عندما وصل رئيس الصين شي جين بينغ إلى إيطاليا في زيارة عام 2019، لقي ترحيباً فخماً، وانتهت زيارته بانضمام إيطاليا إلى اتفاقية الحزام والطريق، لكن بعد خمس سنوات، وفي عودته الأولى إلى القارة العجوز منذ ذلك الحين، سيهبط الزعيم الصيني في مناخ مختلف تماماً.
ورغم أن الأبهة والاحتفال قد يستمران بينما يبدأ شي جولته الأوروبية التي تستغرق ستة أيام في فرنسا يوم الأحد، فقد تغيرت وجهات النظر بشأن الصين في مختلف أنحاء القارة بشكل كبير.
تدهور العلاقات الصينية الأوروبية
في الأسابيع الماضية وحدها، أطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقات تجارية بشأن شراء المعدات الطبية من الصين ومنتجات توربينات الرياح الصينية، كما داهم مكاتب شركة صناعة المعدات الأمنية الصينية نيوكتيك كجزء من التحقيق في الإعانات، في حين اعتقلت ألمانيا والمملكة المتحدة في الأيام الأخيرة أو اتهمت ما لا يقل عن ستة أشخاص بتهمة التجسس والجرائم ذات الصلة المرتبطة بالصين.
وفي ديسمبر كانون الأول 2023، خرجت إيطاليا رسمياً من مبادرة الحزام والطريق، في ضربة للصين كلفتها خسار الدولة الوحيدة العضو في مجموعة السبع.
ووراء هذه التطورات تكمن المظالم الاقتصادية المتصاعدة التي تجعل الاتحاد الأوروبي يستعد لمواجهة تجارية كبرى محتملة مع الصين، التي تشمل شكوكاً متزايدة إزاء طموحات بكين العالمية ونفوذها، فضلاً عن انزعاج أوروبا بشأن علاقات الصين العميقة مع روسيا التي تشن حرباً ضد أوكرانيا.
وقال الباحث في صندوق مارشال الألماني نوح باركين «يُنظر إلى الصين بشكل متزايد على أنها تهديد متعدد الأوجه في العديد من العواصم الأوروبية، هناك انقسامات داخل أوروبا حول كيفية معالجة المخاوف بشأن الصين، سواء في المجالين الاقتصادي أو الأمني».
والآن تشكل رحلة شي ــالتي تتوقف في فرنسا وصربيا والمجرــ فرصة للصين لكسب منتقديها، كما تظهر أيضاً أنه حتى مع تشدد وجهات النظر في بعض أجزاء أوروبا، فإن البعض الآخر لا يزال يرحب بالصين بأذرع مفتوحة.
الحرب التجارية
من المقرر أن يلتقي الزعيم الصيني رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الاثنين، في واحدة من أشد الجولات التي تنتظر شي خلال زيارته بسبب تصاعد الحرب التجارية بين الطرفين في الأونة الأخيرة.
قادت فون دير لاين حملة حاشدة للاتحاد الأوروبي من أجل تخلص أوروبا من الواردات الصينية، بسبب مخاوف بشأن تأمين تقنياتها الرئيسية، كما تقود رئيسة المفوضية الأوروبية تحقيقاً عالي المخاطر تدعمه فرنسا لمكافحة تدفق السيارات الكهربائية الصينية الواردة إلى أوروبا.
على جانب آخر، فتحت الصين في وقت سابق من هذا العام تحقيقاً في سعر البراندي المستورد من الاتحاد الأوروبي، في خطوة قد تضر بقطاع الكونياك في فرنسا وينظر إليها على نطاق واسع على أنها انتقام من التحقيقات الأوروبية.
وفي اجتماعاته المنتظرة، من المرجح أن يوجه شي رسالة بأن تجنب الصين أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لأوروبا، ويسلط الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه السيارات الكهربائية الصينية في الجهود الأوروبية والعالمية للحد من استخدام الوقود الأحفوري.
ومن المتوقع أيضاً أن تكون الحرب في أوكرانيا -وهي نقطة التوتر الحاسمة في العلاقات بين أوروبا والصين- على جدول أعمال الاجتماعات في وقت مبكر من هذا الأسبوع، إذ قد يسعى شي إلى تعزيز محاولات الصين لوضع نفسها كصانع للسلام.
ولكن سيكون من الصعب تحقيق اختراقات كبرى مع أشد منتقدي الصين ما لم يكن شي على استعداد لتقديم تنازلات مفاجئة، ويقول المحللون إن هذه الرحلة يمكن أن تسلط الضوء على الانقسامات، ليس فقط بين أوروبا والصين، ولكن داخل أوروبا، تلك التي يمكن أن تصب في مصلحة الصين.
صربيا والمجر ودعم الصين
يقول المراقبون إن زيارات شي إلى صربيا والمجر من المرجح أن تكون أقل إثارة للجدل، وهو الأمر الذي من المحتمل أن تأخذه الحكومة الصينية في الاعتبار عند التخطيط للزيارة.
وقال باركين «في بلغراد وبودابست، لن يضطر شي إلى الاستماع إلى الانتقادات التي يسمعها في العواصم الأوروبية الأخرى، إن قادتهما يرحبون بالاستثمارات الصينية، وليس لديهم مشكلة مع تعميق علاقات الصين مع روسيا».
وشهدت صربيا -ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي- التي وصفتها بكين في وقت سابق من هذا الأسبوع بأنها صديق «قوي»، علاقات تجارية واستثمارية متنامية مع الصين في عهد الرئيس ألكسندر فوتشيتش.
وفي يناير كانون الثاني، أعلنت صربيا عن صفقة يمكن أن تشهد استثمارات صينية تزيد على ملياري دولار في محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية ومنشأة لإنتاج الهيدروجين، حسب ما ذكرت رويترز في ذلك الوقت.
أما في المجر، فسيتطلع شي إلى تعميق علاقته مع رئيس الوزراء فيكتور أوربان ــحليف مفيد للصين في الاتحاد الأوروبي- الذي انتقد جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى مساءلة الصين بشأن قضايا حقوق الإنسان.
وهذا يعني أنه من المرجح أن يخرج شي من رحلته بنبرة مختلفة تماماً عن تلك التي بدأ بها، وقال تشونغ جا إيان الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية «سيكون هناك، على الأقل، قدر كبير من القبول لشي».
(سيمون مكارثي-CNN)