيانات غير منظمة وذات جودة رديئة، فهذا يعني أن النكهات المبتكرة ستكون رديئة الطعم ايضاً، ولذلك ولمواجهة هذا التحدي، يحتاج المصنعون إلى الاستثمار في مبادرات تحسين جودة البيانات وتصنيفها، في حين يتمثل التحدي الآخر بنقص الخبرة، فالعديد من مصنعي الأطعمة والمشروبات لا يمتلكون الخبرة اللازمة لتطوير وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وبالتالي يمكن معالجة هذا النقص من خلال الشراكات مع موفري حلول الذكاء الاصطناعي.