أنهت بكين أخيراً أكبر جولة تمويل لها حتى الآن لدعم صناعة أشباه الموصلات التي تتعرض لحصار واسع وضغوط من قبل الولايات المتحدة والغرب، حيث جمع ما يسمى بـ “الصندوق الكبير” ما يصل إلى 344 مليار يوان (47 مليار دولار أميركي) من أجل دعم استراتيجية الرئيس شي جين بينغ الهادفة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مواجهة مساعي واشنطن الحثيثة لتقييد وصول ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى أحدث التقنيات في تلك الصناعة.
ويعد الصندوق الوطني للاستثمار في صناعة الدوائر المتكاملة، أكبر مجمع لرأس المال في بكين يستهدف الشركات والتقنيات الناشئة للتغلب على ما تشير إليه بكين بـ “نقاط الاختناق” لصناعة الرقائق.
وقد تم تجميع التمويل من مساهمات من وزارة المالية والحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة، وللمرة الأولى، من البنوك المملوكة للدولة أيضاً.
وبحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فإن تلك الخطوة تأتي في خطٍ متوازٍ مع “سباق تكنولوجي متصاعد مع الغرب”. كما يعكس ذلك حجم إدراك بكين للجهود المبذولة في واشنطن والعواصم الأوروبية، والعمل على بناء صناعات أشباه الموصلات المحلية الخاصة بها.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة قدمت مليارات الدولارات من الدعم للمجموعات لبناء مصانع الرقائق على الأراضي الأميركية.
3 جولات تمويلية
- سبق لـ “الصندوق الكبير” أن جمع 139 مليار يوان في 2014 و200 مليار يوان في 2019 ، ولديه سجل في دعم عمالقة الرقائق الصينيين ودفع نمو الصناعة.
- ونقلت الصحيفة البريطانية عن أشخاص مطلعين، قولهم إن الجولة الثالثة للصندوق تستهدف الشركات الصينية المرتبطة بمعدات مصانع الرقائق، بعد أن ضخت الجولتان السابقتان رأس المال إلى تصنيع أشباه الموصلات.
وأسهمت عملية التمويل في رفع مجموعة كبيرة من أسهم أشباه الموصلات في الصين. وقفزت أسهم شركة SMIC، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، بنسبة 7% في هونغ كونغ، في حين ارتفعت أسهم منافستها هوا هونغ بنحو 5%. وارتفعت أسهم شركة Naura الصينية لصناعة معدات الحفر أكثر من 5%، بحسب تقرير الصحيفة مطلع الأسبوع.
تأمين ذاتي
من جانبه، يقول رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، عماد الأزرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- إن هذا التوجه الصيني الحالي بشكل عام فيما يخص صناعة الرقائق هو السبيل الأوضح بالنسبة لبكين نحو الاستفادة من أخطائها السابقة والتعلم من الدروس الأخيرة (وتأمين نفسها في القطاع).
- سلسلة الأحداث التالية لزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركية السابقة لتايوان، واستخدام الأخيرة ورقة الرقائق الإلكترونية لتهديد الصين، جميعها عوامل شكلت تهديداً قوياً فيما يتعلق بتدفق المواد الخام والرقائق لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي السلعة التي تتمتع بأهمية كبيرة.
ويشير إلى أن بكين حريصة خلال المرحلة الحالية على امتلاك هذه الصناعة وتعزيز مركزها بها؛ لأنها تمثل قطاعاً استراتيجياً يدخل في عديد من الصناعات الصينية المتنوعة ويمثل ركيزة اقتصادية هامة لها.
ويوضح رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، المتخصص في الشؤون الآسيوية، أن التوجه الحالي وتوفير الدعم والتمويل للشركات العاملة في القطاع داخل الصين “يضمن تأمين بكين لنفسها بشكل كبير في حالة وجود أي إجراءات أميركية جديدة أو مشاكل قد تحدث وتسبب تحديات اقتصادية لها في هذا القطاع تحديداً”.
لماذا دخلت البنوك علىى الخط؟
بالعودة لتقرير “فاينانشال تايمز”، فإنه يشير إلى أنه:
- بعد أن وافقت بكين على جولة ثالثة لـ “الصندوق الكبير”، كافحت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، التي تقود المبادرة، في البداية لجمع رأس المال من الحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة التي تعاني من الانكماش الاقتصادي.
- أدى ذلك إلى التواصل مع البنوك المملوكة للدولة للحصول على التمويل.
- أكبر ستة بنوك حكومية في الصين – بما في ذلك أكبر بنك صناعي وتجاري صيني – أصبحت الآن ضمن المساهمين، وفقا لسجل الشركات الذي تديره الحكومة.
- يمتلك المقرضون الستة حصة مجتمعة تبلغ 33.1 بالمئة في الجولة الثالثة في الصندوق. ويساهمون في رأس مال قدره 114 مليار يوان.
- لدى الصندوق 19 مساهما، مع مساهمة وزارة المالية بنحو 60 مليار يوان، بحصة تبلغ 17.4بالمئة.
- . كما استثمرت الشركات العملاقة المملوكة للدولة، مثل شركة الصين الوطنية للتبغ وتشاينا تيليكوم، في الصندوق الجديد.
ويرأس الصندوق الكبير تشانغ شين، وهو مسؤول عمل سابقاً كمفتش من المستوى الأول في قسم التخطيط بوزارة الصناعة والتكنولوجيا. تمت ترقية تشانغ إلى الصندوق العام الماضي بعد أن أطاح تحقيق صارم لمكافحة الفساد بزعيمه السابق دينغ وينوو وأكثر من 10 مديرين تنفيذيين آخرين مرتبطين بالصندوق.
توجه حتمي
من جانبه، يؤكد خبير العلاقات الدولية من القاهرة، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن جمع الصين لنحو 47 مليار دولار للشركات الصينية المرتبطة بمعدات صناعة الرقائق يأتي في إطار مستهدفات بكين كي تعزز مكانتها كقطب اقتصادي هام ومُهمين في الصناعة، لا سيما وأن الرقائق قطاع محوري، يتعرض لضغوط منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي بدأ حرباً تجارياً ضد بكين، وما شهدته من تصاعد بالرسوم الجمركية.
ويضيف: الصين لا زالت تستورد عديد من معدات تصنيع الرقائق، فضلاً عن أن هذا المكون من التكنولوجيا دقيق للغاية تنتجه عدد بسيط من الدول مثل تايوان، لذلك وفي ظل استمرار تصاعد الخلاف -خاصة حال فوز ترامب- بين الصين وتايوان والتلويح بفرض إجراءات أميركية جديدة في سياق الحرب التجارية وفيما يخص الرقائق مرة أخرى، فإن هذه الخطوات الصينية هي خطوات استراتيجية مهمة.
ويشير إلى أن صناعة الرقائق لها أهمية كبيرة، إذ تدخل في صناعة الهواتف والأجهزة الكهربائية والطائرات والسيارات، لذلك تحاول الصين الاكتفاء ذاتيا والابتعاد عن الاعتماد الغربي.
وبحسب بيانات الجمارك الرسمية ارتفعت واردات بكين من الآلات المستخدمة في تصنيع الرقائق بنسبة 14 بالمئة العام الماضي 2023، إلى ما يصل إلى 40 مليار دولار. في وقت تسعى فيه الحكومة الصينية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الرقائق التي تشكل عصب التكنولوجيا.